الطمي قد يزيحه خلال 50 عاماً.. مفاجآت وراء التعنت بسد النهضة
مساء أمس الثلاثاء، أعلنت مصر تعليق مفاوضات سد النهضة، موكدة أن إثيوبيا لم تقدم أي قواعد لتشغيل السد.
وذكرت وزارة الموارد المائية المصرية أنه، وبناء على مخرجات القمة الإفريقية المصغرة، التي عُقدت 21 يوليو الماضي، فقد عُقد أمس الثلاثاء الاجتماع الثالث للجولة الثانية للدول الثلاث برعاية الاتحاد الإفريقي لاستكمال المفاوضات حول سد النهضة للوصول إلى اتفاق ملزم بخصوص الملء والتشغيل.
وأضافت أنه وفي إطار ما تم التوافق عليه خلال اجتماع وزراء المياه من الدول الثلاث، الذي عقد الاثنين، كان اجتماع الثلاثاء، مخصصاً لقيام اللجان الفنية والقانونية بمناقشة النقاط الخلافية الخاصة باتفاقية ملء وتشغيل سد النهضة، وقبل موعد عقد الاجتماع مباشرة، قام وزير المياه الإثيوبي بتوجيه خطاب لنظرائه في كل من مصر والسودان مرفقاً به مسودة خطوط إرشادية وقواعد ملء سد النهضة لا تتضمن أي قواعد للتشغيل، ولا أي عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، فضلاً عن عدم وجود آلية قانونية لفض النزاعات.
وأكدت مصر أن الخطاب الإثيوبي جاء خلافاً لما تم التوافق عليه في اجتماع الاثنين برئاسة وزراء المياه والذي خلص إلى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية، لعرضها في اجتماع لاحق لوزراء المياه يوم الخميس القادم، مضيفة أنه لذلك طلبت مصر وكذلك السودان تعليق الاجتماعات لإجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبي الذي يخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي، وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه.
وإزاء ذلك قامت مصر اليوم الأربعاء بإرسال خطاب إلى دولة جنوب إفريقيا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي تضمن تأكيد رفض مصر الملء الأحادي الذي قامت به إثيوبيا في 22 يوليو، وأكدت على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً وليس مجرد إرشادات وقواعد حول ملء سد النهضة.
سر ما تعتبره مصر "التعنت الإثيوبي المستمر" منذ بدء المفاوضات، والإصرار المصري في المقابل على أطروحات القاهرة يرجع لعدة عوامل، وحسب تصريحات سابقة للدكتور علاء الظواهري عضو وفد مصر في المفاوضات لـ"العربية.نت" فإن مصر مستعدة بخطط وسيناريوهات للتعامل مع الأزمة التي حسب وجهة نطره قد تمتد لـ 100 عام مقبلة.
ويكشف الدكتور عباس شراقي، خبير المياه وأستاذ الموارد المائية بمعهد البحوث الإفريقية لـ"العربية.نت"، تفاصيل جديدة تكشف سر التعنت الإثيوبي والإصرار المصري، حيث يؤكد أن سد النهضة قد يواجه مشكلة تقضي عليه تماما وتزيحه من الخدمة خلال 50 عاما، وهي مشكلة الطمي، ولتوضيحها - أكثر كما يقول - فإن الطمي يتدفق مع مياه الفيضانات التي تأخذ في طريقها بعض الصخور والرمال والأتربة وبعض التربة الجبلية، ومع توقف الفيضانات، تترسب في القاع وتحتل مساحة كبيرة سواء في قاع الأنهار وخزانات السدود.
ويضيف أن إثيوبيا قامت بتخزين نحو 5 مليارات متر مكعب في الملء الأول ووفق تصميم السد فإنها لكي تولد الكهرباء لا بد أن تصل بالمياه لتخزين نحو 14 مليار متر مكعب حتى تصل للتوربينات، ومن ثم يبدأ التشغيل، وعندما تقوم بتخزين مساحة السد كلها وهي 74 مليار متر مكعب، فإن كميات الطمي المخزنة والمتدفقة مع المياه قد تصل لكميات كبيرة ويتوقع أن تصل إلى 14 مليار متر مكعب خلال 50 عاما، وعندئذ لن تصل المياه للتوربينات، وبالتالي يتوقف توليد الكهرباء وينتهي عمل السد.
وأضاف أن كميات الطمي في إثيوبيا عالية وكل نحو من 3 إلى 4 سنوات سيتراكم مليار متر مكعب طمي، وبالتالي بعدما يتراوح ما بين 45 إلى 50 عاما ستكون كمية الطمي المترسبة في خزان سد النهضة نحو 14 مليار متر، وهو ما يعني عدم وجود مياه عند التوربينات التي تم تركيبها عند هذا الارتفاع، ويتوقف عملها وينتهي دور السد كمولد للكهرباء، مشيرا إلى أنه لذلك السبب تعتزم إثيوبيا بناء 3 سدود أخرى على مجرى النيل الأزرق ليتراكم فيها الطمي وتمنع وصوله لسد النهضة حتى يستمر الأخير في عمله، وهو ما يفطن إليه المفاوض المصري.
وقال إن إثيوبيا تعلم جيدا أنه لكي يستمر عمل سد النهضة لنحو مئات السنين مثلما فعلت مصر في السد العالي، فعليها بناء 3 سدود أخرى، فمثلا عندما قامت مصر ببناء السد العالي كان المتوقع أن الكمية التي يمكن أن يتراكم فيها الطمي نحو 31 مليار متر مكعب، وإذا وصل الطمي لهذا الارتفاع فقد ينتهي عمل السد، ولذلك كان المدى الزمني المتوقع لعمل السد العالي 500 عام، بعد احتساب سنوات تراكم الطمي، مضيفا أن السودان قام ببناء سدود مثل الروصيرس وسنار ومروي، فاحتجزت كميات من الطمي أدت لتقليل وتخفيف الواصل منه للسد العالي، ومن ثم إطالة عمر السد.
وكشف شراقي أن الأمر مختلف في إثيوبيا، ولذلك تعتزم بناء 3 سدود أخرى لاحتجاز الطمي الذي يمكن أن يتدفق لسد النهضة ويعرقل عمله ويقلل من عمره الافتراضي.
وذكر أن مصر تتمسك بالتفاوض على سد النهضة فقط حاليا بالنسبة لقواعد الملء والتشغيل، في حين تصر إثيوبيا على اتخاذ إجراءات أحادية سواء بالنسبة لسد النهضة أو السدود المستقبلية، لأنها تعتزم بناء سد آخر يحتجز الطمي لإطالة العمر الافتراضي لسد النهضة من 50 عاما إلى 100 عام ودون تنسيق مع مصر والسودان، ولذلك تريد الانفراد بإدارة وملء وتشغيل سد النهضة لخلق أمر واقع يسمح لها ببناء سدود أخرى دون تنسيق مع أحد، في حين ترفض مصر ذلك وترى أن من حقها وفقا لقانون إدارة الأنهار الدولية المشتركة المشاركة والتنسيق في أي بناء أي سدود أو مشروعات على مجرى النيل باعتباره نهرا مشتركا لا يحق لإثيوبيا أو غيرها القيام بأي مشروعات منفردة عليه.
مشاركة الخبر: الطمي قد يزيحه خلال 50 عاماً.. مفاجآت وراء التعنت بسد النهضة على وسائل التواصل من نيوز فور مي