
محمد عزيز الحبابي.. مؤلفات المفكر المغربي في طبعة جديدة
في مبادرة تحتفي بذاكرة أحد رموز الفلسفة في المغرب، أعادت دار توبقال نشر مؤلفات المفكر محمد عزيز الحبابي (1922-1993). ضمّت الإصدارات الجديدة كُتباً من بينها: "ورقات عن فلسفات إسلامية"، وهو عبارة عن مقالات تأملية تدرس التراث الفلسفي الإسلامي مستحضرة الفلسفة المعاصرة. يضيء الكتاب جوانب محدّدة من أفكار فلاسفة بارزين من بينهم الفارابي وابن طفيل والغزالي، حيث يقرأ البُعد السياسي عند الأول، والواقعية عند الثاني، ويناقش الثالث برؤية نقدية.
وضم المشروع الجزء الأول من أطروحته الفلسفية "من الكائن إلى الشخص"، التي تُعدّ من أبرز أعماله، إذ يشكل الحجر الأساس لمشروعه في الشخصانية الواقعية. في هذا العمل، ينطلق الحبابي من الكائن البشري في حالته الأولية من حيث كونه وجوداً بيولوجياً يخضع لقوانين الطبيعة، ثم يتتبّع مسار تحوّله التدريجي إلى شخص واعٍ بذاته ومسؤول عن أفعاله. فالكائن يتشخصن منذ اللحظة التي يكشف فيها عن علاقته بمحيطه، يتكيّف معه ويغدو جزءاً من التاريخ. لا يقدم الحبابي في هذا الكتاب نظرية فلسفية، بل مشروعاً إنسانياً يربط الفرد بجذوره الاجتماعية والتاريخية. فلا يكتمل إلا من حيث هو شخص، أي ذات متجذرة في واقعها، ومنفتحة في الوقت نفسه على الآخرين وعلى حركة العالم.
مشروع يدعو إلى بناء نزعة جديدة تعيد الاعتبار للإنسان ولثقافته
وفي حديث مع "العربي الجديد" اعتبر المفكر المغربي محمد نور الدين أفاية "أن استعادة منجز الحبابي تكتسي أهمية خاصة، لأنه يمثل منعطفاً أساسياً في مسار الثقافة المغربية. فقد عمل على استئناف الدرس الفلسفي بعد قرون من استبعاد الفلسفة ومحاربتها. كما ساهم وهو أول عميد مغربي لكلية محمد الخامس بالرباط على تطوير البحث الفلسفي وتوسيعه. مضيفا أن "مشروع الحبابي تميز بالإنصات لإسهامات المفكرين الأفارقة، وببناء جسور مع الفكر الغربي والمشرقي العربي، إلى جانب دوره الريادي في تأسيس اتحاد كتاب المغرب العربي حين كان تفكير النخبة المغربية لا يتحقق إلا في أفق مغاربي مشترك".
شهدت أعمال محمد عزيز الحبابي في السنوات الأخيرة اهتماماً أكاديمياً متزايداً؛ من آخرها كتاب "النزعة الإنسانية في شخصانية محمد عزيز الحبابي" للباحث المغربي إبراهيم مجيديلة سنة 2024، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وعن سبب هذا الاهتمام المتزايد، يقول إبراهيم مجيديلة لـ"العربي الجديد": إن "مشروع محمد عزيز الحبابي هو مشروع خصب تتداخل فيه الفلسفة والرواية والشعر والمسرح، وتتساكن فيه الأصالة والمعاصرة. ولعلّ الخيط الناظم لكُتبه الأساسية، هو دعوته إلى بناء نزعة جديدة تعيد الاعتبار للكائن الإنساني ولثقافته ولمجتمعه. إن فلسفته تحمل الكثير من القيم التي تحتاجها الإنسانية المعاصرة المأزومة، هذه الإنسانية التي تُهددها الحروب وتواجه الصراعات وتخترقها الأزمات".
ويشير الباحث إلى أن الحبابي لم يلق، في البداية، الاهتمام والترحيب في الوسط الأكاديمي المغربي نظراً لهيمنة الخطابات الإيديولوجية المُشبعة بالماركسية والوجودية. لكن هذا الوضع تغير، عندما ظهرت فئة من الباحثين الشباب أو الأكاديميين الجدد الذين يُعطون الأولوية لأخلاقيات وضوابط البحث العلمي ويحتاطون من الخطاب الإيديولوجي. ولعل هذا ما مكن من الانتباه لأهمية المشروع الفلسفي للحبابي بما هو مشروع يحمل في طياته فلسفة إنسانية ويمارس نقداً شاملاً لكل مضادات الأنسنة في الثقافة والسياسة والاقتصاد".
محمد عزيز الحبابي أول مغربي ينال دكتوراه الدولة في الفلسفة من جامعة السوربون سنة 1954 عن أطروحته الشهيرة "من الكائن إلى الشخص". وعمل بعدها باحثاً في المعهد الوطني للبحث العلمي في باريس، قبل أن يعود سنة 1959 إلى المغرب ليدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث عُين لاحقا عميدا لها. كما أشرف على الجمعية الفلسفية المغربية، وأدار مجلّتي "تكامل المعرفة" و"دراسات أدبية وفلسفية".
يضم مشروع الحبابي الفسلفي بعض أهم الكتب في المجال عربيا ومنها: "من الكائن إلى الشخص"، و"الشخصانية الإسلامية"، و"من الحريات إلى التحرر"، و"تأملات في اللغو واللغة". وقد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات أشهرها الترجمات التي أنجزها الفيلسوف واللاهوتي الألماني ماركوس كنير.
مشاركة الخبر: محمد عزيز الحبابي.. مؤلفات المفكر المغربي في طبعة جديدة على وسائل التواصل من نيوز فور مي

تريند مصر الآن expand_more
تريند السعودية الآن expand_more









