تسريد التجربة الشعرية في القصيدة الجديدة مقاربة نقدية في ديوان عبد المجيد التركي كبرت كثيرا يا أبي

تسريدُ التجربةِ الشعرية في “القصيدة الجديدة”: مقاربة نقدية في ديوان عبد المجيد التركي “كبرتُ كثيرًا يا أبي”

تم نشره منذُ 2 شهر،بتاريخ: 12-02-2024 م الساعة 01:45:45 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2004270.html في : اخبار محلية    بواسطة المصدر : هورايزونس
كتب: د. عبده منصور المحمودي
شاعر وناقد يمني_ أكاديمي في جامعة عدن.

  في ديوانه “كبرت كثيرًا يا أبي” ــ الصادر عن دار الخليج للطباعة والنشر، في الأردن، 2023، (162صفحة) ــ يجترح الشاعر عبد المجيد التركي في رابع إصداراته الشعرية() نسقًا تجديديًّا لافتًا، اتّخَذَتْ فيه تجربته الشعرية مسارًا مغايرًا، لما وصلت إليه الإنجازاتُ النقدية والشعرية الحديثة في “قصيدة النثر”، وما بعدها من فضاءات “القصيدة الجديدة”، و”النص المفتوح”.


 قامت التجربة الشعرية في هذا الديوان ــ بشكلٍ رئيسٍ ــ على التوظيف الماكن لآلياتٍ سرديةٍ، لم ينلْ حضورُها من خاصيّة الشعرية، التي احتفظت بانتماء العمل إليها، من خلال الاشتغال على تسريد مضامينه، وتخصيبها بلغةٍ شعرية فاعلة في تماهي سياقاتها المختلفة. ومن ثم تضمين العمل رؤيةً شعرية، أضاءت الجنس الذي تنتمي إليه تجربته الإبداعية.

أولًا ــ تسريد التجربة الشعرية:
سردية الشخصية الشعرية:

أهمّ بُنيةٍ سرديةٍ، تماهت في شعرية هذا العمل، هي (بُنية الشخصية)، التي كانت فاعلة في صياغة العنونة ونسج السياقات الشعرية؛ إذ انتظمت في ثلاثة أبعاد: الأول متمثّلٌ في الشخصية الرئيسة (الذات الشاعرة)، والثاني في شخصية (الأب) الشخصية المحورية المُنْجِزَة للصيغة السردية. والثالث، في عددٍ من الشخصيات الثانوية.
  تستهل التجربة الشعرية مسارها، بالتعاطي مع حال (التقدم في العمر)، التي تعيشها الذات الشاعرة، من خلال رمزيةِ الحاجة إلى (ارتداء نظارة طبية):


“غدًا سأرتدي نظارة طبية،
سأرى الأشياء بوضوحِ رجل ثمانيني
وسأبدو أكثر نضوجًا وحكمة”، (ص2).


   وانطلاقًا من هذا الاستهلالِ، تمضي الذات الشاعرة، في صياغةِ أنساقِ العمل، بمضامينَ شعريةٍ أكثر ارتباطًا بها، مع مَنْحِ شخصيةِ (الأب) حضورًا فاعلًا في ضبط سياقات الحكاية، حيث ظهرت هذه الشخصية بصورةٍ نسيجيةٍ متعددةٍ، وممتدةٍ حتى الصفحات الأخيرة من العمل. وقد كانت أول إطلالةٍ لها متجلِّيَةً في تيمة (الذكرى)، مع اتّساقٍ موضوعيٍّ بين هذه الإطلالة وبين المقطع الافتتاحي، تجسّد من خلاله تجانُسٌ بين الشخصيتين (الأب/ والابن)، في حاجةِ كلٍّ منهما إلى استخدام النظارة الطبية، لمواجهة أثر الشيخوخة في عملية الإبصار:


“تذكرتُ نظارة أبي
كنت أرتديها لأرى نفسي كبيرًا،
وأرى مسامات يدي مثل مقبرة بعيدة،
وهو يحذرني أنها ستسحب نظري”، (ص5).


