في معضلة السلطة السياسية ودور النخب الذكية
ما العمل الآن؟ رسالة لمن يفهم النبض والمعنى.
ليس هذا هو الذي خرجنا من أجله يا رفاق
إذا كان الأمر فعلا وحقا بيد الانتقالي الجنوبي ورئيسه عيدروس الزبيدي فمن المهم إلى أقصى حد ممكن اتخاذ إجراءات واضحة وقوية وحاسمة تجاه الأسباب الحقيقية التي أشعلت الأزمة واهمها: الكشف السريع عن مصير المختطفين والمخفيين قسرا في مدينة عدن بلا كلهم بلا استثناء والقبض على المتهمين باختطاف وتعذيب وإخفاء المواطنين ومساعديهم والتحقيق معهم بحسب القانون والنظام بما يقنع الرأي العام ويهدى من غضبه المتصاعد هذا أولا وثانيا على قيادة الانتقالي التوقف بمسؤولية وجدية صارمة أمام تجربته السياسة والإدارية منذ تأسيسه وتقييم مكامن القوة والضعف والأخطاء والتجاوزات واتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادته إلى خط السير السليم باتجاه تحقيق الأهداف المرجوة.
هذا إذا كان الأمر حقا وفعلا بيد صديقنا الانتقالي الجنوبي أما إذا كان الأمر في قبضة وابدى قوى وأطراف أخرى فعلى الانتقالي أن يفهم المعنى ويعيد توظيف هذا الزخم الجماهيري باتجاه تعزيز وتمكين القضية الجنوبية العادلة واستحقاقاتها التي دفع الناس ثمنا باهضا جدا من أجلها. وذلك بدعم وترشيد الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية وتأمينها بحرص شديد بحيث لا ترتد عليه في هذه اللحظة المظلمة حيث تبدو جميع البقر سوداء! ومن لديه خيارات أجود وأسرع وأجدى أخرى للخروج من هذه الأزمة العويصة يبادر بها حالا. الوضع لا يحتمل.
ملاحظة:
المتربصون كُثر والشعب تعبان واللحظة شديدة الخطورة والحساسية تحتاج أقصى درجات الحنكة والحلم والحكمة والذكاء العاطفي أما التطبيل والتهريج والكلام الفاضي؛ مهنة من غنموا الانتقالي ولازالوا فليس وقته الآن يا جماعة؛ افتهم لكم؟!.
أما أنا العبد لله الحريص على مدينتي ومجتمعيّ، وإليكم رسالتي كاملة.. أرجو أن تجدوا فيها ما يستحق القراءة والنقد والتقييم وليس لدينا نحن أصحاب الفكر والقلم إلا الثقافة حيلتنا الوحيدة في لحظة الضيق والمحن! اقرأوا الكلام قبل فوات الآن.
ربما كانت المعضلة الجوهرية في المجتمعات التقليدية المساواتية الانقسامية تكمن الصراع الدائم على السلطة السياسية بعكس المجتمعات التدرجية حيث كل طبقة من طبقات المجتمع تعرف حدود قدرتها وحقوقها. في المجتمعات المساواتية بمعنى إن كل فرد من افراد المجتمع المتعين يقف على درجة متساوية مع معظم افراد مجتمعه في الحسب والنسب العشائري والقبلي أو القروي المناطقي بمعنى لا لا احد افضل من غيره. كلنا عيال تسعة! كما يقولون. في هذا المجتمع المساواتي في الوضع الأصلي تكون البنية الانقسامية جزءا جوهريا من نسيجه التقليدي طبعا؛ هويات ومرجعيات دائرية اشبه بالقنبلة العنقودية( عائلات، عشائر، قبائل، قرى، مناطق، جهات، طوائف، مذاهب ، ملل، مدن ) توجد بجانب بعضها بعضا لا مندمجة ولا منفصلة. تجمعها رغبة العيش المشترك في وطنها التي وجدت نفسها تنتمي اليه وتحمل أسمه. السلطة السياسية مشكلة عويصة في كل مكان وزمان ولا توجد غير