إدوارد مونك يوم كامل في متحف صاحب الصرخة

إدوارد مونك.. يوم كامل في متحف صاحب "الصرخة"

تم نشره منذُ 3 شهر،بتاريخ: 20-01-2024 م الساعة 11:49:59 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-1974934.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

قضيت يوما كاملا من أسبوعي في العاصمة النرويجية أوسلو في متحف إدوارد مونك الجديد. حيث توجهت مباشرة للطابق الأخير من المتحف للوقوف طويلا والتحديق بلوحة الصرخة الشهيرة وفي ذهني غلاف كتاب الأديبة الراحلة رضوى عاشور 1946- 2014 في الجزء الثاني والأخير من سيرتها الذاتية (أثقل من رضوى) حيث اختارت لوحة (الصرخة) غلافا وعنونت هذا الجزء بـ(الصرخة) لتروي الكاتبة الراحلة فيه تجربة مرضها وخضوعها لعدة عمليات الجراحية ورحلة علاجها من السرطان الذي أودى بحياتها.

يعتبر متحف مونك الجديد في أوسلو الذي افتتح عام 2021 أكبر متحف مخصص لفنان واحد في العالم ويطلق عليه المتحف الشاقولي نظرا لعدد طوابقه الـ13 المطلة على الواجهة البحرية الجديدة لمدينة أوسلو. يضم المتحف حوالي 27 ألف عمل فني منها حوالي 1100 لوحة و 4500 رسم و18000 مطبوعة أوصى بها الفنان لبلدية أوسلو قبل وفاته ووضعت الأعمال في متحف مونك القديم الذي افتتح عام 1963. ومن المهم هنا أن نشير إلى أن جميع أعمال مونك توجد منها نسخ لأنه كان يحرص على رسم نسخة ثانية من كل لوحة يبيعها، ومن المهم الإشارة أيضا إلى أن السلطات النازية صادرت عندما احتل الألمان النرويج عام 1937 ثمانين لوحة من لوحاته ومنعوا أعماله من العرض وصنفوا فن مونك بأنه "فن منحط". 

الرائد إدوارد مونك 

لم ينل الفنان التشكيلي النرويجي إدوارد مونك 1863- 1944 شهرة واسعة كالتي نالها قبله فنانون أمثال رامبرانت وفان غوخ ولا كالتي نالها بيكاسو وسلفادور دالي من معاصريه أو ممن أتوا بعده، ولكن ذلك لا يلغي أهمية مونك الفنية ولا ريادته في التشكيل الحديث والمعاصر. قد يجهل كثيرون أعمال مونك البديعة، ولكنهم بالتأكيد اطلعوا على لوحة من لوحاته دون أن يعلموا أنها له وهي لوحة الصرخة التي غدت أيقونة تعبيرية تستخدم في وسائل التواصل الاجتماعي لتختصر الكثير من المشاعر والانفعالات. يعد إدوارد مونك أحد أهم فناني الحداثة التشكيلية الغربية ولا سيما في مجال الفن التعبيري رغم أنه أبدع أعمالا نحتية وعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي وصوّر بعض الأفلام القصيرة، وإليه يعود قصب السبق بإعادة إنتاج الأعمال الفنية باستخدام الطباعة الحديثة كما فعل ببعض لوحاته. ساهم بتقديم أعمال طباعية، منها برنامج لمسرحية مواطنه هنريك إبسن "بيرجنت" التي عرضت في باريس، وغلاف للمجموعة الشعرية للشاعر الفرنسي شارل بودلير "أزهار الشر".

القلق أولاً وأخيراً

عاش إدوارد مونك حياة قلقة منذ ولادته إذ أصاب أهله الخوف من ضعف صحته لدرجة أنهم قرروا تعميده في المنزل بدلا من الكنيسة وتوفيت أمه وهو في سن الخامسة، ثم أخته الكبيرة التي رعته بعد وفاة والدته، ثم أصيبت أخته الأخرى لورا بالجنون ووضعت في مصحة عقلية.