  ثم تتجلى شخصية الأب ثانيةً، بصورةٍ متجانسةٍ مع إطلالتها الأولى في التيمة ذاتها (الذكرى)، التي كانت أكثر حيويَّةً، في بثِّ اتصالٍ روحيٍّ بين الشخصيتين (الأب) و(الذات الشاعرة) المتمثّلة في (الابن)، الذي كان على كرسي الحلاقة متذكّرًا أباه بعد زمن من رحيله:


“أتذكر أبي وهو على نفس الكرسي ..
“أباه …”
لم أعد أقولها منذ عشرين عامًا،
لكنني أسمعها من أولادي كل يوم”، (ص30).


   وعلى تجانس هاتين المساحتين الشعريتين ــ في تيمة (الذكرى) العائدة إلى مهادٍ واحدٍ هو (طفولة الشاعر) ــ إلّا أن الثانية منهما، تمايزت عن الأولى، في إحالتها على حتمية الاتصال البيولوجي بين الأجيال: (جد/ أب/ ابن). كذلك، في اكتنازها عاطفةً مكلومةً بصفة (اليُتْم) التي التصقت بالابن، منذ مغادرة أبيه قبل عشرين سنة، وهي مسافةٌ زمنية شاسعة بينهما، تفتّقتْ شعريّتُها في سياقٍ آخر:


“منذ عشرين عامًا لم أركض ..
لم يعد يخيفني المشي في شوارع مظلمة،
ولم أعد أهرب من خيزرانة أبي ..”، (ص81).


  ومن حال الثقة بالنفس ــ هذه ــ تتخلّق إطلالةُ شخصية (الأب)، في شكوى الذات الشاعرة، من تداعيات الليل ومشاهد الموت والدمار:


“الليل بغيضٌ يا أبي ..
يعرض عليَّ صور الموتى والمفقودين،
يذكرني بكل حوادث الطائرات
التي شاهدتها في نشرات الأخبار”، (ص31).


  وفي نسيجٍ من الشعريةِ المنسابة، تتنامى صيغة النداء (يا أبي)، في هذا التجلي الشعري، الذي تضمّن إحالةً على عتبةِ العمل الأولى (العنونة):


“كبرتُ كثيرًا ..
شَعري يبيّضُّ كل يوم
دون أن أصل إلى معنى الوقار ..”، (ص9).


  فهنا توصيفٌ للحال التي وصلت إليها الذات الشاعرة (التقدم في العمر)، بصيغتها الشكلية لا بماهيتها الجوهرية؛ إذ لم تغادرها روح الطفولة (دون أن أصل إلى معنى الوقار).


 والملاحَظُ أن جُملة العنونة (كبرتُ كثيرًا يا أبي) ــ التي تُمثّل بُنيةً رئيسةً في هذه المساحة الشعرية ــ قد وردت مختَزَلَةً في كلمتين (كبرت/ كثيرًا)، مع استثمارِ علامةِ الترقيم (..) الدالة على الحذف، في الإحالة على المحذوف من جملة العنونة (يا / أبي)؛ ذلك أن هذه البُنية الدلالية ــ لجملة العنونة ــ لم ترد سوى في موضعين: الأول عتبة العنونة ذاتها، والثاني هنا في هذه الصيغة الاختزالية.


  ولم تكن هذه المساحة الشعرية ــ التي امتدت إليها البُنية الدلالية لجملة العنونة ــ هي المحطة الأخيرة التي ظهرت فيها شخصية (الأب)؛ إذ كان لها حضورها الحيوي في سياقاتٍ، اتّحدَتْ في سرديتها المنبثقة من تيمة (الذكرى)، واختلفت في مواقفها المتنوعة: كأن تكون إطلالتها في موقفٍ يحاول فيه (الابن) ألّا يراه أحد لحظة خروجه من السينما، حتى لا يخبر أباه بالأمر، كون هذه الأماكن مريبةً في الثقافة الاجتماعية حينها (ص121). أو في موقفٍ يتذكر الولد فيه حال طفولته المتذمرة من أناسٍ يمسحون رأسه كيتيمٍ بينما هو ممسك بإصبع أبيه، بما في صياغة هذا الموقف من شعريةِ التضاد بين (اليُتم/ وحياة الأب) في لحظةٍ واحدة (ص133).


