سفن الصحراء.. عذبة كالحداء
يقف دمع الناقة على جفن عينها، وينهمر سقوطاً بذات الحب والتعلق والوفاء، الذي تحمله في عمق مشاعرها اتجاه من تحن إليه وتشتاق، فلا فرار من الدمع حتى موعد لقاء الحبيب، الذي تترقب صدى صوته ليناديها بعذب الحداء، فتأتي ملهوفة وتمشِي الهُوَينا كما يمشِي الوَجي، فيبادلها صاحبها بذات المشاعر وتجلياته.
وتحتل الإبل مكانةً لدى أصحابها، وتربطهما منذ أمد علاقة وطيدة امتدت فياضها عبر التاريخ من خلال حوارات، وحكايات، وأحاسيس، تميزت بالمكانة بينهما في طائع الوفاء والإخلاص، وتجلت فيها سلوكيات الولاء والحب والانتماء الذي تظهره الإبل تجاه أصحابها، لتؤكد من خلال ذلك بأنها رفيقٌ حقيقي للإنسان تسهر من أجله وتدمع لأجله وتموت من أجله، حتى أضحت رفيقة الفرح والترح.
وعايشت هيئة وكالة الأنباء السعودية "واس" الجزء الأهم في تسليط الضوء على صورة الإبل وعلاقتها برعاتها، والمشاعر التي تنتاب الإنسان وتنتابها في البيئات الصحراوية القاسية أو في الفيافي الغناء، وما يتجلى من خلال تتابع حركات أصحابها وحركاتها حين موعد اللقاء والعلاقة الرحبة بين الإنسان والإبل مع التواصل اليومي، مستقرئين في هذا التقرير سلوكيات بشرية إزاء المواقف الإبلية المتنوعة. فقد نوه المواطن بندر بن عدوان المضايفي العدواني بما تجسده ناقته "النعامة" المحبوبة إلى قلبه من بين العشرات الأخريات، واصفاً إياها برفيقة الدرب، الذي لا يستطيع تخيل قساوة حياته من دون ناقته العربية الأصيلة.
وقال العدواني: "تقودني مشاعري عند كل صباح ومساء إلى أرض ومراح إبلي" لأكون قريباً ومراقباً لصحتها وأكلها ومشربها، حيث أشعر اتجاهها بعلاقة استثنائية وحيوية ودافئة، وارتباط مشترك بيني وبينها".
وأضفى المضايفي في حديثه أنه بعشقه للإبل وقضائه الكثير من الوقت بجانبها، يدخل وسطها دون أن يحمل "العصا"، ليجتمعوا في جو مشاعري متبادل، وخصوصاً مع ناقته النعامة التي تسمع أعذب الحداء بصوته وتلامس أنامله أطراف وجهها ورقبتها بطريقة ناعمة لتستشعر منه في كل يوم الحنان الذي تجده من رفيقها، وفي الوقت ذاته تتساقط الدمع من بعض الإبل القريبات، وكأنها طُربت في سماع صوت صاحبها وشدوه، مشيراً إلى أن أبناء البادية في الجزيرة العربية يدركون مشاعر إبلهم، حتى أنهم لا يستطيعون العيش من دونها، وهو حب متجذر توارثوه الأبناء عن الآباء والأجداد، وعندما نسمع عن قصص الوفاء في بني البشر نلامس ما تتحدث فيه الألسن عن وفاء الإبل لأصحابها.
وتغنى بندر المضايفي العدواني بإبله موضحاً أنها خلقت جميلة جداً، فهي تبهرك حين تمشي وحين ترد الماء وحين تبرك، وعندما تعتلي على ظهورها راكباً، إذ نجسد في هذا الوطن الغالي وتاريخه وثقافته وتراثه، على حزم رعايتها مثل ما رعاها ملوكنا وقيادتنا الرشيدة -أيدها الله- لما تمثله من موروث تفيض فيه القيّم، ومن أهمية اقتصادية للقائمين عليها وللوطن بشكل عام، حيث حظيت الإبل من خلال نادي الإبل، برعاية ملكية للتراث والثقافة من خلال مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، أو ما تحتضنه الطائف "جادة الإبل" فهي أكبر دليل على اهتمام القيادة في المملكة العربية السعودية بربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير، الذي يشكّل جزءاً من تاريخ البلاد، ومنذ الأمر الملكي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- بإنشاء نادي الإبل جسد مع أبنائه المواطنين، اهتمامه برعاية هذا الموروث القيم والوطني، الذي يمتزج في عبق تاريخنا المجيد بنتاج حاضرنا الزاهر، فهي في مضامين هويتنا العربية والإسلامية، ونادي الإبل بإشراف عام من سمو ولي العهد -حفظه الله- ورئيس مجلس الإدارة الشيخ فهد بن فلاح بن حثلين، إلا محفزاً وداعماً لهذا الاهتمام؛ بهدف المحافظة على الهوية الاجتماعية الوطنية والإرث السعودي الأصيل.
1
مشاركة الخبر: سفن الصحراء.. عذبة كالحداء على وسائل التواصل من نيوز فور مي