بأيّ حالٍ تعود يا 25 يناير؟

بأيّ حالٍ تعود يا 25 يناير؟

22 يناير 2024
+ الخط -

تحلّ بعد غد الأربعاء الذكرى الثالثة عشرة لثورة 25 يناير، ومصر هذا العام مختلفة كثيراً عما كانت عليه في 2011 وكذلك 2012. فوقتئذ، كانت مصر غير مستقرّة سياسياً، وشبه محاصرة اقتصادياً. صحيحٌ أن الحصار وعدم الاستقرار كانا بتخطيط وعن عمْد من الثورة المضادة داخلياً وخارجياً، لكن المحصلة أن البيئة السياسية لم تكن مواتيةً فلم يُتَح للاقتصاد النهوض أو حتى الخروج من مشكلاته الهيكلية المتراكمة من عهد حسني مبارك ولو جزئياً. ورغم ذلك كله، ظهرت بوادر تحسّن اقتصادي، خصوصاً لجهة مواجهة الفساد وتصحيح أولويات الموازنة العامة وترشيد أوجه الإنفاق الحكومي وتنامي الثقة في قدرة الاقتصاد المصري على التعافي. غير أن هذه البوادر الجيدة سرعان ما أجهضتها أزماتٌ مفتعلة في مفاصل المعيشة اليومية للمصريين، كنقص الوقود وانقطاع الكهرباء واختفاء سلع غذائية أساسية. أما مقوّمات الاقتصاد الجوهرية، فكانت لا تزال محتفظة ببقايا تماسك من أيام مبارك. 
وخلال العقد المنصرم، توالت النوائب على الاقتصاد المصري، حتى إن مقارنته بالاقتصاد اللبناني باتت حاضرة في أذهان المصريين بل وفي أحاديثهم اليومية. وفقد المصريون الثقة في السياسات الرسمية، إذ تُصرّ منذ أعوام على تجاهل أولويات جوهرية، كالتصنيع والإنتاج، من أجل أرقام وإنجازات تافهة، كأعلى برج وأطول سارية علم وأكبر نجفة في مسجد. 
كان الوضع الاقتصادي في عام 2011 ضاغطاً على المصريين، لكن شرارة الثورة كانت سياسية بمقتل خالد سعيد. وتعلقت مطالبها الأولية بإنهاء سطوة أجهزة الأمن ورفع سقف الحريات السياسية. وسارعت الثورة المضادّة إلى إجهاض ثورة يناير وتقويضها في أيامها الأولى، من مدخل الترويع الأمني وإحداث فراغ شرطي لإشعار المواطنين بخطورة غياب المؤسسات الأمنية التي يتذمرون من سطوتها.
تلك القبضة الأمنية التي كانت وراء 25 يناير (2011) صارت في 2024 أشدّ قسوة وأكثر بشاعة. إلى حد يجعل إبداء أي اعتراض أو حتى طرح رأي سياسي مختلف غير مسموح بالمطلق. وبالتالي، فإن خروج المصريين لأسباب سياسية مستبعدٌ تماماً، ويؤكّد استبعاد ذلك الاحتمال أن معاناة الحياة اليومية وأزماتها باتت من القسوة والتلاحق بما لا يدع مجالاً للتفكير في البيئة السياسية، رغم إدراك قطاعات واسعة في المجتمع أن تلك البيئة المغلقة هي السياق المحرّك للانهيار الاقتصادي المتسارع.
تدرك السلطة الحاكمة في مصر تبعات ذلك التدهور الاقتصادي المتواصل والمريع ومخاطره. لكنها في مأزق شديد، ولا تدري في أي اتجاه تسير، فنتيجة سوء الإدارة وفشل كل التجارب والقرارات المتذبذبة، والغباء المستحكم، باتت الخيارات محدودة والبدائل محصورة بين صعب وأشدّ صعوبة.
ما لا تُدركه السلطة المصرية، أو ربما تُدرك وتُخفي، أن إدارة الأزمات بالتجاهل والإنكار ليس حلّاً وإنما هروب. فربما يمكن ضمان استتباب الأوضاع أمنياً أو استقرارها سياسياً إلى حين، لكن لا ضمانة بالاستقرار والسيطرة حين يتعلق الأمر بعجز المواطن عن توفير المقومات الأساسية لحياة أسرته وبقائها. بما في ذلك المتطلبات الحتمية اليومية، أي الغذاء والعلاج والتعليم والملابس والكهرباء والغاز. والواضح لكل ذي عقل أن هذا الوضع المزري غير المسبوق ليس بسبب أزمات خارجية كما يدّعي المسؤولون ويُروّج الإعلام؛ فأوضاع الشعوب أصحاب الأزمات والمنخرطة في حروب نتذرّع بها لم تتدهور بالمثل. وفي المقابل، يتابع المصريون منذ أعوام إنفاقاً غير مدروس على مشروعات بلا جدوى اقتصادية ولا مُبرّر موضوعيا لها في بلد فقير يعاني أهله شظف العيش. 
تكرار 25 يناير بحجمه وفي حدوده مستحيل، فالواقع أشد خطورة ومعالجاته أكثر فشلاً وغطرسة. والتقاعس حتى تصل الأمور إلى نقطة الانفجار سيجلب نتائج مأساوية على كل المستويات. وبالمقارنة، حينئذ سيكون 25 يناير 2011 مجرد تمرين ترفيهي.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.