فتح وحماس... حوار متعثر رغم النكبة
لا يزال الحوار بين حركتي فتح وحماس متعثرًا مع العجز عن التوافق حتّى على تشكيل لجنةٍ مصغرةٍ من 15 عضوًا لإسناد قطاع غزّة والمجتمع فيها. يحدث هذا التعثر رغم النكبة التي أوقعتها إسرائيل بغزّة وأهلها، إذ باتت فعلًا مكانًا غير قابلٍ للعيش، ويحتاج إعمارها إلى سنواتٍ، بل عقودٍ طويلةٍ، علمًا أن الحوار نفسه انطلق متأخرًا جدًا، وبالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب، ووقوع النكبة الجديدة.
إذن، وطوال عامٍ تقريبًا، عجزت حركتا فتح وحماس عن التلاقي رغم حرب الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، والنكبة التي أوقعتها إسرائيل بغزّة وأهلها، نحو نصف مليون بين شهيدٍ وجريحٍ ونازحٍ خارجيًا، ومليوني نازحٍ داخليًا، وحوّلتها إلى أرضٍ مدمرةٍ غير قابلةٍ للعيش، نجد هذه التوصيفات والمصطلحات في بيانات الحركتين المنفصلة طبعًا، ورغم الإشارات المبشرة للتلاقي نهاية العام الماضي إلّا أنّها تعثرت في مهدها، ومن دون تبريرٍ أو ٍ للأسباب، علمًا أنّها أوقفت أساسًا من جهة حركة حماس انتظارًا لتبيان مآلات الحرب على الأرض، في ظلّ نشوة خطاب الانتصار السائد آنذاك، كما اعتقدت الحركة أن فتح غير جادةٍ، وتسعى أساسًا إلى تحقيق مكاسب فئويةٍ، وعودة سلطتها إلى السيطرة على غزّة ومعابرها وعوائدها بأيّ وسيلةٍ كانت.
لكن مع انتهاء الحرب بمراحلها الثلاث، كما شهدناها خلال العام الماضي، رغم تدشين إسرائيل فصلًا ثانيًا منها، عبر مزيجٍ من خطة الجنرالات في شمال غزّة، والفقاعات الأمنية، واستنساخ محور نتساريم في القطاع كلّه، ومع ارتباط نهاية الحرب بسيناريو وطبيعة اليوم التالي لها. ضغط الوسطاء واللاعبون العرب، تحديدًا الجانب المصري، على الحركتين من أجل التلاقي، وكانت الفكرة الأساسية تتعلق بتشكيل حكومة توافقٍ وطنيٍ، تأخذ على عاتقها إنهاء الانقسام، وتوحيد الضفّة الغربية وقطاع غزّة والمؤسسات الوطنية، والإشراف على إعادة الإعمار في غزّة، على أن تشكل من جانبها لجنةً وطنيةً عليا من شخصياتٍ كفؤةٍ ونزيهةٍ تتولى قيادة عملية إعادة الإعمار وتنفيذها، التي تستغرق فترةً طويلةً، وتحتاج إلى ميزانيةٍ ضخمةٍ من عشرات مليارات الدولارات.
وصل الحوار إلى طريقٍ مسدودٍ، أو حالةٍ من الجمود، للأسباب السابقة مجتمعة، كما انتظارًا لنتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة
اعتقدت القاهرة أن توافق الحركتين على اليوم التالي في غزّة سيوفر فرصةً لحصد دعمٍ عربيٍ وإسلاميٍ ودوليٍ لمساعيها، وبالتالي زيادة الضغوط على إسرائيل لوقف النار، والانسحاب التام، وإنهاء الحرب.
بينما بدت قصة الحكومة معقدةً أكثر، وتحتاج إلى مدىً زمنيٍ أطول، ومزيدٍ من النقاش والتفاوض، خصوصًا أنّ الحوار نفسه قد انطلق متأخرًا، ويعود هذا التعقيد جوهريًا، إضافةً الى التراكمات السابقة، وطول فترة الانقسام، إلى عجز الحركتين عن استنتاج واستخلاص العبر المناسبة من الحرب؛ إذ لا يمكن العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكأنّ شيئًا لم يكن، ولا تستطيع حماس الاحتفاظ بالسلطة في غزّة، وإدارة سيرورة التعافي وإعادة الاعمار، ولا تستطيع فتح وسلطة رام الله والحكومة الحالية، البتراء، تحديدًا القيام بالمهام الجسيمة، وإنهاء الانقسام، وتوحيد المؤسسات، وإعادة إعمار غزّة، وهي العملية التي ستستغرق عقودًا، 15 سنةً بالحدّ الأدنى، وتحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات، لن يدفع ويساهم فيها أحدٌّ، إلّا في ظلّ حكومةٍ فلسطينيةٍ توافقيةٍ، ذات مصداقيةٍ وموثوقيةٍ وخاليةٍ من الاستبداد والفساد، ومع ضماناتٍ سياسيةٍ فحواها عدم العودة إلى الحرب والخيار العسكري مرّةً أخرى، ما يضاعف أهمّية التوافق الفلسطيني والعربي على شكل اليوم التالي، بما في ذلك الحكومة الموحدة، والأفق والمسار السياسي، الذي لا رجعة عنه، نحو الدولة الفلسطينية المستقلة.
