هل تتأثر العلاقات مع الرباط بنتائج الانتخابات الإسبانية المبكرة؟

ستمثل الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إجراءها في 23 يوليو/ تموز المقبل، غداة انتكاسة انتخابية لحزبه في الانتخابات المحلية والإقليمية التي جرت الأحد الماضي، أهمية كبيرة للمغرب في تحديد شكل وهوية علاقات البلدين خلال الفترة المقبلة.

وشهدت انتخابات الأحد الماضي تراجعاً لافتاً للحزب الاشتراكي العمالي، قائد الائتلاف الحكومي الحالي، بعد أن أظهرت نتائج الاقتراع ميول الإسبان نحو اليمين، بحصول الحزب الشعبي اليميني على 31.5 في المائة من الأصوات مقابل 28.2 في المائة للاشتراكيين في تصويت البلديات، وظفره بـ7 مناطق من أصل 12 منطقة. وهي نتائج جعلت الحزب الشعبي القوة السياسية الرئيسية في البلاد.

وبينما دفعت المكاسب الكبيرة التي حققها الحزب الشعبي سانشيز إلى الدعوة لانتخابات مبكرة من أجل أن يقرر الإسبان مستقبلهم السياسي في أقرب وقت ممكن، على حد تعبيره، يطرح فوز الحزب اليميني تساؤلات عديدة بشأن مستقبل علاقات مدريد والرباط، وانعكاسات وصول الحزب اليميني إلى الحكم، إذا حصل، على ملفات بالغة الأهمية من قبيل قضية الصحراء وسبتة ومليلية والهجرة.

تطور في العلاقات المغربية الإسبانية

على الرغم من الأزمات المتتالية التي مرّت بها العلاقات خلال السنوات الماضية في سياق ما يسمى بـ"الجوار الصعب" وجراء صلات تاريخية واستراتيجية معقدة، إلا أن العلاقات عرفت تطوراً على أكثر من صعيد، إذ تُعتبر إسبانيا الشريك التجاري الأول للمملكة منذ 2012، كما استطاع البلدان على الصعيد الأمني بناء جسور الثقة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود جعلت "أمن مدريد يمر عبر الرباط".

تُعتبر إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب منذ 2012، كما تعاون البلدان على الصعيد الأمني لمواجهة الإرهاب

وبدا لافتاً التحوّل الكبير في علاقات الرباط ومدريد بدخولها مرحلة جديدة وغير مسبوقة عقب المباحثات التي جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس، في الثامن من إبريل/ نيسان 2022، برئيس الحكومة الإسبانية. هذه المحادثات رسمت تفاصيل "خريطة طريق" أنهت القطيعة الدبلوماسية التي حدثت على خلفية استقبال إسبانيا، في 24 إبريل 2021 زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي.

وبدا المنحى الجديد الذي اتخذته العلاقات بين البلدين من خلال تأكيد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في تصريح صحافي في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي في نيويورك، أن المغرب يتعامل مع إسبانيا "كشريك وحليف موثوق"، معلناً أن "البلدين سيشتغلان بروح إيجابية وطموح، حتى تكون هذه العلاقات الثنائية مشهوداً لها بالقوة".

وفي 2 فبراير/ شباط الماضي، تُوّج التقارب بتوقيع سانشيز مع نظيره المغربي عزيز أخنوش 19 اتفاقية للتعاون بين البلدين في مجالات مختلفة خلال اجتماع وزاري رفيع المستوى في الرباط من أجل تعزيز "شراكتهما الاستراتيجية".

وبالتزامن مع ذلك، بدا لافتاً للانتباه أن الرباط ومدريد يجنيان ثماراً إيجابية جراء الدينامية التي أُطلقت من خلال مؤشرات عدة، أبرزها مشروع الربط البحري المغربي الاسباني، وتقديم مشروع التنظيم الثلاثي المغربي الإسباني البرتغالي لمونديال 2030.

ولئن كانت العلاقات البلدين تسير اليوم ضمن محددات ما جرى الاتفاق عليه في إبريل 2022، وعلى ضوء خريطة الطريق التي تم الاتفاق على أسسها، إلا أن موضوع المغرب تحوّل منذ القمة الثنائية في فبراير/ شباط الماضي إلى مصدر مواجهة في البرلمان والإعلام بين حكومة سانشيز واليمين المعارض. وكان لافتاً اتهام الحزب الشعبي للحزب الاشتراكي بالضبابية وعدم الوضوح في تقديم البيانات الحقيقية حول ملف الصحراء وكذلك سبتة ومليلية، وكذلك إرساء علاقات مع الرباط على حساب العلاقات مع الجزائر إلى "مستوى تعريض واردات إسبانيا من الغاز للخطر".

