من عبد الله العروي إلى "ولد الشينوية"
بداية أعتذر إلى الأستاذ المفكر المغربي الكبير، عبد الله العروي، على ربط اسمه بهذا الموضوع، لكنّني لم أجد والحالة هذه، مفارقة يمكن أن تعبّر عن مستوى الانحدار القيمي الذي وصلنا إليه أكثر من وضع شخصيتين متضادتين وتحظيان بالمتابعة والاهتمام في تقابل أحدهما مع الآخر، ولو أنّني أفترض، ومن دون توفّري على إحصائيات، أنّ صانع المحتوى رضا البوزيدي والمعروف باسم "ولد الشينوية"، أصبح يحظى بالاهتمام والمتابعة أكثر من مفكّرنا.
وربّما يسألني أحد متابعيّ ومتتبّعي وسائل التواصل الاجتماعي مستغرباً: ومن يكون عبد الله العروي هذا، الذي جئت تحدّثنا عنه؟
ضحك كالبكاء
بضع سنوات فقط، كانت كافية لنصل إلى ما وصلنا إليه من انحدارٍ وانحطاط، أو كما قال "ولد الشينوية" في آخر مقابلة له "أنا ترند".
وهنا أتوقف قليلاً لأسأل عزيزنا "ولد الشينوية": أين وصلت الأيديولوجيا العربية؟ والتي كان الهدف منها الدعوة إلى التحلّي بوعي نقدي وقاعدة للتجاوز المستمر والتلقائي للذات، انطلاقاً من حتمية تداخل المجتمع العربي والغربي. وهي الدعوة التي أشار فيها العروي إلى تحاشي كلّ انكفاءٍ وكلّ انغلاقٍ لتجنّب تبرئة الذات والمواقف الاستعراضية الرخيصة، وذلك بهدف أن يصبح العقل العربي قادراً على مضاهاة العقل الغربي في إطار تلاقحٍ وحوارٍ حقيقي وجاد.
على الرغم من كلّ هذا الانحدار، ما زال في حاضرنا وواقعنا ما يدفعنا إلى الاعتزاز والأمل في غدٍ أفضل
أعرف أنك قارئ نهم للعروي، وأنّك تشبّعت بأمهات الكتب في المتون والتاريخ، وفي التراث أيضاً، وأنّ لسانك ينضح بما فيك ويكفيك! وإلا لما كنت "ترند" كما تقول. وعليه، فإننا نسألك: كيف لنا والحالة هذه، وبعد كلّ هذا التيه والتخبّط، وأنت صانع المحتوى والمؤثّر أن نصل إلى خلطةٍ تساعدنا لنخرج سالمين من كلّ هذا العبث؟
أفترض مرّة أخرى أنّك ستُجيب، بأنّ الحلّ يا سادة هو في...، وربّما تكمن حلول كلّ شيء في السفالة والفجور والبذاءة أو بلغة الخبراء التعاطي الذكي والتفاعل الإيجابي مع الواقع ومع كلّ ما يوجد فيه.
والآن، مع القبول والتطبيع مع كلّ هذه التفاهة، واعتبارها جزءاً من المعيش اليومي، علينا الاستعانة بفلاسفة العيش أمثال لوك فيري وفريدريك لونوار وسعيد ناشيد ليدلونا على كيفية الاستمرار والعيش وسط كلّ هذا الركام من العبث والسفه. لقد أصبح الأمر فعلًا لا يُطاق.
هل نواجه؟ هل نستنكر؟ هل نطبّع أم نراوغ؟
هناك قاعدة أساسية في الطبيعة تقول إنّ هذه الأخيرة لا تقبل الفراغ، وحين يحدث هذا الأمر (وما كان له أن يحدث) يتم استدعاء أيّ شيءٍ ليتم الملء والاكتفاء أو الانكفاء، وهذا هو ما يحدث بالضبط. والسؤال الذي يطرح نفسه مع كلّ هذا الفراغ والغباء هو: إلى أين نحن ذاهبون أو على لسان ناس الغيوان "فين غادي بيا خويا؟"
وكي لا يتهمني أحد بالماضوية أو تمجيد ما فات، أقول لهم ما زال في حاضرنا وواقعنا ما يدفعنا إلى الاعتزاز والأمل في غدٍ أفضل، ما زال لدينا فلاح يطوّع الأرض بيديه، وأستاذ يعالج منعرجات منحدرٍ ما للوصول إلى مدرسته ولقاء تلامذته، وما زال لدينا شباب يبدع، ومفكرون، ومناضلون، ومخلصون للمبادئ، والقيم... وعلى هؤلاء وجب علينا تسليط الضوء، والأضواء أيضاً.
مشاركة الخبر: من عبد الله العروي إلى "ولد الشينوية" على وسائل التواصل من نيوز فور مي