منذ كانون الثاني/يناير مطلِع هذا العام، بدأ تحالف العدوان الأميركي – البريطاني الهادف لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، عدوانه على اليمن بتنفيذ غارات على عدة محافظات يمنية، شملت صنعاء وصعدة والحديدة وذمار والبيضاء وحجة، بهدف وقف الهجمات اليمنية، وإنهاء الحظر المفروض على السفن الإسرائيلية، لكنّه لم يحصد سوى توسيع العمليّة، لتشمل السفن الأميركية والبريطانية، العسكرية والتجارية.
ومنذ بدء العدوان، تضاربت التصريحات الأميركية حول نجاح تحالفها وتأثيره على قرار صنعاء بإسناد غزّة وحظر الملاحة الصهيونية، بين النافي والمثبت لفعالية التحالف أو تراجع عمليات صنعاء. لكن البيانات الموثّقة لأعداد السفن التي فضلت طريق الرجاء ارتفعت بعد تشكيل ما يسمّى “حارس الازدهار”.
الإجراءات البديلة للسفن التجارية كانت دليلًا على نجاح المعادلات اليمنية، وعدم الثقة بالتحالف الأميركي – البريطاني الذي أضاف من المخاطر بدلًا من تخفيفها، واختارت نسبة كبيرة من السفن اتّخاذ طريق حول أفريقيا، في ما لجأ البعض الآخر إلى عدد من التدابير في محاولة للتخفيف من حدّة المخاطر. واختارت شركات أن تدفع لفِرق تأمينٍ مسلّحة على متن سُفنها للتصدي لأي محاولات احتجاز. وعمدت شركات أخرى إلى تعطيل أجهزة التتبُّع على متن سُفنها؛ حيث يصعب تحديد أماكن تلك السفن أو تعقّبها، بينما قامت شركات أخرى بال عن عدم وجود أي علاقة تربط بين سُفنها والكيان.
القوات المسلحة اليمنية تعاملت بشكل دقيق مع تلك السفن، واستمر السماح لكل السفن التي لا علاقة لها بثلاثي الشر بالمرور الأمن، وفي الوقت نفسه، عملت على التحقق من هوية السفن التي تقوم بالتضليل، برفع أعلام دول أخرى، أو الادّعاء بأنها ذاهبة إلى أماكن غير محظورة، أو حتّى تلك التي تنفي أي علاقة لها بالملكية لثلاثي الشر.
في الأسابيع الأخيرة؛ سوّقت الولايات المتحدة ووسائل إعلام غربية لوهم تراجع الضربات اليمنية، وعزت ذلك إلى العدوان الأميركي – البريطاني وفعاليته، لكن الحقيقة كانت مغايرة تمامًا، وهي أن السبب كان بالأصل في تراجع مرور السفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية.
العمليات اليمنية وبيانات المتحدث باسم القوات المسلّحة العميد يحيى سريع، أكدت هذا الأمر. وخلال عشرين يومًا الأخيرة من الشهر نيسان/أبريل، جاءت بيانات القوات المسلّحة على الشكل الآتي:
– 10 نيسان/أبريل: تنفيذ أربع عمليات عسكرية استهدفت سفينتين إسرائيليتين وسفينتين أميركيتين، إحداهما حربية.
– 24 نيسان/أبريل: استهداف سفينة “MAERSK YORKTOWN” الأميركية ومدمرة حربية أميركية، في خليج عدن، واستهداف سفينة “MSC VERACRUZ” الإسرائيلية في المحيط الهندي.
– 25 نيسان/أبريل: استهداف سفينة إسرائيلية “MSC DARWIN” في خليج عدن، وكذلك تنفيذ عملية عسكرية استهدفت أهدافًا للعدو الصهيوني في منطقة أم الرشراش جنوبي فلسطين المحتلة بعدد من الصواريخ الباليستية والمجنحة.
– 27 نيسان/أبريل: استهداف سفينة “ANDROMEDA STAR” النفطية البريطانية في البحر الأحمر، وإسقاط طائرة MQ9 الأميركية في محافظة صعدة.
– 29 نيسان/أبريل: عملية استهداف مدمرتين أميركيتين وعملية استهداف سفينة “CYCLADES” في البحر الأحمر، وسفينةَ “MSC ORION” في المحيطِ الهندي، وهما تابعتان للكيان الصهيوني.
في الشهر الخامس منذ بدء التحالف الأميركي- البريطاني، وعلى وقع الفشل في كلّ الساحات، في غزّة ولبنان والعراق والبحر الأحمر، لا يبدو أن واشنطن جاهزة لتقبل الأمر الواقع، ولا تزال تبحث عن خيارات بديلة، أو رديفة وموازية لخياراتها المفعلة أصلًا.
الفشل الأميركي المبكر في تحقيق أهداف تحالف ما سُمّي بـ”حارس الازدهار”، أثار الانقسام في الدوائر الأميركية، وحدا بالبعض إلى اقتراح توسيع الضربات العدوانية على اليمن، الأمر الذي أدى إلى اجتماع لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، في 14 شباط/فبراير 2024. وخلال الاجتماع، قدم مدير برنامج الشرق الأوسط، في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون ألترمان طرحًا معارضًا، وأشار خلاله إلى أن سياسة “الضغط الأقصى” الأميركية في عهد ترامب لم تنجح، وأن الردع المطلوب لن يتحقق، واقترح أن يتم إشعار قادة أنصار الله أن لديهم خيارًا مريحًا في مقابل خيارات التصعيد المؤلمة، “وليس مجرد السعي إلى هزيمتهم في ساحة المعركة”.
الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وتصريحات المبعوث الأميركي لندركنغ، تشير إلى أن واشنطن تبحث، بشكل حثيث، عن تشغيل تحالف العدوان ومرتزقته لإثارة الأوضاع العسكرية على مستوى الجبهات، وتوعز للرياض بعدم المضي في خارطة الطريق الأممية المتفق عليها قبل عملية “طوفان الأقصى”.
نختم بحديث مدير معهد التحليل العسكري الأمريكي ريتشارد ويتز، الذي قال في معرض ترجيحه للخيارات المطروحة على طاولة واشنطن إن “دفع التكلفة المالية الأعلى هو الحل لما يجري للملاحة الامريكية والبريطانية، لأن الحل العسكري الوحيد الذي يمكن أن ينجح هو أن تفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها ما فعلوه مع العراق، غزو اليمن وهزيمة اليمنيين على الأرض، واستدرك بأن أمريكا تفتقر إلى القدرة على هزيمتهم والغزو البري صعب”، مستشهدًا بعشر سنوات من التدخلات السعودية والإماراتية، مستنتجًا أن الأمر أصبح أكثر تعقيدًا، وشبّهه بالبرنامج النووي لكوريا وإيران.
عي الدرواني
The post ماذا تبقى في جعبة الشيطان الأكبر لحماية الكيان الصهيوني في البحر الأحمر؟ first appeared on الحقيقة.
مشاركة الخبر: ماذا تبقى في جعبة الشيطان الأكبر لحماية الكيان الصهيوني في البحر الأحمر؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي