الباحثة في الشأن التركي والإقليمي هدى رزق تكتب عن : اليمن والعرب وتأكّل صورة الردع الأميركي

 

اليمن والعرب وتأكّل صورة الردع الأميركي

 

يسود الخوف من الخروج على المحور الأميركي الإسرائيلي تحت حجة أنّ إيران ستكون المنتصرة، ولا يتم استعمال أي مصدر للقوة لدى هذه الدول لكي تتصدّر مشهد الدفاع عن غزة.

 

هل وصلت المعادلة التي كانت قد وضعتها الولايات المتحدة من خلال اتفاقيات أبراهام إلى طريق مسدود في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهل أصبحت بحاجة إلى تعديلات لخطواتها السياسية بعد طوفان الأقصى؟

استعجلت الولايات المتحدة ربط الدول العربية بعلاقات ومشاريع أميركية، وهي عبارة عن مجموعة اتفاقات ومشاريع تصبّ جميعها في مصلحة التطبيع مع “إسرائيل”. ففي آذار/مارس 2022، اجتمعت كلّ من الإمارات والبحرين ومصر والمغرب في النقب حيث تمثّلت الدول بوزراء خارجيتها، وتمحور الاجتماع حول ضرورة التقارب والتعاون مع “إسرائيل” في مشاريع تجارية واقتصادية وأمنية، تلاه اجتماع القيادات «I2U2» في صيف 2022، أعلنت من خلاله مشاريع قرارات تهدف الى إدماج الكيان بالمنطقة، وتعزيز موقع الهند كمنافس للصين، ضمّ الإمارات ممثّلاً للرياض والقاهرة والمنامة.

 

أما في أيلول/سبتمبر2023 فلقد تمّ الإعلان عن الممر الاقتصادي الدي يربط الهند بالسعودية والإمارات بالاتحاد الأوروبي في قمة العشرين في الهند، وهو مشروع لإنشاء طرق لنقل البضائع والطاقة الجديدة. جميع هذه المشاريع تصبّ في مصلحة “إسرائيل” وترمي إلى منافسة طريق الحرير الصيني المنبت.

لا يبدو لغاية اليوم مع كلّ المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” ومحاولات تهجير الفلسطينيين أنّ أحداً من الدول العربية قد تراجع عن الالتزامات التي قطعها لواشنطن، ولم يصل أي رد فعل عربي إلى عتبة تحدّي العدوان الإسرائيلي الأميركي على غزة، ولم يتردّد العرب في الموافقة على اقتراح أميركي بإقامة “دولة فلسطينية غير مسلحة”، والترويج لها على أنها الحل المنشود بعد 30 عاماً من إعلان الدولة الفلسطينية المبتورة عبر اتفاق أوسلو المنبثق من مؤتمر مدريد، فما أشبه اليوم بالأمس عند اجتياح “إسرائيل” للبنان عام 1982 وصمت الدول العربية قاطبة، وتحرّكات فيليب حبيب لترحيل منظّمة التحرير الفلسطينية من لبنان من دون آلتها العسكرية.

يسود الخوف من الخروج على المحور الأميركي الإسرائيلي تحت حجة أنّ إيران ستكون المنتصرة، ولا يتم استعمال أي مصدر للقوة لدى هذه الدول لكي تتصدّر مشهد الدفاع عن غزة، وحقّ الفلسطينيين بدولة مستقلة خالية من الاستيطان لأخذ المبادرة من إيران على سبيل المثال، لم تفكّر الدول العربية والإسلامية البتة في استخدام ورقة النفط التي بين أيديها أو الورقة التجارية بل يتم استخدامها لمصلحة “تل أبيب” عبر توفير الطريق من الإمارات والسعودية عبر الأردن لنقل البضائع إلى “إسرائيل” بعد إحكام سيطرة أنصار الله على البحر الأحمر.

يوجّه السعوديون إلى الأميركيّين رسالة مفادها أنهم سيعترفون بـ “إسرائيل” إذا تمّ وقف إطلاق النار في غزة والالتزام بالدولة الفلسطينية، وهو وعد لا أساس له في الواقع بل أن الحلّ الأميركي في هذا التوقيت يعتبر محاولة للحفاظ على موقعها الذي كان قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. من الواضح أن معظم هذه الدول لن يتراجع عن التطبيع لكن تحت اسم جديد تسعى الولايات المتحدة لترويجه، اختارت الأردن ومصر البقاء في اللعبة الأميركية على الرغم من التحذيرات بأن الأوضاع الداخلية في كلا البلدين يمكن أن توثّر على مواقفهما.

أما الدول التي تستضيف قواعد أميركية على أراضيها فهي لم تلمّح إلى إمكانية منع استخدام أراضيها في عمليات إسرائيلية ضد غزة، وفي الوقت الذي تتفاوض فيه الحكومة العراقية من أجل انسحاب القوات الأميركية، تبدو غير واثقة من مواقف مكوّناتها الاجتماعية السياسية، إذ لا يخفي قسم كبير مخاوفه من اختلال المعادلة السنية الشيعية، وترك الكرد من دون حماية إذا ما انسحب الأميركي الذي يلعب ورقة الأمن ويثير تناقضات هذه القوى، حتى باتت مصالح بعضها تقتضي التنازل عن حقّ بعض العراقيين في الاستقلال عن المحتل الأميركي.