سيصور مونك لاحقا عبر لوحاته مشاعر الألم والحزن التي شعر بها حين وفاة أمه وأخته كما في لوحة (طفل مريض) التي رسمها عام 1886 وأعاد رسم نسخ منها ولوحة (وفاة الأم والطفل) التي أبدعها عام 1899. 

تلقى إدوارد مونك في طفولته تربية مسيحية صارمة وقد كتب فيما بعد في مذكّراته "كانت ملائكة الخوف والندم والموت تحفّ بي منذ أن ولدت ولم تكفّ عن مطاردتي طوال حياتي. كانت تقف إلى جانبي عندما أغلق عيني وتهدّدني بالموت والجحيم وباللعنة الأبدية".

تمرد مونك في أول شبابه فالتحق بمجموعة بوهيمية (مجموعة بوهيمية كريستيانا) وكريستيانا هي اسم أوسلو بذلك الوقت. كانت المجموعة تتبنى أفكارا مناهضة للبرجوازية وداعية للتحرر الجنسي وإلغاء الزواج وتتعاطى المخدرات والكحول.

أصيب بمرض نفسي بدأ على شكل وسواس واكتئاب وانتهى إلى الفصام ودخل المستشفى للعلاج، ولكنه رفض عدة مرات الاستمرار بتلقي العلاج وكتب معللا ذلك أن "المعاناة هي جزء من نفسي وأعمالي الفنية، وسيؤدي تدميرها إلى تدمير فني.. أنا لا أرسم ما أراه، بل ما أعيشه".

رسم إدوارد مونك نفسه كثيرا، ولكنه كان دائما ما يبدو شاحبا هزيلا مريضا يقترب من الموت دون بارقة أمل أو لون عافية، حتى أنه رسم نفسه ببطن مفتوحة مستلقيا على طاولة العمليات الجراحية، وكثيرا ما أطلق اسم الموت على لوحاته (رقصة الموت، صراع الموت، العذراء والموت، غرفة الموت، موت في غرفة المرض، كآبة، يأس، موت مارا، آلام الميتة والطفل، موكب الدفن، الفتى المريض). معظم أعمال مونك محبطة وتشعرك باليأس وتتركك حائرا ومنزعجا وربما في حالة عبثية باستثناء بعض اللوحات التي تصور الريف النرويجي، حيث القطاف والسيدات اللواتي يعتنين بالورد والتي تغلب عليها الألوان الزاهية على عكس معظم أعماله التي تتميز بألوان قاتمة وتكتفي ببعض الملامح الجسدية وتركز على قوة الانفعال عندها.

صرخة إدوارد مونك

في مرحلة مرضه وتحديدا عام 1893 حين كان عائدا من جلسة علاج نفسي وقف مونك على جسر بأطراف مدينة أوسلو ورأى وسمع ما أوحى إليه برسم لوحته الأشهر (الصرخة)، كتب مفسرا ذلك: "كنت أمشي في الطريق بصحبة صديقين. وكانت الشمس تميل نحو الغروب عندما غمرني شعور بالكآبة. وفجأة تحوّلت السماء إلى الأحمر بلون الدم. توقفت وأسندت ظهري إلى القضبان الحديدية من فرط إحساسي بالإنهاك والتعب. واصل الصديقان مشيهما ووقفت هناك أرتجف من شدّة الخوف الذي لا أدري سببه أو مصدره. وفجأة سمعت صوت صرخة عظيمة تردّد صداها طويلا في أرجاء المكان، صرخة الطبيعة هائلة وبلا نهاية".

عندما عرضت لوحة الصرخة لأول مرة في معرض كريستيانا السنوي أثارت الاستهجان ووُصف مونك بالمجنون، وقد كتب مونك لاحقا على إحدى النسخ الأربع التي رسمها من لوحة الصرخة عبارة: "لا يمكن رسمها سوى من قبل رجل مجنون".
كانت العبارة مكتوبة بخط مونك، وبالكاد تبدو مرئية في الزاوية العلوية اليسرى من اللوحة وبيعت هذه النسخة مقابل 120 مليون دولار لرجل الأعمال الأميركي ليون بلاك، في مزاد سوذبي، في نيويورك، عام 2012.
لم يكتف مونك بالتعبير عن قلقه عبر لوحة الصرخة، بل جسد أيضا قلق المجتمع ولا سيما أنه عايش الحربين العالميتين وشهد تحولات المجتمعات الأوروبية مع النهضة الصناعية، فرسم عدة لوحات تعبر عن هواجس المجتمع ومنها لوحته المسماة "قلق" التي تصور مجموعة من الوجوه الشاحبة المذعورة. وأيضا التقط نضال المجتمع ضد الاستغلال فأبدع عدة رسومات للعمال المتظاهرين. 