استبعاد تأثير كبير للانتخابات الإسبانية

وعن ذلك، قال رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية نبيل الأندلوسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ︎الموقف من مغربية الصحراء، والعلاقات بين مدريد والرباط، لن تتأثر بشكل كبير بصعود الحزب الشعبي الإسباني، على اعتبار أن القضايا ذات الأولوية بالنسبة لليمين الإسباني ستكون في هذه المرحلة هي الأمن والاقتصاد والهجرة.

وأضاف أن "التقدّم الحاصل في الموقف الإسباني بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء من المرجح ألا يتغير، وإن تولّى الحزب الشعبي رئاسة الحكومة"، لافتاً إلى أن "معارضة هذا الحزب لموقف سانشيز بشأن مغربية الصحراء، لن يرقى إلى مستوى تغيير هذا الحزب لموقف إسبانيا المعلن، بقدر ما إنه سيحرص على تعزيز العلاقات الثنائية ما بين البلدين، والتركيز في هذه العلاقة على العائد الاقتصادي". لكنه رأى أن "من الممكن جداً أن يحاول الحزب الشعبي كسب نقاط وممارسة ضغط في ملف سبتة ومليلية لصالح إسبانيا، لكسب تعاطف الرأي العام الإسباني".

الأندلوسي: الموقف من مغربية الصحراء، والعلاقات بين مدريد والرباط، لن تتأثر بشكل كبير بصعود الحزب الشعبي الإسباني

وأكد الأندلوسي أن العلاقات بين البلدين لجهة التوجهات الاستراتيجية ثابتة وتخضع لمنطق التراكم التاريخي في بلورة المواقف، ومن الصعب على أي حزب يتولى رئاسة الحكومة اتخاذ أي موقف يمكنه المس بالمصالح الاستراتيجية الإسبانية. واعتبر أن الاعتراف بمغربية الصحراء قرار اتُخذ من الجانب الإسباني، في سياق هذا التراكم التاريخي الإيجابي، وفي سياق دولي أطّره الاعتراف الأميركي، والتراجع عنه سيبقى مغامرة مهما كان قائد الحكومة الإسبانية المقبلة.

من جهته، رأى رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية الخبير في العلاقات الدولية محمد بودن أنه ليست هناك مؤشرات على أن إسبانيا ستتصرف بشكل مناقض لروح المرحلة الجديدة في علاقاتها مع المغرب باستثناء بعض التصريحات التي يمكن تصور خلفياتها في سياق انتخابي ضاغط. ولفت إلى أنه لا يمكن الحكم على مستقبل العلاقات بين البلدين من منطلق شعارات انتخابية، ومع ذلك فإن أي مستجد سيتم تقييمه في حينه من منطلق واقع العلاقات الدولية وعدم ثباته.

وقال بودن، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التحوّل السياسي لا يعني بالضرورة حصول تحوّلات في قرارات الدولة الإسبانية التي تتعدد مصادر صناعتها وضمان استمرارها، وقد تكون مقاربة الحزب الشعبي مختلفة لكن ينبغي دائماً التأكد من أن خيارات ما قبل الانتخابات ليست خيارات ما بعدها.

ورأى أن المصالح والتحديات المشتركة في العلاقات المغربية الإسبانية لا تسمح باتخاذ قرارات جذرية أو أحادية الجانب، وأن الحزب الشعبي يدرك تقاليد العلاقة مع المغرب وله معرفة بأن جوهرها الراهن يتجاوز الزمن الانتخابي.

وبحسب بودن، فإن الواقعية السياسية تُلزم أي حزب إسباني يتولى المسؤولية بالنظر لما تحقق في المرحلة الجديدة للعلاقات المغربية الإسبانية على مستوى التعاون الاقتصادي والتعاون الأمني ومكافحة الجماعات الإرهابية وتدبير تدفقات الهجرة غير النظامية. ولفت إلى أن الخيارات المعتدلة تكون لها نتائج جيدة، فنتائج الانتخابات المقبلة لا ينبغي أن تمثّل عائقاً أمام تطلعات البلدين الأكثر تأثيراً في غرب المتوسط ومشاريع الربط بين البلدين والقارتين الأفريقية والأوروبية.

ورأى بودن أنه إذا لم تكن إسبانيا حليفاً يمكنها أن تكون شريكاً دائماً، وأنه من الأفضل أن تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة في ملفات عديدة، مضيفاً "قد تتجنّب إسبانيا أن تكون جزءاً من بعض المواقف في بعض المراحل عبر اتّباع منطق الغموض الاستراتيجي، لكن من المرجح أن تبقى العلاقات مع المغرب استراتيجية وأولوية من دون تأثير مسبق أو حكم قيمة حولها".

مشاركة الخبر: هل تتأثر العلاقات مع الرباط بنتائج الانتخابات الإسبانية المبكرة؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي