الضرر الإيطالي الذي يستحيل إصلاحه

الضرر الإيطالي الذي يستحيل إصلاحُه

تم نشره منذُ 3 شهر،بتاريخ: 20-01-2024 م الساعة 03:03:25 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-1974756.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

الغرب "أول حضارة مُلحدة في تاريخ البشرية"، على حد قول رئيس تشيكيا السابق فاتسلاف هافيل (السياسي/ المفكّر/ المبدع)، والعقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي هي حقبة التأزّم الليبرالي الكبير. وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قرعت "الأزمة المالية العالمية" جرس إنذار لمستقبل الرأسمالية (أو على الأقل مستقبل النيولبيرالية)، وأكد الصعود المتزامن للقوى الشعبوية على جانبي الأطلنطي أن الديمقراطية هي الأخرى تنحدر سريعاً على مسار زلق. ولم تكن هذه الوجوه المتعدّدة لأزمة الحضارة الغربية سوى قمة جبل الجليد التي كان تَزامُنُها (أو حتى تلاحُقُها) دليلًا على أن تحت مياه الأطلسي جبل جليد يوشك أن يصطدم بهذه الحضارة ذات العضلات (الاقتصادية، والعسكرية، والتكنولوجية) الأسطورية، والرأس الصغير.

وجبل الجليد الذي يرجّح أن يكتب نهاية هذه الحضارة هو "نمط الحياة الغربي" نفسه. وما حدث أن نمط الحياة الغربية تحوّل من انحياز للفردية، إلى "فردانية" متألهة. والفرد المنقطع عن أصله الإلهي وعن الإيمان بغايةٍ يتوجّه إليها مسار الوجود، ليصل إلى مصيره، انقطع، في الوقت نفسه، على "الأسرة الممتدّة" وكل أشكال الجماعية، وتنكَّر لرساليته ثم تنكَّر لإنسانيّته، وصولاً إلى صيحة الملحد الشهير ستيفن هوكينغ، العدمية الصادمة: "الإنسان وسخ كيميائي".

من قلب هذا الحجيم اللاديني ظهر إلى الوجود إنسان جسماني يرى نفسه "الإنسان الأخير" (على طريقة ستيفن هوكينغ لا على طريقة فرانسيس فوكوياما). وعندما تشرّبت شريحة واسعة من الجيل الحالي من الغربيين هذه الفكرة، لم يعد ثمّة مكانٌ لشيءٍ يتجاوز المتعة الفردية وتحقيق الذات الفردي، حتى ظهر في بلدٍ، مثل فيتنام، كان حتى وقتٍ قريبٍ جماعياً بامتياز، جيل يرى، ذكوراً وإناثاً، أن الحصول على وظيفة جيدة أهم من الزواج والعائلة، وهو صدى لانتشار نمط الحياة الفردانية الغربي.

نمط الحياة الغربية تحوّل من انحياز للفردية، إلى "فردانية" متألهة

وبالإضافة إلى ما قرّره فاتسلاف هافيل، استعاد بعضهم ما تنبّأ به عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي إيمانيل تود في كتابه "السقوط الأخير" (1976)، وفيه اعتبر البروتستانتية الأميركية سبباً في وصول العالم إلى مرحلة يطلق عليها تود اسم "الصفر الديني"، حيث العدمية تجتاح الحياة الغربية.

وفي إيطاليا، تسبّبت هذه الحقبة من التاريخ الغربي في دخول عددٍ من مجتمعاته نفق "شحوب ديمغرافي"، انتقل من تهديد التوازن السكاني، متمثّلاً في قلة الإنجاب، وفي الوقت نفسه، زيادة نسبة المسنّين في المجتمع. ومنذ أشهر، يكرّر الملياردير الأميركي إيلون ماسك إطلاق صيحات تحذير من أن إيطاليا في طريق الاختفاء بسبب "الشحوب الديمغرافي". وأخيراً، أطلقت "لوفيغارو" الفرنسية إنذارها المعنون: "إيطاليا تواجه شبح الانهيار الديمغرافي".

والأرقام التي أوردتها الصحيفة الفرنسية تبعث على القلق في قارّة مسنّة من الواضح أن إيطاليا أصبحت في طليعتها، فبيمنا شهدت مليون ولادة في عام 1964، لم تسجل سوى 393 ألف ولادة في 2022، مقابل نحو 700 ألف حالة وفاة. وهذه المخاوف الناجمة دفعت رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني إلى أن تجعل القضية الديمغرافية موضوعاً مركزياً، وتضع الأسرة في قلب عملها. يربط علماء الديمغرافيا الإيطاليون الظاهرة باتجاهٍ "بدأ في أوائل السبعينيات، عندما بدأت الإيطاليات في تأجيل إنجاب طفلهن الأول لإعطاء الأولوية لاندماجهن المهني"، فانخفض معدل الخصوبة إلى أدنى مما يكفي ليحقق المجتمع حالة الثبات السكاني. وفي المحصلة، يُتَوقَّع تقلص عدد سكان إيطاليا من 59 مليون نسمة إلى أقل من 46 مليوناً عام 2080.