صرخة الجميع

كتبت رضوى عاشور: "تحمل النسخ الأربع، أو الثلاث الملونة ولوحة الليتوجراف المرسومة بالأسود والتي أفضّلها، تحمل جميعها اسم (الصرخة). يتصدرها شخص يصعب تحديد إن كان رجلا أو امرأة، يقف على جسر مشرف على خلجان المدينة. يسكن الهلع وجهه، فيغدو مسحوبا لأسفل من وطأة ما يرى أو يسمع. الفم مفتوح ويستطيل، لأنه يصرخ أو يسمع الصرخة. العينان مدورتان مفتوحتان على اتساعهما. اليدان تحيطان بجانبي الوجه، تحجبان الأذنين لحمايتهما من الصوت المفزع الذي لا نعرف إن كان مصدره المشهد أو المشاهد، يضغط عليه من خارجه أو من داخله. جسد بلا تفاصيل: مجرد كتلة أو بقعة سوداء أو ملونة مائلة لليمين قليلا، تحيل ربما إلى شكل علامة استفهام غليظة وغامضة. في أقصى اللوحة الصديقان اللذان اكملا سيرهما، نراهما مستقيمين وفي كامل ملابسهما، يرتدي كل منهما قبعة عالية. يمشيان مبتعدين عن صاحب الصرخة الذي ينظر إلى الجهة الأخرى، جهة المدينة. السماء لا تظهر شمسا على شروق أو غروب، بل خطوطا سوداء متماوجة متداخلة أو خطوطا خفيفة حمراء". وبصرف النظر عن اختلاف بعض تفاصيل لوحات الصرخة عن نسختها بالأبيض والأسود وبغض النظر عن التفاصيل التي تكلم بها مونك عن مكان صرخته أو عن تحديد بعض الباحثين في فنه عن قرب مكان الصرخة من مسلخ المدينة أو من مشفى الأمراض العقلية، فإن اللوحة تبقى بالنسبة للكاتبة وللكثيرين "تتجاوز هذا الظرف الشخصي لتجسد تجربة دالة لشخص مفرد ينتبه فجأة إلى رهبة الوجود ووحشته وتوحشه فيرتجف هلعا وهو يلتقط صرخته أو يرددها".

 

سرقة لوحات إدوارد مونك

سرقت لوحة الصرخة عام 1994 من متحف مونك القديم في أوسلو وترك اللص ملاحظة "ألف شكر على سوء الأمن"، وسرعان ما عثر على اللوحة وأدين بال إنجر بسرقتها مع شركاء له وكان سابقا قد سرق لوحة مونك (مصاص الدماء). 

تكررت السرقة عام 2004 حيث اقتحم أربعة لصوص متحف مونك وقاموا بسرقة النسخة الرابعة للوحة الصرخة وأعمال أخرى، من ضمنها لوحة مادونا 1894 من أعمال مونك وثلاث لوحات لرامبرانت. عثرت الشرطة النرويجية على اللوحات عام 2011 وقبضت على تسعة اشخاص أدينوا بالسرقة.

وكانت السرقة الثالثة من نصيب ثلاثة أعمال لمونك عام 2005 من فندق بجنوب النرويج، يضم حوالي 400 عمل لمونك، والأعمال هي "الثوب الأزرق" ورسم يمثل بورتريه شخصي لمونك بالإضافة لرسم للكاتب المسرحي أوغست سترندبيرغ.

عثر على اللوحات في حيازة عصابة شبان معروفة بارتكاب الجرائم "الصغيرة" في أوسلو.

