مقالات

رماد الأسئلة

حيروت – بقلم: حسن عبدالوارث

رماد الأسئـلة ========

———- ( 1 ) ———-

يُحكى – والعُهدة على الراوي – أن الدكتور عبدالعزيز المقالح وصف أحد الشعراء اليمنيين البارزين بأنه ” شاعر كبير .. لكنه لو أخذ قدراً ولو ضئيلاً من أنفة وكبرياء وعزة نفس الأستاذ محمد يحيى الزبيري – رحمة الله تغشاه – لكان شاعراً كبيراً .. وانساناً عظيماً أيضاً “

.

وقد رحل الكبار ذات لحظة فارقة بين بذرة اليأس وشتلة الأمل .

وظل الصغار يتكاثرون حتى كادوا أن يغطُّوا على المشهد تماماً ، لكنهم ظلوا – في كل حال – مجرد حالة popcorn.

و مع رحيل الكبار رحلت فراشات الأسئلة ، فلم تعد ثمة حاجة ذات جدوى لدراسة الفلسفة ، برغم أن هنري أدامز حسمها باكراً حين أشار الى أن الفلسفة ” إجابات غير مفهومة لأسئلة ليس لها حلول ” .

لم يبقَ من الأسئلة غير الرماد .. ولا بقيَ من الفلسفة غير دفتر أزرق الغلاف ، أصفر الورق وأسود الحبر .. رميتُهُ منذ أكثر من ثلاثة عقود في ركنٍ قصيٍّ في المكتبة ونسيتُه .

قبل بضعة أيام فقط ، تذكَّرتُه عندما لاحت خلال شقوق صدئة في الذاكرة أطياف شبحيَّة تتسلل من ثنايا كهف رابض في الخيال البعيد ، كان يلجأ اليه سيّدي أفلاطون .

——— ( 2 ) ———-

كان الدكتورعلي شريعتي – وهذا باعترافه الشخصي – إذا أراد التفكير في الله مَلِيَّاً ، راح يمشي في الشارع ، لأنه لم يعد يقعد في الجامع ، حتى لا يظل يفكر قَلِقاً في حذائه مخافةَ أن يُسرَق !

ترى هل يستوي سارق الحذاء وسارق الغذاء ؟

وهل يستوي السارق في الجامع والسارق في الشارع ؟

اذا أغترب دين الجامع عن الشارع ، خسر كثيراً .. واذا أغترب الشارع عن دين الجامع ، خسر كثيراً .. وفي الحالتين تظل الأزمة قائمة : أين يُحدّد الدين اقامته ؟

وحين رحلت فراشات الأسئلة .. صارت الأسئلة كومة رماد !

———- ( 3 ) ———-

يتجاوز الصوفيّ اللغة المباشرة في خطابه اليومي الى ابتكار لغة أخرى تتجاوز النص الحرفي الى المجاز .سأل عمرُ بن الخطاب حُذيفةَ بن اليمان عن حاله فأجابه الأخير بأنه صار يحب الفتنة ويكره الحق ويُصلّي بغير وضوء وأن له في الأرض ما ليس لله في السماء .وحين أستبدّ الغضب بعمر ، أفهمه علي بن أبي طالب سرَّ قول حذيفة ، مُبيّناً له أن قوله بأنه يحب الفتنة يعني المال والبنين لقوله تعالى : ” انما أموالكم وأولادكم فتنة … ” وقوله بأنه يكره الحق يعني به أنه يكره الموت ، وأما أنه يصلي بغير وضوء معناه أنه يصلي على النبي في كل الأوقات وبدون وضوء بالطبع ، والذي له في الأرض وليس لله في السماء فهو الزوجة والولد .

وقتلوا الحلاَّج بسبب استخدامه المجاز والكناية في شعره وكلامه اليومي من قبيل قوله ” ما في الجُبّة الاَّ الحق ” قاصداً الموت ، فيما الجهلاء يظنون أنه يقصد الله .

ولم يكن حينها علي أو من هو في علمه ودرايته موجوداً ليُفسّر قول الحلاج للناس .وكان ابن عربي يسير بين العامّة ناقداً : ” الذي تعبدونه تحت حذائي ” .

وفيما ظنَّ هؤلاء أنه قد كفر بالله ، كان هو يقصد المال وزخرف العيش والجاه والسلطة وغيرها من المباهج المفسدة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى