الغارات على البادية السورية... قطع طريق الإمداد لحزب الله
يعدُّ الهجوم الذي شنته إسرائيل على مدينة تدمر في قلب البادية السورية، أول من أمس الأربعاء، الأكثر دموية في الضربات التي تطاول بشكل مكثف المليشيات الموالية لإيران، والمنتشرة على امتداد مناطق سيطرة النظام السوري، إذ سقط العشرات ما بين قتيل ومصاب بين عناصر هذه المليشيات بينهم سوريون، إضافة إلى سقوط قتلى من قوات النظام بهجوم البادية السورية.
79 قتيلاً
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الخميس، أن حصيلة الضربة الإسرائيلية التي تمت الأربعاء على مدينة تدمر، ارتفعت إلى 79 قتيلاً، يتوزعون بين "53 مقاتلاً سورياً و22 مقاتلاً من جنسية غير سورية غالبيتهم من حركة النجباء العراقية، إضافة إلى 4 مقاتلين من حزب الله اللبناني". واستهدفت الغارات، وفق المرصد، ثلاثة مواقع في مدينة تدمر، ضمّ أحدها اجتماعاً "لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة النجباء العراقية وحزب الله اللبناني". وتعد حصيلة القتلى هذه، وفق مدير المرصد رامي عبد الرحمن، "العليا جرّاء غارات إسرائيلية على مجموعات موالية لطهران في سورية منذ بدء النزاع فيها عام 2011". وبينما لم تتبن إسرائيل تنفيذ الهجوم، دانت وزارة الخارجية في النظام السوري "بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على مدينة تدمر" والذي قالت إنه "يعكس الإجرام الصهيوني المستمر بحق دول المنطقة وشعوبها".
فراس علاوي: إسرائيل أنهكت حزب الله في لبنان والآن هي بصدد إنهاك المليشيات الإيرانية في سورية
واستهدفت الغارات الإسرائيلية ثلاثة مواقع في مدينة تدمر الواقعة إدارياً في ريف حمص الشرقي، الأول موقع اجتماع المليشيات الإيرانية مع قياديين من حركة النجباء العراقية، وقيادي في حزب الله اللبناني، في مطعم في المدينة، كما استهدفت موقعين في حي الجمعية، أحدهما مستودع للأسلحة بالقرب من المنطقة الصناعية التي تقطنها عائلات عناصر في المليشيات من جنسيات غير سورية. وبحسب مصادر محلية، نقل عدد من المصابين من مستشفى تدمر الوطني إلى مستشفيات في مدينة حمص بسبب عدم استيعاب المستشفيات المحلية للعد الكبير من القتلى والمصابين.
وتصاعدت الهجمات الإسرائيلية منذ سبتمبر/أيلول الماضي على مواقع تابعة لإيران وحزب الله اللبناني، في محاولة لقطع خطوط الإمداد العسكري للحزب من سورية. ووصلت هذه الهجمات أخيراُ إلى الشمال الغربي من سورية وريف حلب، ما يعزز الاعتقاد أن الوجود الإيراني العسكري في سورية برمته بات هدفاً للطيران الإسرائيلي.
وتقع تدمر في قلب خط الإمداد الرئيسي من طهران لمليشياتها وحزب الله في لبنان والذي يبدأ من منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية شرقاً ويجتاز دير الزور وريفها إلى البادية السورية ومنها إلى منطقة القلمون وريف حمص الغربي وصولاً إلى لبنان.
