اجتياح رفح.. ما قبل الجريمة الكبرى

اجتياح رفح.. ما قبل الجريمة الكبرى

02 ابريل 2024
+ الخط -

سلاح أميركي جديد، مئات القذائف، وآلاف القنابل متباينة الأوزان، شديدة الانفجار والتدمير، لها قدرة عالية على أكلِ الأخضر واليابس (إن تبقى في غزّة أخضر ويابس)، وطائرات إف 35، وصفقة كبيرة مستعجلة، تزيد العتاد وتجهّز لشيءٍ ما قادم، أكثر من الحاضر البشع الذي نراه كلَّ يومٍ منذ ستة أشهر، مع تكاثر التحذيرات الأميركية الرسمية من البيت الأبيض والبنتاغون، بخصوصِ تلك العملية "غير الجيّدة"، وإطلاق أخبار عن خلافات بين إدارة جو بايدن وتمرّد نتنياهو، في حين أنه لا اتفاق بينهما أكثر من هذه اللحظة التاريخية التي يتجلّى فيها المشروع الصهيونيّ الذي يجمع البيت الأبيض وفتاه المدلّل.

مليارات ضخمة (ولا في الأحلام) تُضخ في بلدٍ مجاور، يستعدُّ رئيسه لحفلِ تنصيبٍ يُشاع عنه أنّه سيكون الأكبر في تاريخ البلاد، بمثابة استعراض لما وصلت إليه جمهوريته الجديدة اليوم من أكبرِ قصرٍ وعلَمٍ ونجفةٍ وبرلمان، لكن قُبيل ذلك بساعات يصل فجأةً إلى الأردن، البلد الآخر الذي يهم تل أبيب في المعادلة، ساعتين، ثم ينصرف، وهو الذي لا يحرّكه في يوم عُرسه ولو خراب القاهرة القديمة نفسها، لكنه يطير بسرعة البرق إلى عَمّان، لأجل شيء واحد في بالنا، نخمّنه، لكن نتمنى ألا يكون هو هو!

تلك الأموال التي ستكون بمثابةِ منقذٍ لبلد على حافةِ الهاوية حرفياً، أو هو عالق فيها بالفعل، تُقدّر بنحو 20 مليار دولار دفعة أولى، ظهرت فجأةً من ثلاثة اتجاهات؛ صندوق النقد الدولي الذي يمثل الهواية الأميركية في لعبتها المفضلة "الجزرة والعصا"، وظهرت إغداقاته فجأةً في حين أنها لم تكن بتلك السهولة من قبل، والاتحاد الأوروبي الذي لم يكن يكفّ عن ثرثرة حقوق الإنسان في مصر، بازدواجيةِ معاييره، لينفق فجأة ثمانية مليارات دولار، في زيارة جماعية إلى "جار غزّة"، الجائر عليه، السيد عبد الفتاح، أمّا الجهة الثالثة فهي 14 مليار دولار مقدّمةً دفعة أولى من الإمارات!

ما زال أبطالنا الثابتون، الأشاوس الكرام الماجدون الشجعان، يقبضون على الجمر في زمنِ اللعنة الكبرى، يصرّون على الثبات في وجه الآلة الإسرائيلية القذرة

رئيس "الشاباك" الإسرائيلي يصل إلى القاهرة ليفطر مع عباس كامل، الشخصية المخابراتية الأهم في مصر، ورئيس مكتب السيسي، حسب موقع والا العبري، بالتزامن مع طلب مصري من الولايات المتحدة لمعلومات ومساعدات تخصّ عملية رفح المرتقبة، وتحصينات إضافية على الحدود المصرية مع قطاع غزّة والأراضي المحتلة، مع تشديدِ الإجراءات الداخلية على الشعب الذي لن يتحرّك بفعل عشر سنوات من السجن والقمع والترهيب والقتل.

وهناك في الأردن، خروج مفاجئ للمظاهرات نحو السفارة الإسرائيلية، في موقف شعبيّ عقّد الحسابات، لأنّهم اطمأنوا أنّ ذلك الحراك هدأ في دول الطوق، فتخرج لجانٌ مدفوعة من بلدان عربية أخرى، لمهاجمة المظاهرات وشيطنتها و"أخوَنتها"، لأنّ شيئاً ما يحدث، لا بدّ أن يحدث في صمت، شيء ما يُعدّ له منذ وقتٍ طويل، أطول مما نتخيّل ربّما، سنحت به الفرصة الآن وسط تلك الظروف المواتية المجتمعة بما لم تكن تتخيّله تل أبيب في أفضل أحلامها وأمانيها، مع تسكيت تاريخي للشعوب، فائقة القدرة على تغيير المعادلة بالكامل.

لذا فإن الذي يُحاك هذه الأيام هو جريمة إسرائيلية كاملة جديدة، ستكون الأبشع في تاريخها، مع خروجها من مستشفى الشفاء بمذبحة تاريخية فظيعة، تختبر بها ردّ الفعل العالمي والعربي، وعلى ما يبدو لم تُغيّر شيئاً، ولم تُحرّك ساكناً، مع خيانةٍ عربية رسمية على أعلى مستوى في البلدان، مع لجانٍ وذبابٍ يمهّد لذلك ويقمع من يعطّل القطار الحربي القادم فوق جثثنا، مع خيانةٍ أخرى رخيصةٍ تُناسب السلطة الفلسطينية وتنسيقها الأمنيّ وخدمتها اللانهائية للاحتلال الذي يغتصب أرضها وشعبها، لمحاولة السيطرة على ما تبقى من غزّة، ومن تبقى فيها، على ظهور دباباتٍ إسرائيلية؛ فستأتي مذبحة رفح كما لم يرِد على خيال ولا تاريخ ولا حضارة من قبل، إلا أن يشاء الله غير ذلك، فيهلكهم جميعاً، بدلاً من إهلاكنا بالصمت والذل.

ومع ذلك كلّه، ما زال أبطالنا الثابتون، الأشاوس الكرام الماجدون الشجعان، يقبضون على الجمر في زمنِ اللعنة الكبرى، يصرّون على الثبات في وجه الآلة الإسرائيلية القذرة، والعالم المتناقض، والجوار الخائن، وابن البلد "الساقط".. وإن غداً لناظره قريب.