أعياد الميلاد... بيت لحم لن تحتفل دعماً لأهالي غزة

أعياد الميلاد... بيت لحم لن تحتفل دعماً لأهالي غزة

25 ديسمبر 2023
ساحات بيت لحم تتضامن مع مأساة غزة (ماجا هيتيج/Getty)
+ الخط -

تعيش مدينة بيت لحم أجواء أعياد الميلاد من دون الشجرة الكبيرة المزيّنة التي كانت تتوسط ساحة "كنيسة المهد"، كما تغيب طقوس معتادة تشمل الصلوات الخاصة، والاجتماعات العائلية، وتبادل الهدايا، واستقبال بابا نويل، ولن تغيب شجرة الميلاد عن الساحة فقط، بل عن منازل المسيحيين أيضاً، إذ اختار الغالبية الاحتفال بميلاد السيد المسيح من دون إبداء مظاهر الفرح كرامة للآلاف من شهداء وجرحى غزة.
ويغيب الزوّار والمصلّون القادمون إلى بيت لحم من مختلف أصقاع الأرض للحجّ، في مشهد تضامني مع قطاع غزة، ما دفع الطوائف المسيحية في مدينة القدس وبلديات محافظة بيت لحم إلى تعليق الطقوس والفعاليات الدينية الخاصة برأس السنة الميلادية، كما ظهر هذا جلياً على الأسواق التجارية.
اعتادت عائلة الشاب ألفريد روك من مدينة بيت جالا شمال غرب بيت لحم، المكونة من 20 فرداً، الاجتماع على مائدة طعام جماعية في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وتزيين شجرة الميلاد التي ترمز إلى الحياة المتجددة، ثم يلبس أحد أفراد العائلة ملابس "بابا نويل" الذي يعرف في بيت جالا باسم "ميكولا"، ويوزع الهدايا على الأطفال، لكن الأسرة المسيحية لن تفعل أيا من هذه الطقوس المعتادة حزناً على ما يجري في غزة.
يقول روك لـ"العربي الجديد": "غياب طقوس الاحتفال بأعياد الميلاد المجيدة ضرورة لإيصال رسالة مفادها أن المجتمع المسيحي حزين على حال قطاع غزة وما يجري فيه من مجازر، والتأكيد أنه لا يمكن تحقيق هدف الاحتلال بتفكيك العلاقة الاجتماعية بين المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين لأن ما يجمعنا قبل أي شيء هو الوطن".
ويقول الثمانيني الفلسطيني حنا الحذوة: "الأعياد هذا العام حزينة بسبب ما يجري في غزة. لم أشهد طوال حياتي عيداً حزيناً مثل هذا العام، حتى في عام 2020 الذي انتشرت فيه جائحة كورونا، وغاب الحجّاج عن كنيسة المهد وانقطعت الزيارات العائلية، لم تختف من شوارع المدينة مظاهر الفرح والزينة وإضاءة الشجرة ومجسمات سانتا كروز. هذا العام تقتصر الطقوس على الصلوات والابتهالات إلى الله بأن يجمع شتات الفلسطينيين ويرحم الشهداء".
يضيف الحذوة لـ"العربي الجديد": "غياب الطقوس الدينية في أعياد الميلاد هذا العام أقوى من الحضور، كون رسالة الميلاد هي إحلال السلام على أرض السلام، وتعليق الفعاليات يوصل رسالة للعالم بضرورة صحوة ضمائر الشعوب وقيادات الدول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة، وبهذا يرسل المسيحي رسالته بشكل صامت إلى كل سكان الأرض بأن ينتبهوا إلى المساكين والمظلومين الذين يصرخون في غزة".

الصورة
زينة الميلاد غائبة في شوارع بيت لحم (ماجا هيتيج/Getty)
زينة الميلاد غائبة في شوارع بيت لحم (ماجا هيتيج/Getty)

وسيفتقد المسيحيون الذين يعتمدون التقويم الغربي، مشاهد استقبال موكب بطريرك القدس والأردن وسائر الديار المقدسة، بيير باتيستا بيتسابالا، والذي كان يزور مدينة بيت لحم في اليوم الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، قادماً من القدس، بعد أن يحط رحاله في بيت جالا داخل المبنى الصليبي التابع لطائفة الروم الأرثوذوكس في ساحة دير مار إلياس، وتضم هذه الكنيسة كرسياً تاريخياً يطلق عليه اسم "كرسي استراحة مريم عليها السلام"، ويقال إنها ارتاحت عليه في طريقها من القدس إلى بيت لحم، لتضع مولودها عيسى عليه السلام.