أمام هذا الواقع طرحت القاهرة فكرة تشكيل هيئةٍ مصغرةٍ لإدارة غزّة، أسمتها لجنة الإسناد المجتمعي، يتم تشكيلها من شخصياتٍ مستقلةٍ كفؤةٍ ونزيهةٍ، مهمتها الإشراف على إعادة الإعمار، وإدارة مناحي الحياة المختلفة، من صحةٍ وتعليمٍ واقتصادٍ ورعايةٍ اجتماعيةٍ، على أن يكسر تشكيلها حاجز عدم الثقة بين الحركتين، ويسمح بالمضي قدمًا في ما بعد نحو تشكيل حكومةٍ وطنيةٍ جامعةٍ.
هنا حضرت الشياطين في التفاصيل، وتمحور الخلاف المركزي على مرجعية اللجنة، وميزانيتها وأوجه الصرف المالي، كما الجانب الأمني، المتعلق بحمايتها هي نفسها، وحفظ الأمن في القطاع كلّه. إذ تطالب حماس بمرجعية الإطار المؤقت لأمناء الفصائل العامين، واستقلال اللجنة ماليًا، وإدارة غزّة بمعابرها وفق الواقع الراهن، بوجود عناصر الحركة في المؤسسات والمصالح الرسمية المختلفة، بما فيها الأمنية، في حين تطالب فتح بأنّ تمثّل حكومة رام الله مرجعية اللجنة، بما في ذلك المال والأمن والمعابر، ولا تمانع تعديلًا جزئيًا للحكومة الحالية، يشمل خمسة حقائب وزاريةٍ، بالاتفاق مع حماس، لتسهيل عمل اللجنة المجتمعية، الأمر الذي يشبه، في الحقيقة، إضافة الماء النقي على حساء الحكومة/ السلطة الفاسدة برمتها.
بناءً عليه، وصل الحوار إلى طريقٍ مسدودٍ، أو حالةٍ من الجمود، للأسباب السابقة مجتمعة، كما انتظارًا لنتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، التي استعدت لها السلطة، رغم ترهلها، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، عبر لقاءاتٍ مع فريق الرئيس القادم دونالد ترامب، وتبادل الرسائل معه شخصيًا، في حين تعاني حماس، كما منافستها للإنصاف، تيهًا سياسيًا وتنظيميًا يمنعها من التوقف وقراءة الواقع الراهن، واستخلاص العبر المناسبة منه، غزاويًا ووطنيًا وعربيًا ودوليًا أيضًا، تحديدًا بعد عودة ترامب القوية إلى البيت الأبيض.
في كلّ الأحوال هذا أمرٌ لا يمكن فهمه أو قبوله مع تحكم المنطق الفئوي والحزبي بالقضايا والمصالح الوطنية، رغم النكبة الجديدة، وتداعياتها الهائلة والاستراتيجية، وحتمية مواكبة الحقبة والمرحلة الجديدة بذهنيةٍ مختلفةٍ ومناقضةٍ تمامًا لما قبلها.
اعتقدت القاهرة أن توافق الحركتين على اليوم التالي في غزّة سيوفر فرصةً لحصد دعمٍ عربيٍ وإسلاميٍ ودوليٍ لمساعيها
في الختام، ثمة أمرٌ مهمٌ منهجيًا وتاريخيًا وفكريًا وسياسيًا ومؤسساتيًا ومنظوماتيًا أيضًا، وكما النكبة الأولى في مايو/أيّار 1948، نحتاج بالضرورة الحتمية إلى شخوصٍ وأطرٍ جديدةٍ، ومقولة إن النكبة تجب ما قبلها صحيحةٌ بالتأكيد، تمامًا كما حصل ما بعد الأولى، حتّى مع شخصياتٍ وقياداتٍ بحجم المفتي أمين الحسيني.
مشاركة الخبر: فتح وحماس... حوار متعثر رغم النكبة على وسائل التواصل من نيوز فور مي