كنز جزة... الكويت تقترب من الاكتفاء الذاتي في الغاز الطبيعي
تم نشره منذُ 3 ساعة،
بتاريخ: 02-11-2025 م الساعة 03:01:04 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2374894.html في :
اخبار سياسية بواسطة المصدر :
العربي الجديد
تسعى الكويت منذ سنوات إلى تقليص اعتمادها على واردات الغاز الطبيعي المسال التي تثقل ميزانيتها، خاصة خلال أشهر الصيف الحارة حين ترتفع الحاجة إلى الكهرباء لتشغيل أنظمة التبريد. وجاء اكتشاف حقل الغاز البحري "جزة" في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوصفه إنجازاً استراتيجياً يعزز مسار الاكتفاء الذاتي ويعيد رسم خريطة قطاع الطاقة في البلاد. وسجلت بئر جزة-1 أعلى معدل إنتاج في تاريخ الكويت من بئر عمودي، بأكثر من 29 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً، إلى جانب خمسة آلاف برميل من المكثفات. ويمتد الحقل على مساحة 40 كيلومتراً مربعاً باحتياطيات تقدر بنحو تريليون قدم مكعبة من الغاز وأكثر من 120 مليون برميل من المكثفات. وتتميز هذه الاحتياطيات بخصائص نادرة تجعلها منخفضة التكلفة في المعالجة، إذ تحتوي على نسب محدودة من ثاني أكسيد الكربون وخالية تماماً من كبريتيد الهيدروجين، وفق تقرير لمنصة "أويل برايس" المتخصصة في أسواق الطاقة.
يأتي هذا الاكتشاف ضمن سلسلة نجاحات استكشافية حققتها شركة نفط الكويت بمعدل نجاح 100% في المرحلة الأولى. وتخطط الشركة لحفر 18 بئراً إضافية للوصول إلى طاقة إنتاجية بحرية تبلغ 150 ألف برميل يومياً بحلول عام 2035، ضمن استثمارات تصل إلى 3.92 مليارات دولار في برنامجها الاستكشافي حتى عام 2030، بحسب رويترز. ويمثل هذا التطور خطوة جوهرية نحو تقليص اعتماد الكويت على واردات الغاز الطبيعي المسال التي تغطي حالياً نحو 40% من الطلب المحلي البالغ ما بين 24 إلى 25 مليار متر مكعب سنوياً. ويهدف التوسع في إنتاج الغاز غير المصاحب إلى تحرير كميات أكبر من النفط الخام للتصدير بدلاً من حرقه لتوليد الكهرباء، في وقت تشكل فيه عائدات النفط أكثر من 80% من إيرادات الدولة، بحسب تقديرات "أويل برايس".
الأثر المباشر
رغم أهمية الاكتشاف، لا تبدو انعكاساته على فواتير الكهرباء والغاز المنزلي فوريةً. فالكويت تختلف عن معظم دول الخليج في سياسة التسعير، إذ تعد تعرفة الكهرباء من الأدنى عالمياً عند 0.7 سنت أميركي لكل كيلوواط/ساعة منذ عام 1966، وهي لا تغطي سوى 5% من التكلفة الفعلية للتوليد. وتتحمل الدولة دعماً ضخماً لوقود الطاقة تجاوز 10 مليارات دولار في عام 2022، أي ما يعادل 3200 دولار لكل مواطن، بحسب دراسة صادرة عن معهد بيكر للسياسة العامة. وفي ضوء هذا الدعم، لا يتوقع خبراء أن يؤدي اكتشاف حقل جزة إلى خفض مباشر في الفواتير المنزلية على المدى القصير. غير أن الأثر الأكبر سيظهر على المالية العامة للدولة، إذ سيسهم الغاز المحلي في تقليص فاتورة الاستيراد وتحرير موارد نفطية إضافية للتصدير، ما يعزز الإيرادات ويخفف العبء المالي لدعم الطاقة في الأجل الطويل، وفق تحليل لمنصة "آرغوس ميديا" المتخصصة في أسواق الطاقة.
وتشير تقديرات نشرتها منصة "إنرجي إنتليجنس" إلى أن الكويت ستظل تعتمد على واردات الغاز الطبيعي المسال حتى نهاية العقد الحالي على الأقل، إذ أبرمت اتفاقيتين مع قطر للطاقة لتوريد 6 ملايين طن سنوياً لضمان استقرار الإمدادات. ومن المرجح أن يبدأ التأثير الفعلي لحقل جزة على الاقتصاد الكويتي في النصف الثاني من العقد الحالي أو أوائل الثلاثينيات، مع دخول الحقول البحرية مرحلة الإنتاج التجاري. يقول الخبير الاقتصادي محمد رمضان لـ"العربي الجديد" إنّ تحديد الآثار الاقتصادية المباشرة لاكتشافات الغاز الأخيرة بالكويت يبدو صعباً في ظل استمرار استيراد الغاز لتوليد الكهرباء وصناعة البتروكيماويات، لكنه يؤكد أن الاعتماد التدريجي على الغاز المحلي سيغير هذا الواقع مع مرور الوقت، مشيراً إلى أنّ الأسعار المنخفضة للكهرباء تجعل الأثر على فواتير المستهلكين محدوداً.