كما تنبع أهمية تدمر من كونها تقع في قلب البادية السورية التي تعادل نصف مساحة البلاد، ولها أهمية كبيرة حيث تضم العديد من المطارات العسكرية التي يتخذ من بعضها الإيرانيون مقرات تمركز رئيسية لقواتهم، أبرزها مطار "تي فور" (طياس) في ريف حمص الشرقي، وهو من أكبر المطارات العسكرية في سورية، وقد قصفته إسرائيل في فبراير/شباط وإبريل/نيسان 2018، وفي سبتمبر/أيلول 2020. وتضم البادية السورية ثروتين، الفوسفات والغاز، اللذين يتمركزان خصوصاً في ريف حمص الشرقي. وتقع تدمر ضمن مناطق نفوذ الجانب الروسي الذي وضع يده على ثروة الفوسفات بعد دعمه للنظام خلال استعادة المنطقة من تنظيم داعش. وتتوزع البادية السورية إدارياً بين عدة محافظات سورية، هي دير الزور، الرقة، حماة، حمص، ريف دمشق والسويداء.
غارات البادية السورية... تصعيدٌ مرشح للارتفاع
ووضع مدير مركز الشرق نيوز فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، الهجوم على تدمر الأربعاء في سياق "المرحلة الثالثة من الحرب التي تشنها إسرائيل ضد الأهداف المرتبطة بإيران في المنطقة". وأشار إلى أن القتلى "هم عراقيون وإيرانيون وضباط من قوات النظام كانوا في اجتماع تنسيقي كما يبدو"، مضيفاً أن "إسرائيل أنهكت حزب الله في لبنان والآن هي بصدد إنهاك المليشيات الإيرانية في سورية، والمليشيات المحلية الداعمة لحزب الله اللبناني، وقطع كل طرق الإمداد العسكري من سورية إلى هذا الحزب". وأعرب علاوي عن اعتقاده بأن التصعيد الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني في سورية "سوف يزداد ويتسع نطاقه خلال الفترة المقبلة، ولن يستثني الجماعات السورية المتعاونة مع طهران وحزب الله".
رشيد حوراني: طهران تفضل أن تكون سورية هي ساحة المواجهة بينها وبين إسرائيل
من جهته، رأى الخبير العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الهجوم الإسرائيلي على تدمر هو رسالة لإيران أن إسرائيل مستمرة في تعقب أماكن تمركز مليشياتها في عموم سورية، وأن محاولات إعادة تموضع هذه المليشيات في منطقة تدمر لا طائل منها. وتابع: "غياب الحديث من الأوساط السياسية والعسكرية الإيرانية عن الرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، يدل على أن طهران تفضل أن تكون سورية هي ساحة المواجهة بينها وبين إسرائيل". وأشار إلى أن قتلى الضربة الإسرائيلية الأربعاء في تدمر أغلبهم عناصر محليون تابعون لطهران التي لا تتكلف عناء خسائر من الإيرانيين. وأضاف: "اعتقد أن هذا الاستهداف يمكن اعتباره رسالة للحاضنة الشيعية في سورية، لتبتعد عن ولائها للمشروع الإيراني ومساندته كي لا تكون وقوداً له".
وتعد مدينة تدمر، المعروفة باسم "لؤلؤة الصحراء"، والمدرجة في لائحة التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، من أقدم المدن التاريخية في الشرق، وتحظى آثارها بشهرة عالمية. وفضلاً عن آثارها، كانت تدمر تشتهر بالسجن الذي أنشأه النظام في ستينيات القرن الماضي، واعتقل فيه معارضيه ومارس بحقهم كل أصناف التعذيب. وتسيطر على مدينة تدمر منذ استعادة السيطرة عليها من "داعش" للمرة الثانية في عام 2017، مليشيات موالية لإيران، أبرزها: فاطميون، وزينبيون، وحركة النجباء. ومنع النظام أهالي المنطقة من العودة إليها، لتستوطن فيها عائلات عناصر تلك المليشيات. ولكن "داعش" ما يزال ينشط في البادية السورية التي تحولت إلى ملاذ لفلوله منذ مطلع عام 2019، حيث يواصل شنّ هجمات ضد المليشيات وقوات النظام في محيط تدمر وخصوصاً في منطقة السخنة.
مشاركة الخبر: الغارات على البادية السورية... قطع طريق الإمداد لحزب الله على وسائل التواصل من نيوز فور مي