ورقة علمية: هذه استراتيجية إسرائيل تجاه سد النهضة الإثيوبي
كشف تقرير استراتيجي النقاب عن دور إسرائيلي محوري في بناء سد النهضة الأثيوبي انطلاقا من رؤية تقوم على إضعاف الدولة والمجتمع بالإضافة إلى إضعافالأنظمة السياسية العربية.
ورأى تقرير استراتيجي أعده الدكتور وليد عبد الحي لصالح مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في لبنان، أن "إسرائيل تدرك مركزية المكانة المصرية في النظام الإقليمي العربي، وعليه فإن تغير النظام في مصر إلى نظام معادٍ لها سيكون له مخاطر أمنية كبيرة على إسرائيل إذا كانت مصر قوية، وعليه لا بدّ من إبقائها ضعيفة سياسياً (بإضعاف مركزيتها الإقليمية والدولية)، واقتصادياً (بحرمانها أو التأثير على مواردها المركزية ومنها النيل)، وعسكرياً بإغراقها في مواجهات داخلية (في سيناء)، وعلى حدودها مع ليبيا والسودان (حول حلايب وغيرها)، ومع إثيوبيا".
وأشار التقرير، الذي أرسلت نسخة منه لـ "عربي21" اليوم الخميس، إلى أن "إسرائيل معنية بإضعاف أيّ دولة عربية أكثر من عنايتها بإضعاف الأنظمة العربية مع أهمية إضعاف الأنظمة"، لأن تغير النظام السياسي غير المعادي في دولة ضعيفة وتحوله إلى نظام معادٍ لـ"إسرائيل" لن يكون له تأثير استراتيجي نظراً لضعف الدولة، لكن تنامي قوة دولة عربية تقنياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو اجتماعياً هو رصيد لأي نظام سياسي يأتي معادياً لـ"إسرائيل"، وعليه فالضمان الحقيقي لأمن "إسرائيل" هو بقاء الدولة ضعيفة.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن الأدبيات السياسية الصهيونية تقوم على تقسيم البيئة العربية إلى ثلاثة أبعاد هي؛ النظم السياسية العربية، والمجتمع العربي، والدولة العربية.
وقال: "لما كانت النظم السياسية العربية هي الأقصر عمراً بين الأبعاد الثلاثة، فإن التركيز في المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي على المجتمع العربي والدولة العربية".
وأضاف: "إن إسرائيل لا تغفل أهمية وجود حاكم غير معادٍ لها، لكنها تدرك أن المستوى العالي لعدم الاستقرار في المنطقة قد يقود إلى تغيرات مفاجئة، فإذا كانت الدولة والمجتمع يتمتعان بقدر كافٍ من القوة والإمكانيات، فإن مستوى الخطر يبقى عالٍ في حالة وصول حاكم معادٍ لها. ولكن في حالة وجود دولة ومجتمعين ضعيفين، فإن التغير في شخص الحاكم لن يقود لتحولات استراتيجية ضد "إسرائيل"، حتى لو أتى التغير بحاكم معادٍ لها".
وأكد التقرير أن أحد أهداف "إسرائيل" في سياستها مع مصر (وبقية الدول العربية خصوصاً المركزية منها) هو إبقاء الدولة والمجتمع ضعيفين، معتبرا السياسة الإسرائيلية تجاه سد النهضة نموذجا لذلك.
وذكر التقرير أن الإسهام الإسرائيلي في مشروع سدّ النهضة الإثيوبي قديم، وأن نهر النيل لم يكن بعيداً عن الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ البداية، إذ إن فكرة إنشاء مشروعات صهيونية بهدف إيصال مياه النيل إلى "إسرائيل" بدأت سنة 1903 من خلال دعوات طرحها بشكل واضح ثيودور هرتزل، وعادت الفكرة للظهور بشكل واضح خلال الفترة 1964 ـ 1974، وتجددت مرة أخرى في فترة التسعينيات من القرن العشرين.
ولفت الانتباه إلى مسألة إيصال مياه النيل إلى النقب في فلسطين المحتلة كان ضمن بنود المناقشات المصرية ـ الإسرائيلية في مفاوضات كامب ديفيد وتطورت حتى ترتب عنها طرح مشروع قناة جونجلي في جنوب السودان كوسيلة لتعويض مصر عن المياه التي ستذهب للنقب طبقاً لذلك، وهو ما أفرز مشكلات عديدة في جنوب السودان، أسهمت في نهاية المطاف مع عوامل أخرى في تأجيج النزاع في السودان لينتهي بانفصال الجنوب وتحوله إلى إحدى الدول الإفريقية الأكثر تقارباً مع "إسرائيل".