ويرى رمضان أن التأثير الأوضح سيظهر في بند استيراد الغاز ضمن الميزانية العامة، الذي سيشهد تراجعاً مع زيادة الإنتاج المحلي الأقل كلفة، لافتاً إلى أن ارتفاع الإنتاج اليومي قد يفتح الباب مستقبلاً أمام تصدير فوائض الغاز، وإن كانت العوائد محدودة في الأجل القريب. ويضيف أن الكويت حققت خلال العامين الماضيين ثلاثة اكتشافات جديدة للغاز، ما يعزز التفاؤل بتأثير إيجابي ملموس خلال خمس إلى عشر سنوات، في حين يبقى الأثر الفوري محدوداً رهناً بحجم الإنتاج الفعلي.
تحول استراتيجي
من جانبه، يوضح الخبير في مكتب استشارات الطاقة بلندن علي متولي لـ"العربي الجديد" أن البيانات الأولية تشير إلى أن حقل جزة يحتوي على غاز حر عالي الجودة، وهو نوع نادر في الكويت التي تعتمد تاريخياً على الغاز المصاحب لإنتاج النفط. ويعد هذا الاكتشاف، بحسب متولي، أبرز تطور في قطاع الطاقة الكويتي منذ أكثر من عقدين، لأنه لا يضيف فقط إلى الاحتياطيات المؤكدة، بل يغير معادلة أمن الطاقة في البلاد. ويضيف أن الكويت تتجه للمرة الأولى بجدية نحو تعزيز إنتاج الغاز المستقل لتلبية الطلب المحلي المتزايد في قطاعي الكهرباء والصناعة، حيث يراوح الاستهلاك بين 1.5 و2 مليار قدم مكعبة يومياً، مع زيادة تتجاوز 30% في الصيف. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج التجاري للحقل في عامي 2027 أو 2028 بعد استكمال البنية التحتية، ما سيقلل تدريجياً من الاعتماد على الواردات، بحسب متولي.
ويشير متولي إلى أن الكويت تنفق حالياً ما بين 2 و3 مليارات دولار سنوياً على استيراد الغاز المسال لتشغيل محطات الكهرباء، ومع دخول حقل جزة مرحلة الإنتاج الكامل، قد تتجاوز الوفورات مليار دولار سنوياً. هذا ما يمنح الحكومة مساحة مالية أوسع للاستثمار في مشاريع التحول الطاقي وتقليص العجز المالي. وحول تأثير الاكتشاف على فواتير الكهرباء والغاز المنزلي، يوضح متولي أن التأثير لن يكون مباشراً أو سريعاً لأن الأسعار خاضعة لسياسات الدعم الحكومي، لكنه يرجح أن تتيح الوفورات المستقبلية للحكومة تخفيف وتيرة رفع الدعم تدريجياً بما يخفف الضغط عن الأسر على المدى المتوسط.
ويخلص متولي إلى أن الأثر الأكبر لاكتشاف الغاز سيكون استراتيجياً بعيد المدى، إذ يعزز مكانة الكويت مركزَ طاقةٍ خليجياً لا يعتمد على النفط وحده، بل يمتد إلى الغاز الطبيعي ومشاريع البتروكيماويات ومحطات الكهرباء الغازية الحديثة، إضافة إلى الإسهام في خفض الانبعاثات الكربونية مقارنة بالاعتماد على الوقود السائل. ويمثل اكتشاف حقل "جزة" تحولاً نوعياً في مسار أمن الطاقة الكويتي، إذ يوفر قاعدة محلية لإنتاج الغاز ويمنح الدولة متنفساً مالياً لتقليص الدعم وتعزيز الإيرادات. ورغم أنّ الأثر المباشر على المستهلكين سيبقى محدوداً مؤقتاً، فإنّ الانعكاسات الاستراتيجية والمالية خلال العقد المقبل مرشحة لأنّ تغير وجه قطاع الطاقة الكويتي كلياً.
مشاركة الخبر: كنز جزة... الكويت تقترب من الاكتفاء الذاتي في الغاز الطبيعي على وسائل التواصل من نيوز فور مي