نيودلهي الهندية.. بين مساع للتحديث ومخاوف من الإضرار بالتراث
نيودلهي/ أحمد عادل/ الأناضول
أعرب مهندسون معماريون ونشطاء تراث في الهند عن قلقهم من أن يلحق مشروع تحديث العاصمة نيودلهي أضرارا بالنسيج الثقافي والتراثي فيها.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للهندسة المعمارية، الذي يُحتفل به مرتين خلال العام الواحد، مرة في مطلع تموز/يوليو، وأخرى في أول إثنين من أكتوبر/تشرين الأول، ناشد الخبراء السلطات الهندية بإيجاد طريقة للموازنة بين الإنشاءات الجديدة، وإنقاذ الهياكل التراثية.
وأطلقت حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، مشروعًا طموحًا بتكلفة 2.6 مليار دولار، لتجديد العاصمة نيودلهي واستبدال مباني الحقبة الاستعمارية بمباني جديدة.
وأفاد الموقع الإخباري الهندي (The Print)، الشهر الماضي، أنه سيتم هدم 12 مبنى تاريخيا بما في ذلك مركز "إنديرا غاندي الوطني للفنون" و"المتحف الوطني" وجزء من "الأرشيف الوطني"، ومقر إقامة نائب رئيس الهند.
وفي رسالة إلى الحكومة، طالب مولانا محمود مدني، رئيس جمعية علماء الهند، وهي منظمة اجتماعية دينية إسلامية، بحماية خمسة مساجد تقع أيضًا ضمن مشروع إعادة التطوير.
وذكر مدني في رسالته، أن "هذه المساجد هي جزء من تراثنا العالمي، وإذا تضررت فإنها ستؤثر على السمعة الدولية، وستضر بشدة بمشاعر مجتمع معين"، مطالبا الحكومة بخطة ملموسة للحفاظ على هذه المساجد.
وفي مقابلة مع الأناضول، حث ديفاي جوبتا، المدير العام لقسم التراث المعماري في الصندوق الوطني الهندي للتراث الفني والثقافي (INTACH)، على حماية جميع الهياكل والمباني ذات القيمة التراثية.
وقال إن جزءا كبيرا من التراث في البلاد غير محمي قانونيا، مردفا "هذه مبان بارزة ومهمة، مرتبطة بتاريخنا وذاكرتنا ويمكنها أن تقدم لنا عوائد اقتصادية وبيئية من خلال إعادة استخدامها وتطويرها".
ومشروع "العاصمة الجديدة" في نيودلهي، أعلنت عنه الحكومة في سبتمبر/أيلول 2019، حيث يشمل إعادة تطوير 86 فدانا من الأراضي ستضم عشرات المباني الحكومية، فضلا عن مبنى البرلمان ومكتب رئيس الوزراء.
ويصف معارضون، المشروع بأنه مكلف للغاية وغير صديق للبيئة ويشكل تهديدًا للتراث الثقافي، مطالبين الحكومة بالتوقف عن تمويله وصرف الأموال على تطوير القطاع الصحي الذي يعاني قصورا كبيرا بسبب جائحة كورونا.
** نهج متوازن
من جانبه، طالب بانكاج مودي، مهندس الحفاظ على التراث في مدينة بنغالورو جنوبي الهند، من الحكومة، ببذل جهود للحفاظ على تراث البلاد.
وقال للأناضول إن مستوى الوعي بين الناس في تزايد مستمر في الفترة الأخيرة، ولكن في الوقت نفسه، لم يتجاوز الوعي بين صانعي السياسات مجرد النظر إلى الماضي كنصب تذكاري، كما "وجدنا أن القسم الأكثر ضعفًا من التراث يقع تحت الملكية الخاصة".
ودعا الخبراء في الهند إلى اعتماد نهج متوازن بهذا الخصوص، مؤكدين أن تحديث العاصمة سيشكل تهديدا للهياكل التراثية.
فيما ذكر جوبتا: "أعتقد أن هناك الكثير من القلق بشأن التحديث، لأننا نريد أيضًا أن يُنظر إلينا على أننا أمة حديثة".
وأضاف أن الغرب، وبعد نقاش محتدم في الثمانينيات، وجد توازنًا بين الحفاظ على التراث والتنمية. مؤكدا أن الهند تحتاج الآن إلى التفكير في نهج متوازن يكون فيه الحفاظ على التراث هو أيضًا تنمية، ولكنه بطريقة أكثر استدامة وشمولية.
** هيئة فيدرالية لحماية التراث
وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، كانت هناك حالات اضطرت فيها الحكومة، تحت ضغط دعاة الحفاظ على البيئة، إلى التخلي عن خطط إعادة التطوير.
فعلى سبيل المثال، كانت السلطات في ولاية بيهار، شرقي الهند، تخطط لهدم جزء من مكتبة عمرها 130 عاما من أجل بناء جسر، ولكن هذه الخطوة أثارت غضبا واسعا بين السكان مما اضطر حكومة المقاطعة، في وقت لاحق، للتخلي عن المشروع.
وقال مودي: "بالنسبة لنا، هناك معارك ضارية في كل مرة يواجه فيها هيكل ما تهديدا بالهدم. إنه صراع، وعلينا أن نرفع أصواتنا لأنه لا توجد سياسة عامة، وفي كثير من الأحيان نفشل في ذلك".
وأكد أن هناك حاجة لإنشاء هيئة اتحادية لحماية هذه الهياكل التراثية، إلى جانب زيادة الوعي بين صناع القرار.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى هيئة حكومية مركزية واحدة، والتي ستنظر إلى ما هو أبعد من صلاحيات سلطة الآثار".
وأردف: "كان هناك العديد من البعثات التي شكلتها الحكومة، ولكنها لم تكن ناجحة دائما بسبب هذا النهج".
وفي تقرير نشر عام 2013، قال مدقق الحسابات الحكومي بالهند، إن البلاد فقدت ما يصل إلى 92 من المعالم التراثية نتيجة لأنشطة التنمية.
وفي فبراير/شباط الماضي، قالت وزارة الثقافة الهندية، إن هناك ثلاثة آلاف و693 أثرًا ذات أهمية وطنية تقع تحت الحماية. كما اعترفت بأن 24 أثرًا أصبح "يتعذر تعقبها"، بسبب الأنشطة الحضرية.
مشاركة الخبر: نيودلهي الهندية.. بين مساع للتحديث ومخاوف من الإضرار بالتراث على وسائل التواصل من نيوز فور مي