وكشفت عضو مجلس بلدية بيت لحم، لوسي ثلجية، عن تفاصيل الفعالية المركزيّة الوحيدة التي ستشهدها المدينة، قائلة لـ"العربي الجديد": "قبل دخول موكب البطريرك إلى بيت لحم، سيتم نصب مغارة في ساحة باب الدير أمام كنيسة المهد، بداخلها مجسم طفل يشير للسيد المسيح، ويحيط به ركام وحجارة في إشارة إلى الدمار القائم في غزة، وهي رسالة تذكّر العالم أن ميلاد السيد المسيح جاء خلال مرحلة هروب ونزوح من بيت لحم إلى الناصرة، كما هو حال الفلسطينيين في غزة الذين ينزحون من الشمال إلى الجنوب هرباً من القصف الإسرائيلي".

الصورة
مجسم الطفل ملفوفاً بالكوفية ومحاطاً بالأحجار والركام (ماجا هيتيج/Getty)
مجسم الطفل ملفوفاً بالكوفية ومحاطاً بالأحجار والركام (ماجا هيتيج/Getty)

تضيف ثلجية: "بطريرك القدس والديار المقدّسة سيلقي كلمة لأول مرة من ساحة الدير في كنيسة المهد تعبّر عن الوضع الفلسطيني القائم، وسط غياب التراتيل الميلادية، وغياب الحجّاج والزوّار، وذلك على أثر ما تعيشه بيت لحم من تشديدات كحال بقية المدن الفلسطينية، إذ يغلق الاحتلال الإسرائيلي مداخل المحافظة الرئيسية عبر السواتر الترابية والبوابات الحديدية والحواجز العسكرية، ويضيّق على دخول الزوار إلى المدينة، ما أدى إلى منع وصول الوافدين والمصلّين إلى كنيسة المهد".
تتابع: "الترتيبات التي ترافق دخول البطريرك إلى بيت لحم لن تتغير، لكن ستتحول الفعاليات الدينية إلى أنشطة وطنية تجسّد رسالة ميلاد فلسطينية يغيب فيها حضور الزوّار والسيّاح، وستتحول فعالية فرق الكشّافة من العزف والغناء إلى حمل الأعلام الفلسطينية وارتداء الوشاح الأسود في رسالة إلى العالم الذي يوجّه أنظاره إلى بيت لحم في العيد بأن أرض السلام تفتقد السلام".

ويعيش في غزة نحو 1100 مسيحي، وخلال السنوات الماضية، كان الاحتلال يسمح لقرابة 50 أو 60 منهم بزيارة بيت لحم للمشاركة في احتفالات أعياد الميلاد ضمن شروط أمنية وتحديد للعدد، في حين يرفض تصاريح مئات آخرين، بينما غالبية مسيحيي غزة حالياً بين نازح وشهيد.
ويغيب هذا العام حضور فرق الكشّافة المسيحية القادمة من قطاع غزة، والذين كان لهم في السنوات السابقة حضور مميز، كما تغيب الفرق القادمة من مدينة القدس ومختلف مناطق الضفة الغربية، والتي كان يرافقها لفيف من المطارنة والأساقفة وكبار رجال البطريركية وأبناء الرعية اللاتينية وكهنة الآباء الفرنسيسكان والبطريركية الإكليرية اللاتينية.

