"رأسمالية المراقبة": التعاون الإسرائيلي ــ الأميركي في التجسس
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأسبوع الماضي، تقريراً مفصلاً تناولت فيه توظيف الاحتلال الإسرائيلي تقنيات التعرف إلى الوجه المتطورة في فرض رقابة جماعية، على الفلسطينيين، وبينهم الغزيون. ورغم أن الموضوع ليس جديداً بل سبق أن أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً عام 2022، اتهمت فيه إسرائيل بإخضاع الفلسطينيين الموجودين ضمن الأراضي المحتلة عام 1948 لنظام من المراقبة والسيطرة يقيّد حرياتهم السياسية عمداً، معتمدةً لذلك على كاميرات المراقبة المثبّتة في مدن وأحياء في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
لكن عند الحديث عن أنظمة المراقبة غالباً ما تتطرق التقارير الحقوقية والإعلامية إلى دور شركات صينية أو أوروبية في تزويد الاحتلال بالأدوات والكاميرات اللازمة، بينما يغرق الدور الأميركي في الظلام، من دون الإشارة إليه.
تعود انطلاقة قطاع المراقبة الإسرائيلي إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع نموذج مراقبة الدولة والشركات (Surveillance Corporate-State) الرائد في الولايات المتحدة. تصف عالمة الاجتماع في جامعة هارفارد شوشانا زوبوف، هذه الحقبة بـ "فجر رأسمالية المراقبة" وتعرفها على أنها نظام اقتصادي يدر الربح باستخدام البيانات التي تم جمعها من مستخدمي تطبيقات شخصية.
بينما يشير جاك بالكين، أستاذ القانون في جامعة ييل، في بحثه بشأن سياسة الأمن القومي الأميركية وتقنيات المعلومات الجديدة، إلى أنه بحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت شركات المراقبة العامة تتزايد، بخاصة في الولايات المتحدة، وذلك نتيجة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وحربها على الإرهاب، وتصاعد الاقتصاد الرقمي. هذا دفع الاستخبارات العامة وشركات الإنترنت الخاصة إلى بناء شكل جديد من الاحتياجات الأمنية، والتكتلات الشركاتية وبناء العلاقات بينها.
في تقرير صادر عام 2022 يشير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) إلى أنّه ابتداءً من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تباحث رؤساء أجهزة المخابرات الإسرائيلية مع خبراء الأمن الأميركيين والرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا بهدف تعظيم قدرات جهاز المخابرات الإسرائيلي في مختلف الأراضي الفلسطينية، لتلبية متطلبات العصر الرقمي في التجسس والمراقبة. وعلى الرغم من أن العديد من شركات المراقبة الإسرائيلية تصنف نفسها على أنها شركات مدنية، فإن أنشطتها تتأرجح بين السياقات العسكرية والمدنية. هكذا نمت وحدات مثل الوحدة 8200 - النسخة الإسرائيلية من وكالة الأمن القومي الأمريكي - من وحدات استخبارات إشارة غير فاعلة إلى ما وصفه جنرالات إسرائيليون بـ"تجمع من الشركات الصغيرة الناشئة" يضم في صفوفه جنودًا أكثر من البحرية الإسرائيلية.
بدأ الجيش يدرب عناصر الوحدة على القرصنة الهجومية، وتطوير تطبيقات شركات التكنولوجيا، وتحليل البيانات. ويشير بحث نشر عام 2021 في المجلة الخاصة بالصليب الأحمر الدولي إلى أن وحدات المخابرات الإسرائيلية أظهرت قدرتها على برمجة تقنيات متطورة لمراقبة المدنيين الفلسطينيين وانتهاك خصوصيتهم تحت حجة "المخاوف الأمنية الإسرائيلية".
في المقابل، اكتسب الجنود الإسرائيليون خبرة عملية في بناء وإدارة تقنيات المراقبة والأمن الجديدة كجزء من خدمتهم العسكرية، وكانوا متحمسين لنقل مهاراتهم وتقنياتهم الجديدة إلى القطاع الخاص بمجرد تسريحهم من الخدمة.
وكان قطاع التكنولوجيا في إسرائيل قد شهد نمواً غير مسبوق في أعقاب هجمات 11 من سبتمبر/أيلول 2001، إذ ارتفع الطلب على تقنيات الأمن والمراقبة في جميع أنحاء العالم. هكذا وبقيادة قدامى وحدات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، انتشرت ونمت الشركات التكنولوجية الإسرائيلية التي تعمل على استكشاف مجالات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والتجسس الإلكتروني. وسريعاً باتت التحالفات بين إسرائيل والولايات المتحدة تعني أن الجيش الأميركي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) يعتمدون بشكل دائم على شركات المراقبة الإسرائيلية. وبحلول عام 2016، كانت إسرائيل مرتعًا لمعظم شركات المراقبة لكل فرد في العالم وتُعتبر "عاصمة الأمن الداخلي" العالمية، كما تصف "حملة" الواقع في تلك الفترة.
كيف تُرجم على الأرض هذا التعاون بين القطاع الخاص والدولة في الولايات المتحدة وإسرائيل؟ لعلّ أكثر الأوجه المباشرة لهذا التعاون كان استحواذ إمبراطوريات التكنولوجيا الأميركية أي "ميتا"، و"مايكروسوفت"، و"غوغل"، و"أمازون"، و"آبل"
على أكثر من 20 شركة إسرائيلية مختصة في جمع أو تحليل البيانات الجماعية والمراقبة الموجهة، بما في ذلك شركات تُسوّق تقنيات المراقبة البيومترية، والتجسس، وجمع البيانات.
ومن بين أبرز الاستثمارات:
مشاركة الخبر: "رأسمالية المراقبة": التعاون الإسرائيلي ــ الأميركي في التجسس على وسائل التواصل من نيوز فور مي