"ذئاب"... اعتمادٌ فاشل على نجمين
إذا لم يُخصَّص هذا الفيلم للسخرية من أفلام الأكشن الأميركية، فإنّه عن تشجيع الجريمة للقادر على ارتكابها عمداً أو من دون قصد، لامتلاكه المال أو النفوذ، أو كليهما معاً. تنظيف المجرم من أدلّة إدانته وآثار فضائحيّتها مهنة جديدة مقترحة لشرعنتها، يطرحها "ذئاب" (2024) جون واتس، بتعاطفٍ كبير مع البطلين براد بيت وجورج كلوني.
الفيلم يبدو مُمازحاً أكثر منه ساخراً. لا يخضع لشرط الواقع في كتابة فصوله وتنفيذها، مُفرّغاً فجوات زمنية وحكائية، كأنّه يُقدّم شريطاً سحرياً، مع مواءمة الظروف وتكاتفها، لإنجاح المهمة القذرة التي يقوم بها بطلاه. "ذئاب" ينتهي في مشهده الأول، قبل اكتشاف أنّ القتيل، الذي يُغطّى قتله في ظروف تستدعي الفضيحة، حيٌّ يُرزق، لكنّه مُخدّر إلى حدّ يصعب حتى على الأطباء قياس نبضه.
هكذا يبدأ "ذئاب"، وهكذا ينتهي: صراعٌ شخصيّ تافه للغاية بين محتَرِفَين في تغطية الجرائم، يتشابه أحدهما مع الآخر بكلّ شيء، لكنّ الخلاف يتعلّق بالثقة بينهما. هناك حوارات غير حاذقة، يمكنها ألا تنتهي. كلّ هذا عداوة المهنة لا غير، وعلى المتلقّي تحمّلها احتراماً أو شغفاً بالمقدرة التمثيلية للنجمين، وغفران المحتوى المتردّي للفيلم، كالحاصل في سلسلة "أوشن". هنا، لا تساؤل عن الثقة التي يضعها المتلقّي في نجومٍ يعتبرهم ضمانة لنوعيّة عملٍ ومستواه الفني، على أنه معيار جودة. لذا، هل يكفي حضور جورج كلوني وبراد بيت، وهما يتبادلان حوارات ساذجة، لصنع فيلمٍ يُعبّر عن الثقة بهما؟
لعلّ شروط المُشاهدة تغيّرت هذه الأيام، كما ألمح إليه بيت، المُشارك في الإنتاج، بتصريحه للصحافة بأنّ منصّات البثّ التدفّقي، كـ"نتفليكس" و"آبل" وغيرهما، يُمكنها أنْ تعمل بشكل جيّد في زيادة عروض "ذئاب"، إذْ يبدو، بعد الدورة الـ81 (28 أغسطس/آب ـ 7 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان فينيسيا"، وردود فعل النقّاد المُخيّبة به، أنّ مبيعات تذاكره تراجعت، ما أدّى إلى اللجوء إلى المنصّات. هذا شديد الحساسية في الفرق بين فيلمٍ مشغول بفنية معقولة في اختصاصاته كلّها، وآخر مُعتمِد على تسويق النجوم.
السيناريو (واتس نفسه) يبدو مدرسياً، ويفتقر إلى التشويق، إلّا إذا اعتُبِرت المفاجآت تشويقية، لكنّها في "ذئاب" مجرّد إضافة عنصر جديد، يأخذ زمناً ملحوظاً من دقائقه ليُحشى في السياق. هكذا يُمكن تقسيمه إلى فصول عدّة، تجمعها وحدة الشخصيات القليلة فقط، فالفيلم يُمكن بناؤه على شخصية واحدة، لأنّ الشخصيتين هاتين تتطابق إحداهما مع الأخرى بالتصرّفات والحلول، إلى درجة أنّ لهما معاً علاقة بالمرأة نفسها، من دون معرفة سابقة بينهما.
مع هذا، يجري "ذئاب" مُلتهماً زمنه: من جثة لم تمت، إلى طبيبة تُعالج المُدمنين، ثم الدخول إلى حفلة لرجال العصابات في كازينو، حيث يرقصون غصباً عنهم، ولا بأس بمطاردة أيضاً، إذْ يهرب رجل الجثة شبه عارٍ، فيُلاحَظ أنْ لا جرح فيه، مع أنّه كان غارقاً في دمائه عند البداية. ولا بأس أيضاً بمعركة إطلاق رصاص مع المافيا الألبانية، وطبعاً هناك مخدّرات يجب إعادتها إلى أصحابها بسلامٍ للحفاظ على حياة الشاب ـ الجثة. كلّ هذه الثرثرات البصرية لا تروي حكاية مكتملة، مصوغة على ألسنة شخصيات ذات أبعاد إنسانية وسلوكية. كأنّ الكوميديا الخفيفة التي قدّمها جون واتس خارج إطار الدراما.
الموضوع (غسل جرائم وإدانات، وإبعاد عن الفضائح) معروض هذا العام في "قتلة زهرة القمر" (2023) لمارتن سكورسيزي، الذي يُشبهه من هذه الناحية، مع روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو، اللذين يُمكن الوثوق بنجوميتهما من ناحية التسويق. هذا الفيلم يحكي عن غسل جرائم، لكنْ بمعالجة درامية عميقة صنعت مع النجمين قطعة فنية مُحكمة الجودة، ما يُظهر أنّ "ذئاب" كأنّه يستخفّ بفكرة التغطية على جريمة، ويعتبر أنّ خدمة من وظَّف مغطّي الجريمة، مهما كان نوع الوظيفة، مسألة نبيلة، بل طريفة ومُحبّبة، يجب القيام بها على أكمل وجه، كواجب وظيفي يُستحسن أنْ ينفّذه المرء بكلّ جوارحه.
لم يوفّق النجمان كلوني وبيت في فيلم واتس من ناحية الأداء. لم يستطيعا تكرار تجربتهما في كوميديا الأكشن (سلسلة "أوشن")، فأداؤهما، المُعتَمد عليه فيه، باهتٌ، تعوزه الطرافة واللمحات الذكية، وهذا منسوبٌ أيضاً إلى السيناريو السطحي، الذي لم يُوفّق في الحصول على رقعة وجدانية في الشخصيات لتحميلها أبعاداً وجدانية، يمكنها رفع الحكاية إلى مستوى آخر.
مشاركة الخبر: "ذئاب"... اعتمادٌ فاشل على نجمين على وسائل التواصل من نيوز فور مي