سعادة عابرة لسينا محمد شاعرية سينمائية مرهفة

سعادة عابرة" لسينا محمد: شاعرية سينمائية مرهفة

تم نشره منذُ 3 شهر،بتاريخ: 29-01-2024 م الساعة 10:52:24 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-1985809.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

 

يرسم المخرج الكردي سينا محمد على سطح لوحته السينمائية، التي يُسمّيها "سعادة عابرة" (2023)، نافذة صغيرة، يطلّ منها على موطنه، بعين رسّام سينمائيّ يتأمّل، من الأفق الذي تُشَرعه، عيش أهله، ثم يذهب بخياله ليعيد تشكيله بصرياً. يرسم بيتاً ريفياً، يعيش فيه زوجان قرويان كرديان. بيت بسيط، تحيط به أزهار عباد الشمس، فيبدو في مشهده الخارجي كأنّه صورة منقولة من إحدى لوحات فان غوخ. الضوء يغمر المكان الذي يحيطه، وألوان الطبيعة الرائعة تتداخل فيما بينها، والأصفر والأخضر يغلبان عليها.

يضع سينا محمد، المُشارك في كتابة السيناريو مع تارا قادر، البيتَ والزوجين الستينيّين في أطراف قرية كردستانية عراقية، لا يجد، لشدّة بساطة مشهدها المتخيّل سينمائياً، ضرورة لإحضار مُمثِّلَين محترِفَين لتأدية دوريهما. يأتي ببروين رجبي لتأدية دور الزوجة، ويعطي لصلاح باري دور الزوج. يترك للمرأة التعبير عن البرود العاطفي الذي يلفّ حياتهما، والمشهد الافتتاحي، الذي يظهران فيه بلقطة مقرّبة، يكشف تشابكات وجودهما في مكانٍ، يأتي إليه الموت من كلّ صوب، من أرض الجوار، ومن الطائرات الحربية، التي يقطع دويّ أصواتها حديثهما أمام الكاميرا عن تفاصيل عيشهما في القرية. تترك أصوات الطائرات، التي تحوم فوق رأسيهما، حزناً ظاهراً على وجهيهما، لم يغادرهما إلاّ في لحظة عاطفية عابرة، يُقرّر سينا محمد وضعها في نهاية فيلمه، الفائز بجائزتي "نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي"، وأفضل ممثلة للهاوية بروين رجبي، في الدورة الـ6 (14 ـ 21 ديسمبر/كانون الأول 2023) لـ"مهرجان الجونة السينمائي".

لا تحتمل رقّة أسلوبه الشعري وضع الموت وآلام الشعب الكردي في مواجهة السعادة المرتجاة، حتّى لو كانت عابرة. هذا يفرض اشتغالاً على جعلها خلفية، أو رديفاً لحكايةٍ يُريد السينمائي بها تأمّل مشهد المرأة الكردية في سياقها المجتمعي العام، الفارض صرامة جبلية وحياءً ذكورياً، يُعطّلان عواطف وأحاسيس لا تستقيم الحياة السوية من دونها. يبدو هذا جلياً في مسار درامي يُراد به الوصول إلى تلك اللحظة العاطفية، المشحونة بتعابير السعادة، والرغبة في إبقائها حاضرة إلى الأبد. من دونها، تشعر الزوجة ـ بروين بأنّ الحياة لا معنى لها، ويغدو المكان ـ المُتحفّظ عن التعبير الصريح عن البوح بالرغبة في جسد الآخر ـ بارداً، يُبقي في نفوس الرجال المقيمين فيه خجلاً وحياءً مؤذيَين. يُمسي تماماً كالمكان الذي تعيش فيه. مكان، رغم كلّ الجمال الذي يحيط به من الخارج، كئيب، لا يعرف الفرح إليه طريقاً.

 

 

كدحهما اليومي، ومشقّة عيشهما البسيط، يمسيان فروضاً ثقيلة تُكرّس، بدلاً من عشرة طيبة وحلوة وعادية ومُملّة، تباعداً بين الأجساد والأرواح، فيعجز سقف المنزل حينها عن التقريب بينهما. وحين تحوم الطائرات الحربية فوق المنزل، يضحى السقف فراغاً لا يحمي، يتسرّب الخوف منه إلى النفوس والأجساد.

يبدو المنزل الكردي، في نصّ سينا محمد، مُهدَّداً من الخارج دائماً، والموت يدخل إليه من الجوار، لينغّص على الكردي عيشه البسيط، ويزيد من تكلّس مشاعره. لهذا، يبقي صانعه سؤال الأنثوية مُلازماً لحالة المرأة الكردية، وللمكان الذي تقيم فيه. مشاوير ذهاب الزوج لبيع الماشية التي ترعاها الزوجة، وعودته منها، ترسم لوحة عما يجري بعيداً عن عينيها. المشاهد الخارجية، المُصوَّرة من علوّ، تُشكّل على الشاشة لوحة بصرية رائعة (تصوير خيبر رفيق وسينا كرامانيزادة)، تصاحبها موسيقى تصويرية (كرزان محمود) تجمع والصورة بين مشاهدة آثار قصف الطائرات الحربية للبيوت والمحلات الواقعة على الطريق الطويلة، التي يسير عليها بدراجته النارية يومياً، وما يلازمه بسببها من قلق، يُملي عليه صمتاً ثقيلاً.

مشاهدة ما يخلّفه قصف الطائرات التركية، ونيران المدافع الإيرانية، التي تحرق القرى، تسكنه، وموت من يعرفهم فيها تُشغله عن زوجته ورغباتها العاطفية. إنصاته في البيت للمذياع، ولنشراته الإخبارية عن موت المسلّحين الأكراد قرب الحدود، يُعطّل تواصلاً لازماً بينه وبينها. حياؤه المتوارث يتوافق مع كياسة ذكورية، تعلّمها منذ الصغر، تمنع عليه المجاهرة بمشاعره، ولا تسمح له بالظهور على غير ما يظهر عليه، كردياً صارماً عبوساً. لم يخطر في باله أنّ صلابته العاطفية ربما تصيب الزوجة المطيعة بمرض غامض، يُبطئ حركة جسدها، ويوجع روحها. يوم يشتدّ عليها الوجع، يأخذها على دراّجته النارية إلى عيادة طبية قريبة. في الطريق الصخرية، وبسبب وعورتها، وخوفاً عليها من السقوط، يطلب منها الإمساك بظهره، وحضن جسده بقوة.

لمسة جسدية قصيرة، وعبارة حانية مُتقشّفة، تعيدان الحيوية إليهما، وتُصلحان عطباً عاطفياً أصاب الداخل فيها طويلاً، ولم تعد بعدها بحاجة إلى مراجعة طبيب. تطلب منه العودة، وتمسح أثناء ذلك دموعاً انحدرت على خدها. اللقطة المقرّبة تُظهر وجهها، مع ارتسام ابتسامة خجولة عليه. ابتسامة تكفي للتعبير عن تصالحها مع الزمن، وإنهاء مسار فيلمٍ رائع، كُتب بشاعرية سينمائية قريبة من شاعرية السينما الإيرانية، لكنه لم يتخلَ فيها لا عن أصالته ولا عن كرديته.

مشاركة الخبر: سعادة عابرة" لسينا محمد: شاعرية سينمائية مرهفة على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

وزيرة التضامن الاجتماعي تزور الكنيسة الإنجيلية وتهنئ الطائفة الإنجيلية بعيد القيامة

وزيرة التضامن الاجتماعي تزور الكنيسة الإنجيلية وتهنئ الطائفة الإنجيلية...

منذُ 30 دقائق

حرصت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي على زيارة الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة وذلك من أجل تقديم التهنئة للطائفة...

عودة 17 صيادا يمنيا من سجون إريتريا

عودة 17 صيادا يمنيا من سجون إريتريا

منذُ 31 دقائق

عاد إلى شواطئ الخوخة بمحافظة الحديدة 17 صيادا من أبناء المخا بعد أسابيع من احتجازهم في السجون...

شهداء وجرحى في قصف متواصل على غزة

شهداء وجرحى في قصف متواصل على غزة

منذُ 31 دقائق

استشهد عدد من الفلسطينيين وأصيب عدد آخر مساء اليوم في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على حي الزيتون شرق مدينة غزة ومخيم...

ترامب يعترف بصحة تسجيل صوتي مع محاميه السابق ويطلب عرضه كاملا

ترامب يعترف بصحة تسجيل صوتي مع محاميه السابق ويطلب عرضه كاملا

منذُ 31 دقائق

التسجيل أظهر النقاش بين الرئيس الأميركي السابق ومحاميه حينها مايكل كوهين حول دفع 150 ألف دولار لكارين...

اعتصام مناصر لفلسطين يدخل يومه الـ11 في إسطنبول ودعوات لمظاهرة حاشدة
اعتصام مناصر لفلسطين يدخل يومه الـ11 في إسطنبول ودعوات لمظاهرة حاشدة
منذُ 31 دقائق

دعت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية إلى مظاهرة عارمة الأحد في مدينة إسطنبول تحت شعار لا تنسوا غزة من أجل المطالبة بكسر...

6 إخفاقات للاحتلال خلال عدوانه على قطاع غزة مطالبات إسرائيلية بتجنبها
6 إخفاقات للاحتلال خلال عدوانه على قطاع غزة مطالبات إسرائيلية بتجنبها
منذُ 31 دقائق

يعلم الاحتلال الإسرائيلي أن استمرار هذه الحرب سيؤدي إلى انهيار الدولة عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحتى لو...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

أعضاء بالشيوخ الأميركي يشككون في جدوى استراتيجية بايدن مع الحوثيين
ديكلان رايس يكشف سبب رفضه اللعب في السيتي
ريال مدريد يتوج بطلا للدوري الإسباني بعد هزيمة برشلونة في جيرونا
رئيس الوزراء القطري يناقش الحرب على غزة مع وزير الجيوش الفرنسي