الرجل الوسيم

في فترة استشفائه أقلع مونك عن المخدرات والكحول ورسم لوحات مبهجة على العكس من لوحاته الموحشة السابقة كلوحات "حرث الربيع" و"الشمس" و"رجل الاستحمام". كان لإدوارد مونك مظهر جذاب للغاية، ووصفه البعض بأنه الرجل الأكثر وسامة في النرويج. لكن علاقاته النسائية لم تكن ناجحة، بل كانت معقدة ومربكة، وقع في حب امرأة متزوجة ثم بأخرى تصارع معها فأصيب بطلق ناري في ذارعه، وكانت علاقاته الغرامية تتحطم بسبب الإدمان على الكحول والانهيارات العصبية التي يقع فيها.

وفي هذا الإطار، نجد له الكثير من اللوحات التي تصور عشيقاته، ومنها عدة لوحات تصور محبوبته بائعة الهوى مادونا والتي رأى بعض النقاد أنها جسّد فيها السيدة مريم. كما رسم سلسلة لوحاته المشهورة "دوامة الحياة" التي يصوّر فيها قصّة نموذجية لرجل وامرأة ينتقلان خلالها من الحبّ والعاطفة إلى الغيرة والحزن ثم أخيرا إلى القلق فالموت.

مشاركة الخبر: إدوارد مونك.. يوم كامل في متحف صاحب "الصرخة" على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

التموين تعلن ارتفاع توريد القمح المحلي لـ 18 مليون طن حتى الآن

التموين تعلن ارتفاع توريد القمح المحلي لـ 18 مليون طن حتى الآن

منذُ 17 دقائق

أكدت وزارة التموين والتجارة الداخلية أنه تم توريد نحو 18 مليون طن قمح محلي من المزارعين منذ بدء موسم الحصاد في 13 ابريل...

MEE السلطة الفلسطينية طلبت عدم الافراج عن البرغوثي من سجون الاحتلال

MEE السلطة الفلسطينية طلبت عدم الافراج عن البرغوثي من سجون الاحتلال

منذُ 18 دقائق

السلطة الفلسطينية تعارض إطلاق سراح القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي لأنه سيكون المنافس الأقوى للرئيس محمود...

مناورات الجيش الموريتاني على الحدود مع مالي هل هي رسالة ردع لباماكو

مناورات الجيش الموريتاني على الحدود مع مالي هل هي رسالة ردع لباماكو

منذُ 18 دقائق

أجرى الجيش الموريتاني مناورات على الحدود مع مالي في ظل حالة من التوتر في العلاقات بين البلدين...

أكسيوس لأول مرة منذ الحرب أمريكا تعلق شحنة ذخيرة متجهة لـإسرائيل

أكسيوس لأول مرة منذ الحرب أمريكا تعلق شحنة ذخيرة متجهة لـإسرائيل

منذُ 18 دقائق

كشفت موقع اكسيوس الأمريكي عن تعليق الإدارة الأمريكية شحنة ذخيرة متجهة إلى...

تأثير سياسيات السيسي على الاقتصاد المصري
تأثير سياسيات السيسي على الاقتصاد المصري
منذُ 18 دقائق

ناجي عبد الرحيم يكتب تحت ظل الحكم العسكري مخاطر جمة تهدد استقرار مصر ونموها...

الصين تطلق مهمة تاريخية لجلب عينات من الجانب المظلم للقمر
الصين تطلق مهمة تاريخية لجلب عينات من الجانب المظلم للقمر
منذُ 18 دقائق

أطلقت الصين الجمعة مركبة فضائية غير مأهولة لجلب عينات من الجانب المظلم للقمر لتصبح أول دولة تقوم بمثل هذه المحاولة...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

الهلال الأحمر الفلسطيني الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتقال 12 من طواقمنا منهم 7 اعتقلوا من داخل مستشفى الأمل قبل أكثر من أسبوع
رحيل بنسعيد آيت يدر مقاوم وزعيم سياسي نذر حياته للحرية في المغرب
أزمتان تضربان الدوري التونسي قبل الجولة الثانية من مرحلة التتويج
كتائب الأقصى استهدفنا بصواريخ قصيرة المدى تجمعات لقوات العدو في محور نتساريم صباح اليوم