رغم تكرار العنف في سيناء.. لماذا يُوجَّه السخط الشعبي بعيدا عن المحاسبة؟

جانب من التواجد العسكري في شمال سيناء
الجيش يشن عملية شاملة في سيناء منذ نحو ثلاث سنوات لكن نتائجها محدودة (مواقع التواصل)

محمد عبد الله-القاهرة

اتهم سياسيون ونشطاء السلطاتِ المصريةَ بالسعي لتعبئة الرأي العام طوال الوقت ضد الهجمات المسلحة شمال سيناء، واستغلال ذلك للإفلات من المساءلة الرسمية أو الشعبية عن توالي الإخفاقات العسكرية منذ عام 2011، وسقوط مئات الضحايا من العسكريين والمدنيين.

وفي تصريحات للجزيرة نت، حمل خبراء كلا من البرلمان والإعلام والقوى السياسية بالداخل مسؤولية تجاهل تحميل قيادات الجيش أي مسؤولية قانونية أو أخلاقية عن تكرار استهداف الضباط والجنود من قبل العناصر المسلحة، واستمرار العمليات العسكرية شمال سيناء للعام التاسع دون وضع أفق زمني لانتهاء الهجمات المسلحة، وعودة الاستقرار للمنطقة.

كما انتقدوا توجيه حالة الغضب الشعبي ضد المسلحين وحدهم، والحفاظ على استمرار نغمة تنديد مؤسسات الدولة والإعلام بالعمليات المسلحة فقط، دون توجيه أي تساؤلات عن الأسباب الحقيقية لعدم استتباب الوضع الأمني المنوط بوزارتي الدفاع والداخلية على الرغم من الوعود المتكررة بالقضاء على المسلحين.

ورغم ارتقاء الجيش المصري إلى المرتبة التاسعة في تصنيف أقوى جيوش العالم العام الماضي -وفق موقع غلوبال فاير باور- فإن البعض تساءل، لماذا لم تنجح المهلة الزمنية ولا القوة الغاشمة ولا التطور العسكري في وقف نزف الدماء، خاصة أن باحثين في الشأن العسكري والسيناوي يقدرون أعداد المسلحين بالمئات فقط؟!

والتزم البرلمان والصحف والإعلام الصمت إزاء انتهاء مهلة الثلاثة أشهر التي منحها الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس أركان الجيش ووزير الداخلية للقضاء على "الإرهاب" في منطقة سيناء، لكنها منذ ذلك الوقت لم تتوقف وإن كانت تراجعت حدتها.

هجوم بذكرى التحرير
وأعلن الجيش، الخميس، أن عشرة من أفراده بينهم ضابط سقطوا بين قتيل وجريح جراء انفجار عبوة ناسفة بإحدى المركبات المدرعة للجيش جنوب مدينة بئر العبد شمال سيناء.

يأتي الهجوم بعد نحو أقل من أسبوع من الاحتفال بذكرى تحرير سيناء الذي يوافق 25 أبريل/نيسان من كل عام، وهو اليوم الذي رُفع فيه العلم المصري بعد استكمال تحرير سيناء تحريرا كاملا، واستُردت فيه شبه الجزيرة بعد انسحاب آخر جندي إسرائيلي عام 1982.

ويستمر فرض حظر التجول في أجزاء من محافظة شمال سيناء، كما تفرض السلطات حالة الطوارئ في عموم البلاد منذ أبريل/نيسان 2017. وقبل أيام، أصدر السيسي قرارا بشأن إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر جديدة، وذلك للمرة 13 على التوالي.

ولا يسمح لوسائل الإعلام أيا كانت التعاطي مع أي أخبار تتعلق بالعمليات العسكرية الخاصة بالجيش إلا من خلال بيانات المتحدث العسكري، وفق قانون "مكافحة الإرهاب" الذي صدر في أغسطس/آب 2015، ووصفته آنذاك منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية بأنه يقضي على الحقوق الأساسية.

حوادث توجب المحاسبة
أسامة سليمان عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب السابق قال، "تكرار مثل هذه الحوادث في الأماكن ذاتها يوجب المحاسبة والمحاكمة، ولا يمكن أن يمررها عقلاء وحكماء هذا الوطن، وتؤكد تبعية السلطات الأربع بما فيها الصحافة لشخص واحد فقط".

وبشأن دلالات هذا الوضع، أكد في تصريحات للجزيرة نت أن ما يجري يؤكد أنه تم إلغاء دور البرلمان الذي لا يمثل الشعب بأي حال من الأحوال، وتعطيل دور السلطة الرابعة (الصحافة) في طرح تساؤلاتها عن أسباب استمرار تردي الوضع الأمني شمال سيناء.

ورأى سليمان أنه لا بديل لوقف هذا النزيف إلا بالمكاشفة والتحقيق، وأن يكون الشعب شريكا في الحكم من خلال برلمان منتخب يعبر عن شعب، وإعلام حر "وليس مستمعا لما يقوله السيسي وإعلامه".

وتساءل، من يجيب الشعب -الذي يدفع أرواح أبنائه ثمنا غاليا للفشل العسكري والأمني- عن حقيقة ما يحدث، وكيف يحدث، ولماذا يحدث؟

برلمان ميت
بدوره، كشف محمود جمال الباحث بالشؤون العسكرية المصرية تقاعس البرلمان عن محاسبة الحكومة، قائلا "توجب الأدوات الرقابية لمجلس النواب محاسبة الحكومة (الجيش والشرطة) عن فشل الإستراتيجية العسكرية في سيناء منذ 2011، ولكن هذا الأمر غير موجود في مصر لأنه برلمان صوري".

وعن ما يسمى التحقيقات والمراجعات التي تتم داخل الجيش في أعقاب مثل هذه الهجمات المسلحة، أكد جمال للجزيرة نت أنها صورية تتم أمام الضباط لتكريس مبدأ وجود تقييمات وتحقيقات داخلية، ولكنها حتى الآن لم تأتِ بأي نتائج إيجابية.

ودلل على حديثه بالقول: عام 2015 أنشأ السيسي ما يسمى القيادة الموحدة لمنطقة شرق قناة السويس بصلاحيات واسعة، وترأسها الفريق أسامة عسكر، ولكنه أعفي من منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2016 بعد فشله في مواجهة الجماعات المسلحة. وفي وقت لاحق تمت ترقيته لمنصب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة، وهو أحد أبرز المناصب القيادية بالجيش.

تبريرات
في المقابل، أرجع مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق اللواء سمير فرج، استمرار العمليات العسكرية في شمال سيناء إلى أن الجيش يواجه عدوا مجهولا غير محسوس، وهذا سبب إطالة مدى الحرب على الإرهاب.

وتوقع في تصريحات متلفزة أن الحرب على الإرهاب ستستمر فترة طويلة، مشيرا إلى أن "الإرهاب" تلقى ضربة قوية من عرض مسلسل "الاختيار" الذي كشف تفاصيل الحرب التي تجري في سيناء، وكيفية عمل تلك الجماعات الإرهابية، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة