تابع نيوز فور مي على جوجل اخبار
التربية الإعلامية وعي مضاد في زمن التضليل

التربية الإعلامية.. وعيٌ مضاد في زمن التضليل

تم نشره منذُ 3 اسبوع،بتاريخ: 02-06-2025 م الساعة 10:17:57 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2276688.html في : أراء وكتابات    بواسطة المصدر : صحيفة الرياض - مقالات

الإعلام لم يعد مجرد وسيط، بل سلطة.. والتربية الإعلامية أصبحت مشروعًا أكاديميًا مهمًا في المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي، بل ضرورة وجودية لحماية النشء وبناء جيل قادر على إنتاج محتوى واعٍ يعكس القيم المجتمعية، ويعزز التفكير النقدي..

في زمنٍ أصبحت فيه الصورة أقوى من الحرف، وأضحى "الخبر" مادةً تصاغ خارج أسوار الحقيقة، نشأت الحاجة الملحّة إلى مفهوم "التربية الإعلامية". وهو علمٌ حديث وليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة حضاريّة في عالم تحوّلت فيه وسائل الإعلام من منصاتٍ ناقلة إلى قوى فاعلة في تشكيل العقول، وتوجيه المجتمعات!.

ظهر الاهتمام جليًّا بالتربية الاعلامية من خلال منظمة اليونسكو في عام 1992م حيث خصصت المنظمة عددًا من الندوات لمناقشة موضوع التربية الاعلامية، وفي عام 2001 قامت اليونيسكو بتوزيع استبيان يتعلق بالتربية الاعلامية حيث وزع الاستبيان في اثنين وخمسين دولة وتناول ثلاثة قضايا اساسية هي التعليم الإعلامي في المدارس من حيث المدى والأهداف والأسس و المفاهيم والمعطيات الحالية وطبيعة التقييم ودور الإنتاج من قبل الطلاب، وإشراك المؤسسات الإعلامية ومنظمي وسائل الإعلام في التربية الإعلامية؛ ودور المجموعات الشبابية غير الرسمية؛ ومعطيات تعليم المعلمين.

التربية الإعلامية – كما تعرّفها اليونسكو – هي امتلاك المهارات اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام بوعي نقدي، يشمل التحقق، والتحليل، والتقييم، وصولًا إلى إنتاج رسائل إعلامية مسؤولة. وهي في جوهرها، ليست مجرد مادة تُدرّس، بل نمط تفكير، يربّي المتلقي على الإدراك لا التلقّي، وعلى المشاركة لا التبعية.

في أوروبا أدركت العديد من الدول خطورة هذا الواقع مبكرًا، فكان الاهتمام بموضوع التربية الاعلامية واضحًا؛ فبرزت بريطانيا من الدول السباقة في في إدماج التربية الإعلامية في مناهج التعليم العام، ولحقتها فرنسا وألمانيا وهولندا حيث كان الاهتمام المتزايد بالتربية الاعلامية من خلال تدريب الطلبة على التعامل مع وسائل الاعلام ومن خلال العمل على محو الامية الاعلامية، حيث أن دولة مثل استراليا وضعت التربية الإعلامية ضمن المنهج الالزامي للطلبة، أما عربيًا، فلا تزال التجربة في مهدها!.

ولم تأتِ الحاجة إليها من فراغ، بل من واقع فرض نفسه، حيث أصبح الإعلام المصدر الأول للمعرفة، متجاوزًا في تأثيره الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الدينية. فقد أثبتت الدراسات أن ما يزيد عن 80% من المعرفة لدى الناس، تأتي من تفاعلهم مع الإعلام، وليس من المناهج أو الخطاب المباشر.

لقد برزت هذه الضرورة مع تصاعد دور الإعلام الرقمي، واحتلاله المركز الأول كمصدر للمعرفة، متجاوزًا المدرسة والأسرة. ومع تفشي الشائعات والأخبار الكاذبة، واتساع فجوة الثقة بين الحقيقة والتضليل، أضحت التربية الإعلامية صمّام أمان معرفي، وسلاحًا لمقاومة "الإشاعة المؤدلجة" التي باتت أداة للعبث بالمجتمعات، وتفكيك القيم، وزرع الانقسام.

الإشاعة اليوم –بوصفها الوجه القبيح للمعلومة– ليست عابرة أو بريئة. بل هي سلاح نفسي واجتماعي، يُستخدم في الحروب كما يُستخدم في تقويض المجتمعات. فهي تُبنى على غموض متعمّد، وتنتشر في بيئة هشّة يغيب عنها النقد وتتغذّى على التوترات والفراغات.

وما يزيد الطين بلّة، هو سهولة إنتاج المحتوى الإعلامي اليوم. فقد بات كل فرد "صحفيًا محتملًا"، ومع غياب الفلترة الذاتية، ومهارات التحقق، باتت وسائل التواصل بيئة خصبة لنمو الشائعات، وانتقال "الخبر المزيّف" بسرعة الضوء، دون مسؤولية.

