مسألة الأقليات في المشرق وقضايا التوحد والانقسام الحلقة الرابعة

مسألة الأقليات في المشرق وقضايا التُّوحد والانقسام (الحلقة الرابعة)

تم نشره منذُ 4 شهر،بتاريخ: 07-01-2024 م الساعة 06:01:51 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-1958307.html في : اخبار محلية    بواسطة المصدر : هورايزونس



كتب: د. محمد السماك

وهنا أعود إلى العبد الثاني في المؤامرة على الوحدة القومية الإسلامية القائمة داخل العالم العربي بصورة خاصة . فأشير إلى دراسة إسرائيلية نشرتها مجلة ” كيفونيم ” – الحقيقة – في عددها رقم 14 الصادر في شتاء 1982، وهي مجلة تصدر عن المنظمة الصهيونية العالمية، وتمثل خلاصة الفكر الصهيوني في هذه المرحلة، وعنوانها : ” استراتيجية إسرائيل في الثمانينات” تقول الدراسة : أن العالم العربي – الإسلامي ليس هو المشكلة الاستراتيجية الأساسية التي سنواجهها خلال الثمانينات، وذلك على الرغم من أن له النصيب الأوفر في تهديد إسرائيل بسبب قوته العسكرية الآخذة في الازدياد. وهذا العالم ( بطوائفه وأقلياته وأجنحته ونزعاته الداخلية التي تؤول إلى دمار داخلي مذهل كما نشهد في عدة بلدان في هذه المنطقة وفي البلقان وأواسط آسيا) غير قادر على التصدي لمشكلاته الأساسية الشاملة، وبالتالي فإنه لا يشكل تهديداً فعلياً لدولة إسرائيل في المدى البعيد، وإنما في المدى القصير، إذ هناك أهمية كبرى لقوته العسكرية الآنية. ففي المدى البعيد لا يستطيع هذا العالم البقاء ببنيته الحالية في المناطق المحيطة بنا من دون تقلبات فعلية. إن العالم العربي – الإسلامي مبني مثل برج ورقي مؤقت، شيده أجانب ( فرنسا وبريطانيا في العشرينات) من دون إرادة السكان وتطلعاتهم فقد قُسم إلى 19 دولة، كلها مكونة من تجمعات من الأقليات والطوائف المختلفة التي يناصب بعضها البعض العداء فإن كل دولة عربية – إسلامية تتعرض اليوم لخطر التفتت الإثني – الاجتماعي في الداخل، لدرجة أن بعضها تدور فيه الآن حروب أهلية.

وبعد أن تقدم الدراسة الصهيونية عرضاً الانقسامات داخل كل دولة عربية تقول : أن صورة الوضع ( القومية – الاثنية…الطائفية هذه)من المغرب حتى الهند ومن الصومال حتى تركيا – تشهد على انعدام الاستقرار والتفتت السريع في جميع أنحاء المنطقة المحيطة بنا. وعندما نضيف إلى ذلك الصورة الاقتصادية، فإننا ندرك إلى أي حد تقوم المنطقة بأسرها فعلاً على برج من الورق، من دون أي فرص للتصدي لمشكلاتها الخطرة.
ومن خلال هذا الأمر تؤكد الدراسة الصهيونية أن أمام إسرائيل خيارات للسلام غير إعادة الأرض المحتلة. وأن الخيارات المستقبلية للسلام هي في انتزاع المزيد من الأراضي العربية عن طريق تجزئة العالم العربي إلى سلسلة من الكيانات السياسية المتناحرة دينياً ومذهبياً وإثنياً.

وفي هذا الشأن تقول الدراسة الصهيونية : إن مصر مفككة ومنقسمة إلى عناصر سلطوية كثيرة. وليس على غرار ماهي الحال اليوم، لا تشكل أي تهديد لإسرائيل وإنما ضمانة للأمن والسلام لوقت طويل،وهذا اليوم في متناول يدنا. وإن دولاً مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منهما، لن تبقى على صورتها الحالية بل ستقتفي أثر مصر في انهيارها وتفتتها فمتى تفتت مصر تفتت الباقون. إن رؤيا دولة قبطية – مسيحية في صعيد مصر، إلى جانب عدد من الدول الضعيفة ذات سلطة أقلية – مصرية لا سلطة مركزية كما هو الوضع حتى الآن هي مفتاح هذا التطور التاريخي الذي أخرته معاهدة السلام، لكنه لا يبدو مستبعداً في المدى الطويل.
إن الجبهة الغربية التي تبدو للوهلة الأولى معضلة هي أقل تعقيداً من الجبهة الشرقية حيث أصبحت ماثلة أمامنا اليوم جميع الأحداث التي كانت بمثابة أمنية في الغرب.

ذلك أن تفتت لبنان بصورة مطلقة إلى خمس مقاطعات إقليمية هو سابقة للعالم العربي بأسره. بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية، إذ أخذ بنحو منحى مشابهاً منذ اليوم. إن تفتت سوريا والعراق لاحقاً إلى مناطق ذات خصوصية إثنية ودينية واحدة على غرار لبنان، هو هدف من الدرجة الأولى بالنسبة إلى إسرائيل في الجبهة الشرقية في المدى البعيد. إذ أن تفتت القوة العسكرية لهذه الدول هو اليوم الهدف المرسوم في المدى القصير، وسوف تفتت سوريا وفق التركيب الإثني والطائفي إلى عدة دول مثل لبنان حالياً، حيث تقوم على ساحلها دولة علوية – شيعية وفي منطقة حلب دولة سنية، وفي منطقة دمشق دولة سنية أخرى معادية للدولة الشمالية، والدروز سيشكلون دولة، ربما أيضاً في الجولان عندنا،وطبعاً في حوران وشمال الأردن، وستكون ضمانة الأمن والسلام بأسرها في المدى الطويل، وهذا الأمر في متناول يدنا منذ اليوم.

إن العراق الغني بالنفط من جهة، والذي يكثر فيه الانشقاق والاحقاد في الداخل من جهة أخرى، هو المرشح المضمون لتحقيق أهداف إسرائيل، إن تفتت العراق هو أكثر أهمية من تفتت سوريا. فالعراق أقوى من سوريا وقواته تشكل في المدى القصير خطراً على إسرائيل أكثر من أي خطر آخر. وحرب عراقية – سورية أو عراقية – إيرانية سوف تفتت بالعراق وتؤدي به إلى انهيار في الداخل قبل أن يصبح في إمكانه التأهب لخوض صراع على جبهة واسعة ضدنا. وكل مواجهة بين الدول العربية تساعدنا على الصمود في المدى القصير، وتختصر الطريق نحو الهدف الأسمى وهو تفتيت العراق إلى شيع مثل سوريا ولبنان. وفي العراق سيكون التقسيم الإقليمي والطائفي متاحاً، كما كان الوضع في العهد العثماني وهكذا تقوم ثلاث دول ( أو أكثر ) حول المدن العراقية الرئيسية : البصرة وبغداد والموصل، فتنفصل مناطق شيعية في الجنوب عن الشمال السني والكردي بأكثريته. ولعل المواجهة الإيرانية – العراقية تؤدي إلى ازدياد حدة هذا الاستقطاب اليوم.

إن شبه الجزيرة العربية بأسره هو مرشح طبيعي للانهيار وأكثر من غيره اقتراباً منه، بفعل ضغط داخلي وخارجي، وهذا الأمر غير مستبعد في معظمه، خصوصاً في السعودية، سواء أبقيت القوة الاقتصادية القائمة على النفط أم انخفضت في المدى البعيد، فالاضطراب والانهيار من الداخل هما مسار واضح وطبيعي في ضوء تركيبة الدولة القائمة التي تفتقر إلى كيان.

إن الأردن هدف استراتيجي آني في المدى القصير، لكنه ليس كذلك في المدى الطويل، لأنه لا يشكل أي تهديد فعلي في المدى القصير، إلا إذا انقلب الوضع، وانتقلت السلطة إلى الفلسطينيين في المدى القصير. ليس هناك أي إمكان أن يبقى الأردن قائماً على صورته وبنيته الحاليتين في المدى الطويل. وينبغي أن تؤدي سياسة إسرائيل، حرباً أم سلماً، إلى تصفية الأردن بنظامه الحالي ونقل السلطة إلى الأكثرية الفلسطينية. فتبديل الحكم شرقي النهر، سوف يؤدي إلى تصفية مشكلة المناطق الآهلة بالعرب غربي النهر، حرباً أم سلماً. إن الهجرة من المناطق ( العربية المحتلة منذ سنة 1967) والجمود الاقتصادي، والانتشار الديموغرافي فيها، هما الضمانة للتغيير الوشيك على ضفتي النهر، وعلينا أن نكون نشيطين من أجل تسريع هذا التغيير، وفي أقرب وقت.

وقبل نشر هذه الدراسة بعام، وبالتحديد في 18 ديسمبر – كانون الأول 1981 نشرت جريدة معاريف الإسرائيلية نص محاضرة للجنرال أرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت جاء فيها ما يلي بالحرف :” إن إسرائيل تصل بمجالها الجوي إلى أطراف الاتحاد السوفيتي شمالاً،والصين شرقاً، وأفريقيا الوسطى جنوباً،والمغرب العربي غرباً. فهذا المجال عبارة عن مجموعات قومية وإثنية ومذهبية متناحرة. ففي باكستان شعب ” البلوش “، وفي إيران يتنازع على السلطة كل من الشيعة والسنة والأكراد. في تركيا هناك الأكراد والمسألة الأرمنية، أما العراق فمشكلاته تندرج في الصراع بين السنة والشيعة والأكراد. في حين أن سورية تواجه مشكلة الصراع السني – العلوي، ولبنان مقسوم إلى عدد من الطوائف المتناحرة، والأردن مجال خصب لصراع من نوع فلسطيني – بدوي، كذلك في الإمارات العربية وسواحل المملكة العربية السعودية الشرقية حيث يكثر الشيعة من ذوي الأصول الإيرانية، وفي مصر جو من العداء بين المسلمين والأقباط، وفي السودان حالة مستمرة من الصراع بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي – الوثني، أما المغرب فالهوة ما بين العرب والبربر قابلة للاتساع.

يتبع…
في الحلقة القادمة مناقشة الخطة التنفيذية لإسرائيل في العالم العربي..

The post مسألة الأقليات في المشرق وقضايا التُّوحد والانقسام (الحلقة الرابعة) appeared first on بيس هورايزونس.

مشاركة الخبر: مسألة الأقليات في المشرق وقضايا التُّوحد والانقسام (الحلقة الرابعة) على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

الحروب الصليبية التحالف السني الشيعي والوعي بمخاطر التأجيج الطائفي 1 من 2

الحروب الصليبية التحالف السني الشيعي والوعي بمخاطر التأجيج الطائفي 1 م...

منذُ 26 دقائق

الشيعة لم يجنوا من وراء مقاومة الصليبيين سوى انحسار مذهبهم واضمحلال دولتهم وأن التحاقهم بالسنة بشكل متأخر لمواجهة...

تركيا والخليج تحديات مشروع طربق التنمية

تركيا والخليج تحديات مشروع طربق التنمية

منذُ 26 دقائق

يوفر مشروع طريق التنمية شبكة من المواصلات البرية وخط سكة حديد بطول 1200 كلم ويربط تركيا بالخليج العربي ومنه الى بحر العرب...

بحضور ألف رجل أعمال قمة تركية عربية اقتصادية بإسطنبول الشهر القادم

بحضور ألف رجل أعمال قمة تركية عربية اقتصادية بإسطنبول الشهر القادم

منذُ 26 دقائق

سيعقد في مدينة إسطنبول معرضين في مجالي الأغذية والزراعة٬ تزامنا مع القمة القمة الاقتصادية التركية...

في إشكالية الديمقراطية الكويتية

في إشكالية الديمقراطية الكويتية

منذُ 26 دقائق

إن تعطيل التجربة الديمقراطية في الكويت يشرع طرح السؤال الكبير القديم الجديد لماذا تتقدم دول كثيرة نحو الديمقراطية...

ما هي الشركة العقارية التي يمكن أن تكسر ظهر الصين
ما هي الشركة العقارية التي يمكن أن تكسر ظهر الصين
منذُ 26 دقائق

عندما توقفت أسعار الأراضي عن الارتفاع في سنة 2021 بدأت البنوك في التشكيك في القيمة الحقيقية للاحتياطيات المطالب بها...

رونالدو يسخر من مهاجم الهلال بعد تسجيله هدفا بديربي الرياض شاهد
رونالدو يسخر من مهاجم الهلال بعد تسجيله هدفا بديربي الرياض شاهد
منذُ 26 دقائق

رونالدو احتج على حكم اللقاء بسبب احتسابه ركلة جزاء ضد النصر لصالح الهلال ما دفعه إلى السخرية من مهاجم...

widgets إقراء أيضاً من هورايزونس

ماذا يحدث لجسمك أثناء الصيام
الاستخدام العشوائي لوسائل منع الحمل أضرار ومضاعفات خطيرة على النساء
ريال مدريد يتأهل رسميا إلى نهائي دوري الأبطال على حساب بايرن ميونخ
همسة يا شركة سبأفون