صنعت الفردانية الجامحة إنساناً لا يكاد يعبأ إلا بـ"الإشباع الفوري"، وبالتالي، لا يريد تحمّل أعباء إنجاب أطفال وتربيتهم

وتثير الظاهرة تساؤلاتٍ بشأن ما يُطلَق عليه اسم "الضرر الذي لا يمكن إصلاحه"، ويتعلّق بنتائج استخدام حقّ الاختيار الفردي على نحوٍ يهدّد استمرار بعض المجتمعات، وقد صنعت الفردانية الجامحة إنساناً لا يكاد يعبأ إلا بـ"الإشباع الفوري"، وبالتالي، لا يريد تحمّل أعباء إنجاب أطفال وتربيتهم. وحتى في التحربة الصينية، عندما فرض الحزب الشيوعي الصيني قسراً "سياسة الطفل الواحد" عدة عقود حدث تَغيُّر ثقافي عميق لم يفلح تغيير القانون في حلّ مشكلته، وبقي الصينيون مُحجمين عن إنجاب مزيد من الأطفال.

واليوم تقف في طابور "الشحوب الديمغرافي" قائمة دولٍ تضم، إلى جانب معظم دول أوروبا، اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام .... وغيرها. والضرر يمكن إصلاحه فقط عندما تتغيّر القيم وتتغير معها النظرة إلى الذات والعالم. والدين في قلب ما تتأسّس عليه هذه القيم وهذه النظرة الشاملة.

مشاركة الخبر: الضرر الإيطالي الذي يستحيل إصلاحُه على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

مراحل تصميم تمثال العامرى فاروق للفنان عصام درويش صور

مراحل تصميم تمثال العامرى فاروق للفنان عصام درويش صور

منذُ 39 دقائق

كشف الفنان الدكتور عصام درويش مراحل تصميم تمثال العامرى فاروق الذى ازيح الستار عنه خلال الأيام الماضية في النادى الأهلى ...

التوعية بالمستقبل ومسابقات وتحديات فى مهرجان الشارقة القرائى للطفل

التوعية بالمستقبل ومسابقات وتحديات فى مهرجان الشارقة القرائى للطفل

منذُ 39 دقائق

ضمن العديد من الورش والفعاليات التي تحفل بها الدورة ال 15 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل الذي انطلق تحت شعار كن بطل قصتك...

وزارة الثقافة الفلسطينية تنفذ مشروع المرسم المفتوح في غزة

وزارة الثقافة الفلسطينية تنفذ مشروع المرسم المفتوح في غزة

منذُ 39 دقائق

نفذت وزارة الثقافة بدعم الصندوق الثقافي مشروع المرسم المفتوح للفنان رائد عيسى ضمن منح الدورة التاسعة للصندوق...

طبيب يحذر من أنواع دايت سريعة قد تدمر صحتك

طبيب يحذر من أنواع دايت سريعة قد تدمر صحتك

منذُ 39 دقائق

قال الدكتور كريم جمال أخصائى التغذية العلاجية بجامعة عين شمس أن أنظمة الدايت القاسية أو السريعة لإنقاص الوزن تحرم الجسم ...

هل يمكن لمرض الكبد الدهني أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب
هل يمكن لمرض الكبد الدهني أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب
منذُ 39 دقائق

مرض الكبد الدهني هو حالة شائعة تؤثر على عدد كبير من السكان حول العالم ويعد أحد الأسباب الرئيسية لأمراض الكبد في جميع...

أسعار الخضار والفاكهة اليوم الأحد
أسعار الخضار والفاكهة اليوم الأحد
منذُ 39 دقائق

نقدم لكم خلال السطور التالية أسعار الخضار والفاكهة في أسواق الجملة اليوم الأحد تراوح سعر كيلو الطماطم اليوم بين 35 إلى 55...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

الدراج البريطاني كريس هوي يصدم جماهيره بسبب المرض
بطولة آسيا لليد قطر تهزم الإمارات في الدور الرئيسي والعراق يتعادل
ماذا تحتاج فلسطين للتأهل إلى الدور الثالث من تصفيات المونديال
تآكل الحقوق الرقمية في الوطن العربي