«اللهم ارفع عنا البلاء»
كل أمة منذ بدء الخليقة تخضع لاختبارات إلهية لمدى تقواها، ومخافتها لله، وعبادتها للواحد القهار حق عبادته.
والمتأمل لأمتنا العربية، سوف يكتشف قائمة طويلة من الابتلاءات والتحديات من داخلها وخارجها ومصادر تهديد ذاتية، وأخرى من أعدائها.
ونظرة واحدة كافية لمعرفة أن العراق يعانى من فساد متراكم منذ الغزو الأمريكى ويعانى من استمرار احتلال أمريكى وسيطرة إيرانية وميليشيات طائفية دموية.
والمتأمل لسوريا سوف يرى صورة قاتمة من نظام حكم يتداعى وسيطرة عسكرية روسية، ووجود عسكرى إيرانى، واحتلال تركى وميليشيات تكفيرية من 82 دولة، و12 مليون نازح ولاجئ وقتيل ومصاب، وفاتورة خسائر تتعدى الـ300 مليار دولار، ونقص فى الموارد، والطاقة، وتدهور فى العملة الوطنية.
ولبنان السياحى يعانى من انقطاع الكهرباء ونقص محطات البنزين، وفساد الأطعمة، وارتفاع الأسعار وانهيار العملة الوطنية، وتجميد ودائع المواطنين، وخطر حرب إقليمية على الحدود، وصراع حاد بين الحكومة المتداعية والمعارضة من ناحية والشارع الثائر الغاضب.
وها هى مصر تقف شجاعة أمام مؤامرتين خبيثتين، الأولى لسرقة المياه، والثانية لتهديد أمنها القومى وثرواتها من الغاز بهدف استدراجها لاستنزاف مواردها، وهى على أعتاب عملية إصلاح طموح لشعبها الصبور.
وتقف السعودية أمام تحدى مؤامرة اليمن من قبل العملاء الحوثيين، وانخفاض الطلب على أسعار النفط، والسعى القطرى - التركى للإساءة لمكانتها الدولية بكل الوسائل لتشويه مشروع الإصلاح الذى قدمه ولى العهد السعودى.
وما زالت كل من قطر وتركيا وإيران تضع دولة الإمارات العربية، ومشروعها التنموى التحديثى فى مرمى إطلاق النار.
وتسعى هذه الدول الثلاث لأسباب مختلفة لمواجهة مشروع الشيخ محمد بن زايد الشامل، ومشروع الشيخ محمد راشد التنموى لإقامة دولة عصرية.
وفى تونس يسعى حرب النهضة الإخوانى إلى اختطاف التجربة الديمقراطية لصالحه، وإدخال تونس فى المشروع الإخوانى التركى - القطرى.
وسوف تكشف الأيام المقبلة تورط حركة النهضة فى مصادر تمويل مشبوهة وارتباطات عسكرية معادية للأمن القومى لتونس.
وفى الجزائر، ما زالت البلاد تحاول جاهدة إحداث إصلاحات جذرية بعد عامين من الهزات الداخلية والتحولات الكبرى.
وفى الصومال دولة ميليشيات خارجة عن السيطرة أصبحت مرتعاً للمال والنفوذ السياسى الخارجى، ويدفع الأردن فاتورة غالية لوضعه الجغرافى الدقيق بين نار العراق الملتهبة والحرب الأهلية السورية، ومشروع صفقة القرن الفاشل الشرير.
ويعانى الأردن كونه دولة محدودة الموارد الطبيعية فى زمن يتحمل فيه فاتورة لاجئين ونازحين بالملايين من فلسطين والعراق وأخيراً سوريا.
وما زالت الكويت تعانى من عدم انضباط تجربتها السياسية التى تجعل من البرلمان أداة صدام دائمة مع السلطة التنفيذية ما يهدد الاستقرار السياسى بشكل دائم.
وتواجه البحرين بشجاعة المحاولات الخارجية الشريرة لتحرك بعض العناصر الطائفية للتأثير السلبى على سلامة البلاد والعباد.
أما عمان فهى تعيش وسط عاصفة من المخاطر الإقليمية من اليمن إلى إيران، ومن العراق إلى السعودية، فى منطقة استراتيجية حاكمة، وفى ظل قيادة جديدة تسعى لتطوير البلاد.
أما المؤلم فهو وضعية الشعب القطرى، الذى يعيش فى ظل معادلة حكم قررت أن تستنزف موارد صندوقها السيادى الضخمة فى تمويل مشروعات خارجية تدعم الإرهاب التكفيرى، وتسعى لتحطيم مشروعات الدول الوطنية فى المنطقة، وتتحالف مع قوى إقليمية معادية للمشروع العربى.
هذه «تحديات سياسية» عظمى، وهى ابتلاءات كبرى وضعها أمامنا رب العالمين، ليختبر قدرتنا على جهاد النفس، والحكم بالعدل، والإحسان، والتركيز على قيم التسامح والإنصاف والمواطنة المتساوية، واحترام قيمة العمل الدؤوب لبناء الأوطان لإنقاذ الفقراء من فقرهم، والجهلاء من جهلهم، والمرضى من سقمهم، ومساعدة الأرامل، والأيتام، وذوى الحاجات من أجل تحسين أحوالهم، وإنقاذهم من أوضاعهم غير الإنسانية، ذلك كله يحدث فى زمن ختم الله على عقول وأسماع وأبصار البعض بضعف الإيمان.
عدونا، قبل أن يكون على حدودنا، أو على سواحلنا، هو بداخلنا، يسيطر على عقولنا وحاضرنا ومستقبلنا، يسعى لنشر الشر والفساد وثقافة الموت، ويسعى للفرقة وإثارة العصبيات القبلية، والنزعات الطائفية، والتحريض على كراهية الآخر.
وبينما نحن نعيش هذه الأيام المباركة التى يتنزل فيها الخالق جل جلاله يوم عرفة المشهود كى يستجيب لصادق الدعاء، ويكفر عن الذنوب، ويغفر الخطايا، ندعوه سبحانه أن يصلح من نفوسنا حتى نواجه أعداءنا.
وتذكروا قوله تعالى: «وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ» (سورة يونس).
وآخر دعوانا اللهم ارفع عنا كل أشكال البلاء واهدنا إلى الصواب وارزقنا اتباعه، إن الله يسمع ويرى، «إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ».
مشاركة الخبر: «اللهم ارفع عنا البلاء» على وسائل التواصل من نيوز فور مي