ثلاثة خيارات مجربة لضبطها وتداولها بحسب عالم الاجتماع الفرنسي ماكس فيبر وهي : الوراثة كما هو حال الممالك والسلطنات في توارث الملك. والقوة بالقهر والإخضاع كما هو حال الغزاة والطغيان والاستبداد بمعنى الحكم بقوة السيف والساعد والثالثة هو الديمقراطية العلمانية وهي افضل الطرق التداول السلمي للسطلة في معظم الدول المستقرة. وانا أتأمل في حال مجتمعنا اليمني لاحظت ظاهرة غريبة جدا إلا وهي إن مشكلة السلطة والدارة الشأن العام هي اخطر المشكلات التي تحتدم حولها المعارك منذ اقدم العصور ومع ذلك لازلنا نتعامل بلا جدية ولا اهتمام ولا مسوولية حقيقية. حتى المعايير البسيطة التي ممكن أن تخفف من حدة الصراع وتفننه يتم تدميرها بغباء لا مثيل له يقود الجميع للتهلكة كما هو حال الوضع في جنوب اليمن الآن. في الشمال اليمني تختلف المشكلة وطريقة النظر اليها أما في الجنوب فهي شديدة الخطورة والحساسية. إذ إن الكيان الذي اعلن ذاته ممثلا للقضية الجنوبية ( المجلس الانتقالي الجنوبي) ورئيسه الزعيم عيدروس قاسم الزبيدي بعد إن آخذ المبايعة الثورية الجماهيرية من معظم الشعب الجنوب الطيب لم يراعي معايير اختيار الكفاءات القادرة على إدارة الشأن العام كلا في مجاله بالاعتماد على التخصصات العلمية والخبرات والمهارات بل راح يلم أقاربه وأبناء منطقته ويعينهم على رأس معظم المرافق والإدارات الخدمية والحكومية والسياسية بدون أي معايير حتى شكليه تقنع الآخرين وهذا خطأ فادح وقد سبق ونبهت اليه في اليوم الأول للقاء بالاخ عيدروس لأنني متخصص في تاريخ الفلسفة السياسي واعرف مشكلة السلطة السياسية ومخاطر الاستهانة بها أو التهاون في ادارتها بذكاء وحذر وحكمة لا يجيدها إلا اشخاصا نافذي البصر والبصيرة. كما يفزعني ما اشاهده الآن من تحول مزاج الشارع الجنوبي بعد سبعة سنوات من الزخم الجماهيري الثوري الايجابي. الآن اختلف الحال بالاتجاه العكس بسبب الغباء السياسي للأسف الشديد. حتى مبدا وشعار التصالح والتسامح استنفد طاقته التعبوية الايجابية. فهمتوا قصدي؟!
إن حاجتنا إلى السلام كحاجتنا إلى الهواء والنوم، فليس بمقدور الإنسان أن يعيش زمناً طويلاً في قلق وتوتر مستفز، في كنف الخوف والرعب والفزع، في ظل غياب شبه تام لشبكات الحماية والأمن والأمان والعدل والحرية بيد أن السلام كشرط ضروري لاستمرار حياة أي جماعة إنسانية مزقتها الحروب والخصومات لا يتم من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى جهود جبارة من العمل والمثابر والإصرار العنيد على ترسيخ قيم التسامح والتصالح والتضامن والثقافة السلمية وأدواتها في حل النزعات والمشكلات كما أشار خبير السلام الدولي، “جين شارب” في كتابه (البدائل الحقيقية) فـ”التسامح” هو الفضيلة التي تيسر قيام التعايش الاجتماعي والسلم والسلام بين الناس، ويسهم في إحلال ثقافة النضال السلمي، ثقافة اللاعنف، محل ثقافة الحرب والعنف والقتل والتدمير والدمار، بل يمكن القول أن فضيلة التسامح هي الحد الأدنى من إمكانية العيش والتعايش المشترك في مجمع سياسي مدني مستقر قابل للنماء والتقدم والازدهار..
وإليكم الفرق بين التسامح السلبي والإيجابي:
أولًا: “التسامح السلبي”: الذي يعني ترك الأمور تمشي على أعنتها دون أن يكون للمتسامحين موقفا محددا منها وهو يتساوى مع اللامبالاة والانعزال والإهمال أو غياب الاهتمام بمعنى عدم التفاعل والتعاون والتضامن الفعّال، إذ تجد فيه كل فرد من أفراد المدينة أو المجتمع أو المؤسسة العامة منشغل بأمور حياته الخاصة ويعزف عن الاهتمام بالموضوعات العامة التي يتشارك به مع غيره من أعضاء المؤسسة أو الحي أو المدينة أو المجتمع عامة، ويتصرف وكأنها لا تعنيه! وهذا هو المستوى الأدنى من التسامح الهش الذي لا يمكن البناء عليها لأنه لا يدوم على حال من الأحوال بل يظل سريع التبدل والتحول والزوال.
ثانيًا: “التسامح الإيجابي”: الذي يعني أن الفاعلين الاجتماعيين المستهدفين بالتسامح قد استشعروا الحاجة الحيوية إلى بعضهم وأن لديهم مشاعر واعية ومشتركة بأهمية التعايش والاندماج في مجتمعهم ويمتلكون القناعة الراسخة بأهمية الحفاظ على سلمه وسلامته ونظامه واستقراره وتنميته وترسيخه بالتسامح الفعّال بالأفعال والأقوال بوصفه قيمة أخلاقية وثقافية مقدرة خير تقدير في حياتهم المشتركة وحق من حقوق كل الإنسانية الذي تستحق التقدير والاحترام..
وهذا النمط من التسامح لا يكون ولا ينمو إلا في مجتمع مدني منظم بالقانون والمؤسسات العامة التي يجب أن تقف على مسافة واحدة من جميع أفراد المجتمع بما يجعلهم على قناعة تامة بأنها مؤسساتهم، هم، وأن الحفاظ عليها وصيانتها وتنميتها هي مسؤوليتهم جميعا، ويستشعرون في أعماقهم الدافع والحماس للعمل والنشاط والتضامن الفعّال وبذلك يمهد التسامح الشرط والمزاج العام للتضامن العضوي بين جميع أفراد المجتمع في مشروع اعادة بناء مؤسستهم السياسية الوطنية الجامعة، أي الدولة، على أسس عادلة ومستقرة جديرة بالجهد والقيمة والاعتبار .والافراد يأتون ويذهبوا، أما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم، إذا ما وجدت من يتعهدها بالصيانة والحرص والاهتمام والنَّاس هم الذين يشكلون مؤسساتهم ثم تقوم هي بتشكيلهم!، فكيف ما كانت مؤسساتهم الحاضرة يكونون في مستقبل الأيام!، هذا هو التسامح المطلوب في واقع حياتنا الراهنة، انه التسامح الذي لا يعني أن على المرء أن يحب جاره بل أن يجهد في احترامه ويصون حقوقه وفقا للقاعدة الأخلاقية: “عامل الناس كما تود أن يعاملوك”!.
هذا معناه: أن أي حوار وتفاوض وتفاهم وتنسيق لا يمكنه أن يقوم ويتحقق وينمو ويزدهر ويثمر بدون التسامح الإيجابي، الذي يرتكز على الاعتراف المتبادل بين الأطراف بالأهلية والقيمة والندية والقدرة والسلطة والنفوذ، بما يكفل لكل طرف من الأطراف قول رأيه والتعبير عما يعتقده صوابا بحرية كاملة وظروف متكافئة فالتسامح هو الشرط الضروري للتعايش والعيش بسلام والتفاهم بشأن المشكلات والأزمات والنزاعات الاجتماعية التي تنشأ في سياق الحياة الاجتماعية للناس الساعيين وراء إشباع حاجاتهم وتأمين شروط حياتهم.
ويمكن تلخيص أهم شرط من شروط التسامح الفعّال بأنه: الاعتراف بقيمة الآخر وجدارته ونديته وحقوقه المتساوية مع الجميع أعضاء المجتمع المعني، وهو نمط من أنماط العلاقة بين الذات والآخر .. يعني التقدير والاحترام وتكافؤ الفرص والعدالة والإنصاف والاعتراف، إذ أن أكبر المصائب التي يمكن أن تصيب الإنسان هو غياب التقدير والانصاف والاعتراف. يمكن أن يتحمل المرء كل المصائب الخارجية مقارنة بالظلم والإهمال والاحتقار.؛ ومن هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الآمن المستقر، الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمرا ممكنا بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية وصالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك الصحيحة للمجتمع الذي نريد ان نُكوِّنه، مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة وبهذا المعنى يكون التضامن مرتبة قائمة على التسامح الإيجابي الفعال بين المتسامحين الذين ينشدون الذهاب إلى المستقبل الأفضل.
