أوروبا قلقة من تفاقم أزمة الغاز شتاء مع انخفاض الحرارة
يدخل الاتحاد الأوروبي موسم الشتاء بوضع أفضل من السنوات السابقة، من حيث حجم إمدادات الغاز ولا سيما في ضوء التحديات التي يفرضها انخفاض واردات الغاز الروسي. وفي حين أن التوقعات المباشرة تبدو مستقرة، إلا أن هناك عدة عوامل قد تؤدي إلى تفاقم أزمة الغاز على مستوى المعروض بالنسبة لدول القارة مقارنة بالطلب المتوقع، خاصة إذا اشتدت برودة الشتاء، وارتفعت واردات آسيا من الغاز الطبيعي المسال.
ووفق بيانات مفوضية الطاقة الأوروبية، فإنه اعتباراً من أواخر عام 2023، نجح الاتحاد الأوروبي في ملء منشآت تخزين الغاز الخاصة به إلى ما يقرب من طاقتها المستهدفة، حيث بلغت مستويات التخزين 90% قبل شهرين من الموعد المحدد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وتشير البيانات الصادرة من المفوضية في بروكسل إلى أن هذا النهج الاستباقي لموسم الشتاء تعزز من خلال التخفيضات الكبيرة في الطلب على الغاز التي أجرتها الدول الأعضاء في الكتلة، والبالغة نحو 15% من متوسط الاستهلاك السنوي، فضلاً عن زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال.
وبحسب بيانات المفوضية، فقد تضاعفت حصة الغاز الطبيعي المسال في إجمالي واردات أوروبا من الغاز من 20% في السنوات السابقة إلى نحو 40%، ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة الواردات من الولايات المتحدة ودول المنطقة العربية، بالإضافة إلى ذلك، يقول محللون إن مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ساهمت في تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي وحده لتوليد الكهرباء. وساعدت هذه التطورات على استقرار أسعار الغاز بشكل كبير خلال العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، حيث تراجعت أسعار الوقود الأزرق من 170 يورو/ ميغاوات في الساعة في المتوسط العام الماضي إلى حوالي 45 يورو/ ميغاوات في الساعة خلال العام الجاري.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي أفضل استعداداً لهذا الشتاء مما كان عليه خلال المواسم السابقة التي تميزت بتخفيض الإمدادات الروسية من الغاز، إلا أنه ليس بمنأى تماماً عن المخاطر. ومن الممكن أن تؤدي عوامل مثل الظروف الجوية القاسية، وتقلبات سوق الطاقة العالمية، والاعتماد على الموردين غير الروس إلى إثارة أزمة الغاز مجدداً إذا لم تجر إدارتها بشكل فعّال.
في هذا الصدد، توقع مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري، في تقرير في أكتوبر الماضي، أن تظل أسعار الغاز الأوروبية متقلبة، ولكن من المتوقع أن تستقر عند مستويات أقل، مقارنة بالذروات التي شوهدت في عام 2022. ويتوقع المصرف الأميركي أن يتراوح متوسط الأسعار بين 30 إلى 40 يورو لكل ميغاوات ساعة خلال أشهر الشتاء، مدفوعة بارتفاع مستويات المخزون، وانخفاض الطلب في حال الظروف الجوية المعتدلة. ويشير البنك أيضاً إلى أن أي تصعيد في التوترات الجيوسياسية والمخاطر حول العالم، خاصة في ما يتعلق بروسيا أو الشرق الأوسط، قد يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في الأسعار.
وقالت القوات الجوية الأوكرانية، أمس، إن روسيا أطلقت صاروخاً باليستياً عابراً للقارات على منطقة "أستراخان" جنوب البلاد، صباح الخميس، في تصعيد هو الأول من نوعه خلال الحرب الدائرة بين البلدين، منذ قرابة 3 سنوات، وهو ما رفع درجة المخاطر الجيوسياسية في أوكرانيا.
من بين مخاطر التقلبات التي تهدد باشتعال أزمة الغاز في الأسواق الأوروبية، أن سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية محدودة، بسبب محدودية قدرة التسييل الجديدة التي سيتم تشغيلها حتى نهاية العام الجاري، واحتمال حدوث اضطرابات في محطات الغاز في النرويج، مثل الصيانة في المحطات الرئيسية، أو تصاعد التوترات الجيوسياسية التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وعدم اليقين بشأن العرض، خاصة أن دونالد ترامب سيتسلم الحكم في 20 يناير/ كانون المقبل. كما من المتوقع أن يؤدي فصل الشتاء البارد بشكل خاص إلى إجهاد الإمدادات في أوروبا، حتى لو كانت مستويات التخزين مرتفعة. وتشير البيانات التاريخية إلى أن فصول الشتاء الباردة يمكن أن تزيد الطلب على التدفئة بشكل كبير، وهو ما قد يتجاوز العرض المتاح إذا لم تجر إدارته بعناية.
