
محمد عبد الرحمن يكتب: "ولاد الشمس".. وسؤال الهوية والانتماء
وصفت الشمس في الشعر العربي منذ القدم بأوصاف ودلالات متباينة؛ فتارةً كانت رمزًا للعطاء والخير، وأخرى رمزًا للكراهية والانكسار، وأحيانًا رمزًا للنور والحياة المتجددة. وعلى الدوام، نُظر إليها باعتبارها تجسيدًا للطاقة والقوة. هكذا تشكلت معانيها في المخيال الشعري العربي، حيث تحمل دلالات ثنائية متناقضة، وكأنها وجهان لعملة واحدة. ومن هذا المنطلق، يمكننا النظر إلى مسلسل "ولاد الشمس"، بطولة أحمد مالك وطه دسوقي، الذي يُعرض ضمن سباق دراما رمضان 2025.
يتشابك عنوان مسلسل ولاد الشمس مع عقل المتلقي منذ اللحظة الأولى، فهو ليس مجرد اسم، بل يحمل دلالات ورموزًا ثرية. فـ"الشمس" هنا ليست ذلك الجُرم السماوي، بل هي اسم الدار أو الملجأ الذي تربى فيه بطلا العمل، مفتاح وولعة. ومن خلال هذا المكان، تعرفا على عالم موحش تسوده القسوة، حيث لم ينالا منه سوى الحرمان والجراح. في ظل هذا الواقع، باتت الدار ملاذهما الوحيد، لكنها في الوقت ذاته كانت سجنًا يحمل داخله أشكالًا غير أخلاقية من الاستغلال، يمارسها صاحبها ماجد، الذي يؤدي دوره محمود حميدة. وعلى مستوى الرمز، تتسع دلالات "الشمس" لتشمل مفاهيم مثل الهوية والانتماء، وتعكس الروابط العاطفية والقواسم المشتركة التي تجمع بين البطلين.
في حلقاته الأولى، يبدو المسلسل وكأنه يعيد تقديم حبكة مألوفة؛ حيث تدور الأحداث حول طفلين نشآ في دار للأيتام، ليواجها استغلال صاحب الدار للأطفال في أعمال إجرامية، أبرزها تجارة المخدرات. قد تبدو هذه الفكرة مستهلكة، لكن صُنّاع المسلسل أضفوا عليها طابعًا عصريًا يتماشى مع الواقع المُعاش، ليمنحوا العمل بصمة خاصة تميزه عن المعالجات السابقة لهذا النوع من القصص.
"ولاد الشمس" لا يقتصر على كونه دراما اجتماعية، بل يحمل بعدًا فلسفيًا يُجسد فيه صُنّاعه عبثية الحياة البشرية وغرائبيتها. يحاول المسلسل، منذ حلقاته الأولى، الغوص في أعماق النفس البشرية وطرح تساؤلات حول معنى السعادة، في عالم ينهار فيه التماسك الاجتماعي، وتحكمه قيم فردية أنانية. نشهد مجتمعًا لا يسمو فيه سوى صوت "الأنا"، حيث تتقدم المصالح الشخصية على أي اعتبارات أخلاقية، حتى لو كان ذلك على حساب المستضعفين، الذين لا يملكون القدرة على تقرير مصيرهم، هنا، يظهر البطلان كمجرد ضحيتين لهذا العالم القاسي، وكأنهما عالقان بين سراب الأحلام وبؤس الواقع.
إحدى السمات الرئيسية التي تبرز منذ البداية هي محاولة المسلسل التأكيد على مفهوم الصداقة العميقة والدعم المتبادل. لكن هذه الصداقة، رغم نقائها، مشوبة بتجاوزات درامية مبررة، حيث يسعى كل منهما للبحث عن هويته المفقودة، الأول مفتاح (طه دسوقي): لا يعرف أبويه، وحين تبنته أسرة، سرعان ما تخلّت عنه بعد ثلاث سنوات إثر إنجابها طفلًا، ليواجه مجددًا قسوة اليتم بعدما ذاق دفء الأسرة، وولعة (أحمد مالك) الذي يسير دائمًا حاملًا صورة والدته التي وُجدت بجواره عندما تُرك رضيعًا عند باب الملجأ، ليظل معلقًا بها طوال حياته، بحثًا عن إجابة لسؤال هويته المفقودة.
هذا البحث عن الهوية يمتد أيضًا إلى علاقته بـ فرح يوسف، المطلقة الأكبر منه سنًا، التي ربما وجد فيها صورةً بديلةً عن الأم الغائبة. هذا البعد النفسي يفتح المجال لقراءة فرويدية للمسلسل، حيث يظهر البطل في صراع داخلي مع عقدة أوديب، كما وصفها عالم النفس سيجموند فرويد.
قدم كل من طه دسوقي وأحمد مالك أداءً مركبًا، أظهرا فيه قدرة على التنقل بين الانفعالات المختلفة بسلاسة، رغم اختلاف أسلوبيهما التمثيليين، فإن كلًا منهما أتقن تجسيد الشخصية بأسلوبه الخاص، مما جعل الأداء التمثيلي عنصرًا أساسيًا في إبراز عمق العمل، وقد نجح كلاهما في استخدام أدواته التعبيرية بكفاءة، مما أضاف للعمل أبعادًا إنسانية حقيقية.
يقدم مسلسل "ولاد الشمس" تجربة درامية ثرية، تمزج بين الصراعات النفسية والاجتماعية، داخل مجتمع قاسٍ يبحث فيه الفرد عن مأمن وسط العاصفة. لا شك أن الحلقات القادمة ستكشف مزيدًا من التفاصيل والتطورات، مما يجعلنا ننتظر لنرى كيف ستتطور هذه الرحلة المليئة بالضياع والأمل.
شاهد المزيد من أخبار مسلسلات رمضان عبر بوابة دراما رمضان 2025
مشاركة الخبر: محمد عبد الرحمن يكتب: "ولاد الشمس".. وسؤال الهوية والانتماء على وسائل التواصل من نيوز فور مي