جدران غزّة... شواهد أفراحنا وأحزاننا

جدران غزّة... شواهد أفراحنا وأحزاننا

15 فبراير 2024
+ الخط -

غزّة، العصية على الانكسار، تحمل في جنباتها قصصًا لا تُحصى عن البطولة، الألم، والأمل. ففي هذا الزمان، حيث يبدو أنّ الاحتلال بعدوانه، والحصار بشدّته، يحكمان قبضتهما على الحياة، يجد الفلسطينيون طريقهم ووسيلتهم للتعبير عن رفضهم وصمودهم. وهنا تأتي جدران المدينة، المغطاة بالرسومات والشعارات، لتتحدّث بلغة الضوء في وجه الظلام، وتنقل رسائل الأمل والتحدّي من قلب الألم والدمار.

الفن الجداري في غزّة ليس مجرّد زخرفة أو تزيين؛ إنّه يعكس تاريخًا طويلًا من المقاومة والتعبير عن الهوية. فمنذ بداية الانتفاضات، استخدم الفلسطينيون جدران مدينتهم كلوحات تعبيرية تحكي عن معاناتهم، أحلامهم، وإصرارهم على النضال من أجل الحرية والعدالة. هذه الرسومات، التي تحتضن في طيّاتها الذاكرة الجماعية للشعب، تعدّ شاهدًا على الإبداع والحياة في مواجهة سياسات القمع والإقصاء.

الجدران في غزّة تحكي قصة؛ قصة الحياة والأفراح كما قصص الشهداء والأسرى الذين يواجهون الحياة في ظلّ الحصار بكلّ ما تحمله من تحدّيات. هذه الجدران تحوّلت إلى منابر يعبّر من خلالها الفلسطينيون عن رفضهم للاحتلال، تمسّكهم بحقوقهم، وأملهم في مستقبل أفضل. الألوان والخطوط تنطق بالحياة، ترسم مشاهد من المقاومة، الحزن، والفرح على حدّ سواء، وتخلق مساحة للتعبير الحر والتواصل مع العالم.

الفن الجداري في غزّة ليس مجرّد زخرفة أو تزيين؛ إنّه يعكس تاريخًا طويلًا من المقاومة والتعبير عن الهوية

كما أنّ الحرب الأخيرة على غزّة أضافت بُعدًا جديدًا ومؤلمًا للفن الجداري في المدينة، حيث تحوّلت الجدران التي كانت شاهدة على الدمار إلى شواهد قبور تخلّد ذكرى الأرواح التي طواها الركام. هذا التحوّل يعكس الواقع المرير الذي يعيشه سكان غزّة، حيث أصبحت الجدران المهدّمة مساحة للنعي والذكرى، وذلك من خلال كتابة أسماء من فُقد تحت الركام ولم يتمكن الأهل من إنقاذه أو دفنه، ليواصل الفلسطينيون توثيق قصصهم والتأكيد على إنسانيتهم وحقهم في الحياة والعدالة، مستخدمين كلّ الوسائل المتاحة سلاحاً في معركتهم من أجل الحرية والكرامة.

في غزّة، كل جدار هو قصيدة، وكلّ لون هو كلمة في معجم المقاومة والأمل. فجدران هذه المدينة أكثر من مجرّد تعبير فني؛ إنها تجسيد لروح الشعب الفلسطيني الذي لا يكلّ ولا يمل من السعي نحو الحرية والعدالة. وعلى الرغم من الدمار والألم، تظلّ جدران غزّة شاهدة على الحياة، معلنةً للعالم عن قوةِ وإبداعِ وصمودِ شعبٍ لا يقهر.

تقوى نضال أبو كميل
تقوى نضال أبو كميل
باحثة سياسية، حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولة، وتعمل حاليًا كباحثة في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). تتركز اهتماماتها البحثية الرئيسية على نشاط حقوق الإنسان والسياسة في الشرق الأوسط، السياسة الانتخابية. تعرّف عن نفسها، بمقولة غسان كنفاني "أنا من شعب يشتعل حبًا، ويزهو بأوسمة الأقحوان وشقائق النعمان على صدره وحرفه، ولن أدع أحدًا يسلبني حقي في صدقي".