الصورة
ساحات "بيت" لحم خاوية من الزوار والحجاج (ماجا هيتيج/Getty)
ساحات بيت لحم خاوية من الزوار والحجاج (ماجا هيتيج/Getty)

وأعلن بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس في بيان مشترك صدر في العاشر من الشهر الماضي، إلغاء جميع الفعاليات الاحتفالية بعيد الميلاد المجيد لهذا العام، واقتصارها على الصلوات والطقوس الكنسية والدينية بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والضفة الغربية.
يقول راعي كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، القسّ منذر إسحق، لـ"العربي الجديد": "لو لم يصدر القرار من القيادة الروحية في القدس، لاتخذت كنائس بيت لحم قراراً بعدم الاحتفال. صدور البيان أعطى رسالة للعالم حول حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وضرورة وقف الحرب، وعدم الرضى عن استمرارها. نعيش حالة من الحزن، ونشعر كأنها نكبة جديدة".
ووضعت كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية مجسّم الطفل الذي يرمز إلى ميلاد السيد المسيح في مذود صغير بين الحجارة والركام، وقامت بلفّه بالكوفية الفلسطينية. يقول القسّ إسحق: "رسالتنا هي توصيل واقع فلسطين الأليم، وأن الميلاد الذي يضم الشجرة والزينة والإضاءة اختفى، فالمشهد الحقيقي بأعيادنا هو الدمار والتشريد والبيوت المهدّمة. لو ولد المسيح اليوم، لكانت ولادته بين الركام كما حال أطفال غزة. تجمعنا علاقات قرابة مع مسيحيي قطاع غزة، وقد فقدنا 22 شهيداً مسيحياً من جراء القصف الإسرائيلي هناك، ولذا من غير المقبول أن يباد فلسطينيو غزة، بينما يفرح فلسطينيو بيت لحم".

وإلى جانب غياب الطقوس، عمدت كنائس بيت لحم إلى إعداد رسائل مكتوبة إلى كنائس العالم، توضح أن العيد في فلسطين ليس كما هو في كل عام، إذ تحوّل من الفرح إلى الحزن بسبب هدم البيوت وتشريد السكّان وقتل الأطفال. ويعبر القسّ منذر إسحق، عن استيائه من عدم تجاوب قادة الكنائس في الغرب مع دعواتهم لوقف الحرب غير الأخلاقية التي تشنها إسرائيل، موضّحاً أنه يعتقد أن قادة الكنائس ينحازون لمواقف حكوماتهم.

وفي نهاية الشهر الماضي، سافر إسحق  إلى واشنطن، حاملاً رسالة موقعة من كل كنائس بيت لحم تطالب بوقف العدوان على غزة، وسلّمها إلى البيت الأبيض، لكنه اصطدم بالموقف الأميركي الذي لم يهتم بصوت كنائس بيت لحم.
وإلى جانب ما تفقده بيت لحم من أجواء روحانية واحتفالية، تفتقد أيضاً الحركة الاقتصادية والسياحية المعتادة في أعياد الميلاد، ما يكبد تجارها خسائر كبيرة، عدا عن تسريح آلاف من الأيدي العاملة في كثير من المنشآت. يقول يسار برهم، وهو أحد أصحاب محال بيع التحف في بلدة بيت ساحور شرق بيت لحم: "انخفضت المبيعات بنسبة 90 في المائة مقارنة بالأعياد في السنوات السابقة، وباتت شوارع البلدة فارغة من السيّاح والزوار الذين كان وجودهم يستمر حتى ساعات منتصف الليل، ويضطر أصحاب المحال إلى إغلاق أبوابها مبكراً لغياب الحركة التجارية".
يضيف برهم، وهو نائب رئيس اتحاد الصناعات السياحية، لـ"العربي الجديد": "قطاع التحف والهدايا من بين أكثر القطاعات تضرراً باعتبار أنها من الكماليات التي يشتريها المسيحيون بشكل سنوي تزامناً مع الأعياد، وخصوصاً المجسّمات والقلائد من خشب الزيتون الفلسطيني التي تجسّد مراحل ميلاد السيد المسيح، والتي يشتريها عادةً السيّاح القادمون من الخارج، والزوّار من فلسطينيي الداخل. خسائرنا الاقتصادية لا تذكر أمام خسائر قطاع غزة، وعلى كل دول العالم، خاصة الدول العربية، وقف الفعاليات والطقوس الاحتفالية تضامناً مع أهل غزة".

المساهمون