نكرر القول التسامح، بإيجاز يهدف إلى إيجاد الحد الأدنى من التعايش بين الناس الذين يعيشون الحاضر وهو بذلك يختلف عن التصالح الذي يتحدث عن الماضي بكل عرجه وبجره، إذ بدون التصالح يستحيل العيش في مجتمع مستقر..
ومعنى “التصالح”:
هو تصالح المرء مع ذاته ومع تاريخه مع أهله ومع جيرانه ومع الآخرين، خصوم، منافسين، فعليين أو متخيلين، وكل ما يعتقدهم مختلفين أو مغايرين، ممن يتقاسم معهم العيش المشترك في المجتمع كضرورة لا مفر منها، إذ يستحيل أن يتعايش مجموعة من الناس في مكان وزمان ممكنين وهم في حالة تنافر وتنازع وصراع مستمر، هذا معناه أن “التصالح” ليس هبة أو مكرمة أو أمر عابر قابل للمساومة والتوافقات والرغبات، بل هو أول شروط الحياة الاجتماعية الممكنة في حدها الأدنى، إنه شرط سابق للعيش في الحاضر، وضرورة لا مفر منها للجميع، لا يعني كما يعتقد البعض “عفا الله عما سلف”، وتوافقنا واتفاقنا التنازل عن خصوماتنا التي لم تكن بإرادتنا واختيارنا واعني هنا الخصومات “السياسية” و”الايديولوجية” السابقة، العنيفة المتعددة بكل أنماطها وأطرافها وأثارها .التصالح من حيث هو قيمة أخلاقية ثقافية سيكولوجية عظيمة الأهمية، والتصالح المقصود هنا هو أن: ندرك حقيقة وضعنا وأن نفهم ونعي الأسباب العميقة والدقيقة التي أفضت بنا الى ما نحن فيه من حال ومآل فاجع ومصير كارثي، ونتعلم من اخطائنا..
واذا كان التصالح يتصل بالماضي ومعناه فانه الشرط الضروري للتسامح الذي يعني الحاضر ويتصل بالآني الفوري الراهن الحي المباشر..
من هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الآمن المستقر الذي يجعل من الانتقال إلى المستقبل أمرا ممكنا، بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية، صالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر، وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك للمجتمع الذي نريد أن نكونه، مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة .وبهذا المعنى يكون التضامن، مرتبة قائمة على البناء الإيجابي الفعال للعلاقات الاجتماعية بين الفاعليين باتجاه المستقبل المنشود .هكذا يمكن لنا فهم العلاقة الجدلية بين هذا الثالوث المتناسق والمترابط والمتشابك في علاقة عضوية وظيفية متلازمة ومتبادلة التأثير والتأثر والدعم والاسناد، أقصد التصالح والتسامح والتضامن.
ختامًا أكرر القول:
الثوري الناجح يراهن على قدرته في تهييج مزاج الناس ومشاعرهم لصالح قضيته العادلة بينما السياسي المحنك يراهن على شبكة المؤسسات العامة وقدرتها على التحكم وضبط الأمور بقوة النظام والقانون لخدمة جميع المواطنين المستهدفين بالمساواة الشفافة بلا تمييز ولا فساد.
المؤسسات وحدها هي التي تستمر وتدوم إذ وجدت من يتعهدها بالإدارة والرعاية والحفظ والصون، أما مزاج الناس وانفعالاتهم فهي سريعة الزوال إذ تتغير من حال إلى حال بحسب المؤثرات والظروف والاحوال وما يحدث في عدن هذه الأيام شاهد حال ومآل لمن يفهم الكلام. وسلامتكم.
The post في معضلة السلطة السياسية ودور النخب الذكية appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: في معضلة السلطة السياسية ودور النخب الذكية على وسائل التواصل من نيوز فور مي