على صعيد أسعار الوقود الأزرق، هنالك مخاوف من أن أزمة الغاز قد تتمثل بارتفاع الأسعار ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد الأوروبي المنهك. وتشير الاتجاهات الأخيرة إلى أن أسعار الغاز الطبيعي المسال الأوروبي قد تجاوزت تلك الموجودة في شمال شرق آسيا للمرة الأولى هذا العام، حيث جرى تقييم الأسعار في شمال غرب أوروبا عند 14.058 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بالسعر الياباني الكوري البالغ 13.821 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
ويعود هذا التحول في المقام الأول إلى المخاوف بشأن نقص الإمدادات في أوروبا، لا سيما بسبب التخفيضات المحتملة في إمدادات الغاز الروسي، بعد تعثّر تمديد اتفاقية عبور الغاز الروسي من أوكرانيا، والتي ستنتهي في نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل. وتتنافس أوروبا مع آسيا على عقود الغاز المسال في السوق الفورية. وكان الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي المسال قوياً، خاصة من الصين والهند، اللتين تقودان زيادات كبيرة في الاستهلاك. ومن المتوقع أن تظل الأسعار في آسيا مرتفعة بسبب هذا الطلب المستمر، ومن المحتمل أن تصل الأسعار إلى 12 إلى 15 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بنهاية العام الجاري.
ويشير تحليل مصرف "جي بي مورغان" الاستثماري الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إلى أن أسعار الغاز الأوروبية قد تواجه ضغوطاً تصاعدية إذا حدث انقطاع في طرق الإمداد، خاصة عبر أوكرانيا، وهو ما من شأنه أن يفاقم أزمة الغاز المزمنة منذ اندلاع الحرب. ويتوقعون أن يبلغ متوسط السعر 35 يورو لكل ميغاوات في الساعة للنصف الأول من عام 2025، لكنهم يحذرون من أن أي تصعيد عسكري في الحرب الأوكرانية قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير متوقع. وتؤكد وجهة نظر البنك أهمية مراقبة التطورات الجيوسياسية من كثب. أما مصرف "سيتي غروب" فيتوقع في تقرير في أكتوبر الماضي أنه على الرغم من أن مخزونات الغاز الأوروبية قوية، فإن أي طقس شتوي شديد يمكن أن يضغط على الإمدادات، ويؤدي إلى زيادات الأسعار فوق 40 يورو لكل ميغاوات في الساعة، خلال فترات ذروة الطلب.
ويسلط خبراء الطاقة بالمصرف الضوء أيضاً على أن الأسواق الآسيوية قد تشهد زيادة طفيفة في أسعار الغاز الطبيعي المسال، بسبب الطلب الموسمي، لكنها تتوقع استقراراً عاماً مع بدء تشغيل مشاريع التسييل الجديدة، ما يعني عدم امتداد أزمة الغاز الأوروبية الحادة إلى آسيا.
من جانبه يتوقع مصرف "يو بي أس" السويسري أن يتراوح متوسط أسعار الغاز الأوروبي بين 32 و38 يورو لكل ميغاوات في الساعة خلال العام المقبل، مع ارتفاعات محتملة خلال فترات البرد، أو انقطاع الإمدادات. وفي آسيا، يتوقع المصرف أن تظل أسعار الغاز الطبيعي المسال مستقرة نسبياً عند 12 إلى 16 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وحذر مصرف "أتش أس بي سي" البريطاني من التقلبات في سعر الوقود، بسبب المخاطر الجيوسياسية حول العالم، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط.
ويقدر المصرف أن يتراوح متوسط سعر الغاز بين 30 إلى 36 يورو لكل ميغاوات في الساعة في أوروبا، واستقرار أسعار الغاز الطبيعي المسال في آسيا عند حوالي 11 إلى 14 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ويلاحظ أن آسيا لديها اتفاقيات كبيرة وطويلة الأجل مع شركة الطاقة القطرية وشركات أميركية، مقارنة بأوروبا التي تعتمد بشكل كبير على الصفقات بالسوق الفورية.
مشاركة الخبر: أوروبا قلقة من تفاقم أزمة الغاز شتاء مع انخفاض الحرارة على وسائل التواصل من نيوز فور مي