مغنّو الراب... تأثر لحظي بالأحداث

مغنّو الراب... تأثر لحظي بالأحداث

11 ديسمبر 2023
يتخذ ويجز مواقف واضحة من العدوان على غزة (فيسبوك)
+ الخط -

رغم أن الإحساس بالعجز يسيطر على الوسط الفني في ظل الأوضاع الراهنة، إلا أن تفاعل نجوم الفن المستقل، خاصة مغني الراب، هو الموقف الفني الأبرز حتى الآن. على المستوى الفني، اجتمع عدد كبير من ممثلي الموسيقى المستقلة والراب في العالم العربي، من أجل تسجيل وإطلاق أغنية "راجعين". أطلقت الأغنية كرد احتجاجي في الأيام الأولى من العدوان على قطاع غزة، بمشاركة 25 فناناً.
جاءت النقطة الإيجابية الأبرز في أغنية "راجعين"، في قدرة نجوم الفن المستقل على الاجتماع على موقف واحد، والتعبير عنه بقوة وبوضوح من خلال ما يستطيعون فعله، وهو تصرف عجزت عنه معظم المؤسسات والنقابات الفنية حتى الآن. ولم يستطع الفنانون الذين عاصروا حروباً وأزمات مختلفة، إطلاق أعمال فنية قوية، أو اتخاذ مواقف مشتركة، مثل نجوم الراب. لكن الجوانب السلبية في الأمر هو اكتشافنا عدم قدرة الأغاني الجديدة على التعبير عن الأحداث والمشاعر الحقيقية للجمهور العربي في الوقت الحالي، وتظل الصور الحقيقية من غزة أقوى تأثيراً من أي شيء آخر.


أعادت تجربة "راجعين" إلى الأذهان تجارب الفنانين قديماً في إنتاج الأوبريتات الوطنية، مثل أوبريت "الحلم العربي" الشهير الذي صدر في نهاية التسعينيات، ومن بعده أوبريت "الضمير العربي" في بداية الألفينات. وبالفعل، ظهر الجيل الجديد من المغنين متأثراً بشكل أو بآخر بالإنتاجات السابقة للفنانين في مثل هذه القضايا، مع اختلاف طريقة التعبير. اشترك الجيل القديم مع الجديد في الإحساس بتأنيب الضمير والعجز، وتشابهوا في طريقة الإخراج الفني بإنتاج أوبريت يضم لهجات عربية مختلفة على مشاهد مؤثرة من قطاع غزة، وهي نفس الطريقة الإخراجية للأوبريتات السابقة، وربما ظهر في هذا الموقف تأثر الأجيال الجديدة بالأعمال السابقة، باعتبارها المرجع الوحيد لهم، في وقت كان ينتظر فيه الجمهور تمردا كاملا منهم على جميع المواقف القديمة التي أصبحت محل سخرية بمرور السنين بسبب عدم جدواها.
اختلف نجوم الراب هذه المرة في التعبير عن إحباطهم من خلال لوم الأطراف القوية بشكل أكبر، مع التأكيد على امتلاك القوة والتفاخر بها أحياناً، رغم الإحساس بالعجز. جاءت هذه النتيجة الفنية المرتبكة نتيجةً لتأثرهم اللحظي بالأحداث، فقديماً كان الأوبريت يستغرق شهورا طويلة في تسجيله وإعداده، أما الآن فهو عبارة عن بيان مشترك، كتعليق على نشرات الأخبار، من الممكن طرحه بشكل غنائي في يومين، بدلاً من كتابته في تدوينة، ما يُضيع فرصة خروج عمل فني قوي ومتماسك من حيث الرسالة والمشاعر والموسيقى حتى الآن.
مع ذلك، استمر إطلاق المواقف الفردية من نجوم الهيب هوب العربي في الأزمة، ومنها ما فعله مغني الراب الفلسطيني، شب جديد، بمقاطعة "إنستغرام"، كما عادت بعض الأغاني القديمة له إلى الواجهة، مثل "إن إن".
واتخذ أيضاً مغني الراب المصري، ويجز، مواقف تضامنية، مثل مقاطعته منصة فيسبوك، وتكثيف ظهوره في وسائل الإعلام للحديث عن القضية الفلسطينية، مثل لقائه مع قناة الجزيرة، وصحيفة ذا نيويورك تايمز، واستغلال حفلاته الأخيرة في الولايات المتحدة للاحتجاج على قصف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وتأييد حركات المقاطعة، وذلك قبل أن تعود فرقة الروك المصرية "كايروكي" في موقف فني أكثر نضوجاً وهدوءاً، في فترة الهدنة، عبر أغنية "تلك قضية"، التي تعتبر حتى الآن العمل الغنائي الوحيد الذي يقدم موقفاً واضحاً، من دون انفعال لحظي أو حماس مؤقت، مع اهتمام كبير بالموسيقى. وعبرت "كايروكي" عن نفس الفكرة التي تسيطر على الجيل الجديد من المغنين حالياً.


ربما تتشكل في الفترة المقبلة مواقف غنائية أكثر نضجاً، بعد تجاوز مرحلة الصدمة من العالم الغربي الذي كان يشكل جزءاً من طموحاتهم وأحلامهم. ولكن، إلى أن يتحقق ذلك، لا يزال الجمهور يستدعي الأغاني القديمة، حتى ولو كانت أغنية سويدية أنتجت في السبعينيات، بعد الانتشار الواسع لأغنية Leve Palestina لفرقة "كوفية" على تيك توك، ما يؤكد أن الرهان على الفن المستقل دائماً، مهما اختلفت الجنسيات والأحداث والمراحل الزمنية.

المساهمون