وفي مواجهة هذا الواقع، يطرح مفهوم التربية الإعلامية كحلّ جذري. ليس فقط للحد من الخداع الإعلامي، بل لبناء جيل قادر على إنتاج محتوى واعٍ، يعكس القيم المجتمعية، ويعزز التفكير النقدي، ويقاوم التبعية الثقافية.

وللتربية الإعلامية كذلك بُعد وطني وثقافي عميق، فهي خط الدفاع الأول عن الهوية، وعن خصوصية المجتمعات في زمن العولمة؛ لذا، تُعد التربية الإعلامية أداة وطنية لحماية النشء من هذا السيل الإعلامي الجارف، الذي يختلط فيه الغث بالسمين. فهي تمكّنهم من تمييز الحقيقة من الزيف، وتمنحهم أدوات التعبير الإيجابي عن الذات، وتُعلّمهم أن يكونوا صنّاع محتوى لا مجرد مستهلكين.

وفي زمنٍ أصبحت فيه الدول الكبرى تعتبر الإعلام قوة ناعمة للسيطرة، لم يعد من المقبول أن نكتفي بالاستهلاك، بل لا بد أن نربّي أجيالنا على الفهم، والتفكيك، والتأثير.

الإعلام لم يعد مجرد وسيط، بل سلطة. والتربية الإعلامية أصبحت مشروعًا أكاديميًا مهمًا في المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي، بل ضرورة وجودية لحماية النشء وبناء جيل قادر على إنتاج محتوى واعٍ، يعكس القيم المجتمعية، ويعزز التفكير النقدي، ويقاوم التبعية الثقافية، والتغريب المعرفي، والتزييف الممنهج، وطمس الحقائق؛ لحماية الوعي في عصر السرديات الكبرى، وتحرير الإنسان من سطوة "الرسالة الجاهزة"، وتمكينه من أن يكون جزءًا فاعلًا في صناعة الكلمة، لا مجرد مستهلك لها!

مشاركة الخبر: التربية الإعلامية.. وعيٌ مضاد في زمن التضليل على وسائل التواصل من نيوز فور مي

offline_bolt تريند اليوم، الأكثر بحثاً الآن

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

الصفعة الختامية في الحروب كيف تكتب سردية الانتصار في الدقيقة التسعين

الصفعة الختامية في الحروب كيف تكتب سردية الانتصار في الدقيقة التسعين

منذُ 2 ساعة

تختزل الكثير من الحروب بالضربة الختامية لأحد الأطراف وليس بعدد القتلى والخسائر التي...

محلل إسرائيلي خامنئي ماكر ومخادع ويعرف كيف يتحرك

محلل إسرائيلي خامنئي ماكر ومخادع ويعرف كيف يتحرك

منذُ 2 ساعة

قال إيهود يعاري المحلل في أخبار القناة 12 والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط والإسلام والعرب عن شخصية المرشد الأعلى لإيران...

معاريف هناك منشأة نووية إيرانية سرية محصنة أكثر من فوردو

معاريف هناك منشأة نووية إيرانية سرية محصنة أكثر من فوردو

منذُ 2 ساعة

كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن وجود منشأة نووية إيرانية سرية يطلق عليها اسم منشأة جبل الفأس يعتقد أنها أكثر تحصينا...

لواء إسرائيلي متقاعد الحل السياسي فقط سيمنع تطوير إيران قنبلة نووية

لواء إسرائيلي متقاعد الحل السياسي فقط سيمنع تطوير إيران قنبلة نووية

منذُ 2 ساعة

دعا اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحق بريك في مقال له بصحيفة هآرتس إلى تحرك سياسي عاجل تقوده الولايات المتحدة بعد الضربة...

كيف يستخدم الاحتلال العمارة لإضعاف الأقصى وطمس هويته الجواب في الرحلة
كيف يستخدم الاحتلال العمارة لإضعاف الأقصى وطمس هويته الجواب في الرحلة
منذُ 2 ساعة

حذر الأكاديمي والمختص في التخطيط العمراني الدكتور سلطان بركات من خطورة ما يتعرض له المسجد الأقصى من تدخلات معمارية...

إيران الدفاع الجوي يسقط طائرة مسيرة في سماء رشت
إيران الدفاع الجوي يسقط طائرة مسيرة في سماء رشت
منذُ 2 ساعة

أعلن نائب الشؤون السياسية والأمنية والقانونية في محافظة غيلان علي باقري أن قوات الدفاع الجوي أسقطت مساء اليوم الثلاثاء...

widgets إقراء أيضاً من صحيفة الرياض - مقالات

أرض الياسمين
السعودية أرض الفرص
الحج والتنظيم الحضاري
العناية الفائقة