في ظلّ هذه الأوضاع العربية تأتي ضغوط بايدن على اليمين الإسرائيلي المتمثّل بنتنياهو ووزرائه المتطرّفين، وطرح حلّ الدولتين محاولة لتحسين وضعه الانتخابي، وكان هذا الطرح قد شكّل ثابتة في السياسة الخارجية الأميركية مند القرار 242.

وكانت الإدارة الأميركية تعتبر أن حلّ الدولتين هو لمصلحة “إسرائيل” لقطع الطريق أمام التدمير الذاتي الذي ترى أن اليمين يقترفه. لا يبدو أنّ الدعم الذي قدّمه بايدن لـ “إسرائيل” سيكون كافياً لتغيير وجهتها وباتت تلعب على تناقضات المرشّحين الأميركيين في الانتخابات الرئاسية.

اليمن وقوى المقاومة تواجه الأميركي

ثمّة تساؤلات حول العلاقة الأميركية بـ “إسرائيل” في هذه الحرب، أهمّها فقدان الولايات المتحدة الأميركية من خلال حرب غزة صورتها الرادعة وثقة العرب بقدرتها على التغيير والإمساك بالمفاصل السياسية، أو فرض حلول بسبب استمرارها في الخضوع للمنطق اليميني الإسرائيلي الذي يشجّع حرب الإبادة الجماعية، وخوفها من انتصار المقاومة الفلسطينية والأهم حركة حماس وكأنما تماهت مع “إسرائيل”.

تتأكّل قوة الولايات المتحدة في القوى المقاومة التي رغم القدرات غير المتكافئة فتحت جبهات ثلاث ضد “إسرائيل”، على الرغم من إظهار قوتها الرادعة عبر نشر حاملات الطائرات في البحر المتوسط، حيث تمكّن حزب الله من تعطيل الشمال الإسرائيلي، فيما واصلت المقاومة في العراق مهاجمة القواعد الأميركية.

أما اليمن فاستطاع تغيير قواعد اللعبة التي يمكن أن تحدّد اتجاه العلاقات الأميركية السعودية. استهدف أنصار الله السفن المرتبطة بالنقل إلى “إسرائيل” في البحر الأحمر، وطالبوا بوقف إطلاق النار في غزة والسماح بالمساعدات الإنسانية. كما أنهم تحدّوا ردود القوات البحرية الأميرية البريطانية وقاوموها، ما أدى إلى اعتراف القيادة المركزية الأميركية، أنها تواجه أكبر معركة للبحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت 100 صاروخ قياسي لوقف الصواريخ والطائرات من دون طيار.

لا تريد القيادة الأميركية الاعتراف بأن أنصار الله قد نجحوا بالتصدّي لقواهم البحرية والجوية فنسبت النجاح والمسؤولية إلى إيران، واتهمتها بتجهيز القوات المسلحة اليمنية بالسلاح والتكنولوجيا والمعلومات الاستخبارية. اليمن القادر على التصدّي والقتال اكتسب هذه القدرة الحربية من حربه مع قوى التحالف الذي قادته السعودية وحرمتها من النصر منذ عام 2015. وأفشلت التزام الولايات المتحدة بحماية السعوديين حينها حيث وقفوا عاجزين عن الفعل حيال الهجمات على المدن السعودية ومنشآت أرامكو.

لم تتوقّع القيادة العسكرية الأميركية فعّالية أنصار الله ومواجهتهم للقوة البحرية الأميركية بأسلحة بسيطة الصنع. وأن يردّ الأميركيون على مركبات لا يتجاوز ثمنها 10 آلاف دولار، بصواريخ تبلغ قيمتها 4 ملايين، تبدو الولايات المتحدة في حالة من عدم اليقين، في ظل تصعيد أنصار الله هجماتهم وبعد إبلاغهم شركات التأمين البحري بتفاصيل حظر ملاحي بعد استهداف سفينة بريطانية، وبعد إدخالهم سلاح الغوّاصات وفي إثر الضربات التي استهدفوا بها كلّاً من أميركا وبريطانيا وأعلنوا أنها أهداف مشروعة لهم.

يدرك السعوديون أن الإيحاء بمسؤولية إيران وتوجيه أصابع الاتهامات والصراع معها يمكنه أن يودي بأمن المنطقة، والرياض حين انفتحت في العلاقة مع طهران إنما كانت تريد إزالة المشاكل والعمل على تجنّب الصراع في منطقة الخليج. لقد جعلت حرب غزة مرة أخرى العلاقات العربية الأميركية في حيرة وقلق، فالصداقة الأميركية أصبحت تجلب ضرراً أكبر من الحماية.

في خضمّ القتل المروّع في غزة ومحاكمة “إسرائيل” بالإبادة الجماعية، وتعنّت الولايات المتحدة برفض وقف إطلاق النار خوفاً من إعلان انتصار حماس والمقاومة، وخشية من خسارة كل محاولاتها لإدماج “إسرائيل” بالمنطقة، انتصاراً لقوتها وسلطتها التي تأكّلت بحرب “إسرائيل”، تنتصر اليمن الحافية القدمين وتقف في وجه جبروت أميركا وإذعان العرب الذين أودعوا الأميركي مصالحهم.

 

هدى رزق

باحثة في الشأن التركي والإقليمي

الميادين نت

قد يعجبك ايضا