وبعد أن أشار التقرير إلى العلاقات التاريخية التي تربط إسرائيل بأثيوبيا، ركز على متابعة الدور الإسرائيلي في تأجيج موضوع سد النهضة بين مصر وإثيوبيا خلال الفترة 2011 ـ 2020، حيث أشار إلى اعتماد إثيوبي شبه كلي على النصائح الإسرائيلية، من ذلك المعلومات المؤكدة عن وجود طابق كامل في مبنى وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية يقيم فيه خبراء المياه الإسرائيليون، وهم يقدمون الخبرة التفاوضية والفنية للفرق الإثيوبية، وأيضا نشاط الشركات الإسرائيلية، لا سيّما تلك التي لها علاقة باحتياجات بناء سدّ النهضة الإثيوبي>
ولاحظ التقرير أن المشروع الإثيوبي بدأ فعلياً في سدّ النهضة في سنة 2011، وهي السنة التي شهدت بداية ما سمي بـ"الربيع العربي"، وكانت مصر في قلب هذا الحدث ومنشغلة بهمومها الداخلية وباضطرابات الإقليم الشرق أوسطي كله.
كما ذكر التقرير أنه وبعد تصاعد الخلاف بين إثيوبيا ومصر حول آثار السد الإثيوبي، تواترت تقارير إسرائيلية، وغربية، وعربية، في 2019، عن قيام "إسرائيل" بنصب نظام دفاع جوي من نوع "سبايدر إم آر" حول سدّ النهضة الإثيوبي يمكنه من إسقاط الطائرات الحربية من على بعد 5 ـ 50 كم.
ورأى وجود ترابط بين المساندة الإسرائيلية لإثيوبيا في موضوع سدّ النهضة وتنامي العلاقات المختلفة بين الطرفين، لا سيما في الجانب الاقتصادين حيث وصل حجم التبادل التجاري بين إثيوبيا و"إسرائيل" حتى سنة 2019 نحو 300 مليون دولار.
إقرأ أيضا: أكاديمي مصري: انهيار سد النهضة يعادل ضرر 100 قنبلة نووية
وأكد التقرير أن "إسرائيل تدرك أهمية إثيوبيا لتطل منها على المحيط الهندي والبحر الأحمر الذي تمر منه 20% من تجارة إسرائيل الخارجية، ناهيك عن الإطلال على منابع النيل، وتتعزز كل هذه الجوانب بالتعاون في التصنيع والتدريب العسكري".
وشدد على أن "هذه العلاقات تعد جزءاً من نشاط إسرائيلي متسارع في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، مع إثيوبيا ومع كينيا وراوندا وكينيا وأريتريا وجنوب السودان".
وقال: "ذلك يعني أنه إلى جانب العلاقات الثنائية الإثيوبية الإسرائيلية، فإن تنامي المصالح الإسرائيلية في الشرق الإفريقي يدفع "إسرائيل" لإيجاد قاعدة آمنة لحركتها في هذه المنطقة، ويبدو أن التوجه العام الإسرائيلي هو نحو اعتماد إثيوبيا ركيزة لهذه الحركة".
وحذّر التقرير من أن سد النهضة يمثل خطرا على الأمن القومي المصري، أولا لأن السد يقام على منطقة فلق زلزالي، فإن احتمال انهياره لاحقاً تحت تأثير زلزال يزيد عن 4 درجات على مقياس ريختر قد ينتهي إلى إغراق مساحات واسعة من مصر والسودان مما قد يقود لخسائر بشرية كبيرة من المصريين والسودانيين.
كما أن السد سيؤثر سلبا على حصة مصر من مياه النيل، التي تعتمد بنسبة تتراوح بين 80 ـ 85% من حصادها المائي على النيل.
وحذّر التقرير في الختام من أن مواصلة إثيوبيا لمشروعها قد يغري بقية دول الحوض الأخرى لبناء سدود مماثلة مما يفاقم الاخطار السابقة الذكر على مصر والسودان، ويغرق الشرق الإفريقي ومنطقة حوض النيل في نزاعات عميقة ومدمرة.
يذكر أن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات هو مؤسسة دراسات واستشارات مستقلة، تأسس في بيروت، في منتصف عام 2004م، ويُعنى بالدراسات الاستراتيجية واستشراف المستقبل، ويُغطي مجالُ عملِهِ العالمين العربي والإسلامي، ويعطي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية، وكل ما يرتبط بذلك من أوضاع عربية وإسلامية ودولية.
إقرأ أيضا: خبير سدود يكشف لـ"عربي21" مخاطر سد النهضة على مصر
مشاركة الخبر: ورقة علمية: هذه استراتيجية إسرائيل تجاه سد النهضة الإثيوبي على وسائل التواصل من نيوز فور مي