 ومثل ذلك، هو ظهور شخصية (الأب) في موقف يتذكر فيه الولد حرص أبيه على أن يواصل ابنه تَعَلُّمَ السباحة في بركة القرية، مانحًا إيّاه ساعته، لكنه فقدها في البركة ذاتها (ص139). كذلك، هو الموقف الذي يتذكر فيه (الابن) حديث أبيه، عن بناء منزلهم فوق آثارِ بئرٍ مدفونة (ص141).
  
سياق التحولات المُقْلِقَة:


    من أهم السياقات، التي قامت عليها التجربة الشعرية في هذا العمل، سياق التحولات المقلقة، المتعلق بما تعانيه الذات الشاعرة من التحولات البيولوجية؛ بدءًا من الحاجة إلى نظارة طبية، ثم معايشتها لتبعات هذه التحوّلات، التي لامسها السياق الشعري في خطوات الولوج إلى سن الأربعين:


“الأربعون بداية التعامل مع الفكس وقهوة الزعتر”، (ص33).


إذ يقترن هذا التعامل مع الأدوية، بحتمية هذه التحولات، التي تنطوي على مخاوف من خصائص المرحلة وأحوالها وتفاصيلها:


“أخاف من حرارة الفكس
ولصقات الظهر ..
من الشعر الأبيض
المتساقط من مقص الحلاق”، (ص30).


  لكن هذه المخاوف تستكين، حينما تؤول المعايشةُ الإجبارية لهذه المرحلة، إلى التصالح مع أمراض النصف الثاني من العمر:


“بدأت باستهلاك النصف الآخر من عمري،
أنتظر السّكر والضغط كل يوم”، (ص9).


وكذلك التصالح مع أعراض تفاصيل هذا التحول، ومعطياته، وخصائص محسوساته التي تستجد في الروتين اليومي:


“ها أنت ترش العطر لتغطي على رائحة الفكس
التي تملأ رئتيك وقمصان نومك ..
ظهرك مليء بالثقوب
التي تخلفها لواصق “جونسون” الأمريكية”، (ص34).


   وعلى هذا التصالح الذي لا سبيل غيره، إلّا أن المخاوف تعاود الظهور في هيئةٍ جديدة، تتشكل من الشعور بالاقتراب من النهاية الحتمية (الموت)، فيبلغ الخوف والفزع مبلغًا موغلًا في وجدان الذات الإنسانية/ الشاعرة:


“الموت فلسفة غامضة
وذهول مكشوف ..
تتجمد أصابعك وأنت تتخيل الموت،
فتدعك جبينك
كأنك تمسح هذه الأفكار من رأسك ..
ستموت بهدوء
كما ينطفئ القنديل نهارًا
دون أن يشعر بانطفائك أحد
لأنك لست ترسًا في عجلة الحياة”، (ص52).


    لقد كان سياق التحولات المقلقة فاعلًا، في تشكيل نسًقٍ محوريٍّ من أنساق السردية الشعرية، بانطلاقه من ذكرى الطفولة، ثم تعريجه على التحولات المتتالية في الكينونة البيولوجية، وصولًا إلى الاشتباك مع مخاوف النهاية وانطفاء الحياة.
  
الحرب وسياقاتها المأساوية:

من السياقات الجوهرية في السردية الشعرية التي تشكل بها هذا العمل، سياقات الحرب وتداعياتها المأساوية. وقد انطوت هذه السياقات، على شعرية التجانس بينها وبين (سياق التحولات المقلقة). وهو تجانسٌ قائمٌ على واحدية التحول في كليهما. إذ تُمثّل الحربُ دينامو التحولات الكارثية في حياة الشعوب، وهو ما كان لليمن نصيبٌ منه، فانعكس في مواضع متعددة من هذه التجربة الشعرية، من مثل اكتساب آلة الحرب (الدبابات) سمات إنسانية، في استعراضها المتباهي بحضورها التدميري:


“هذا الشارع
يعرف وجه الدبابات
التي كانت تركض أمام عدسة المصور
وتتباهى بطلقاتها
كأنها عارضة أزياء”، (ص46).


ومثل ذلك، ما يترتب على قصف الأحياء السكنية، من صورٍ ومشاهدَ مكتظة بالوحشية والرعب، كسردية هذا المشهد الشعري:


“تتحنّي الأمهات بدماء أبنائهن
ويُلوِّحن بأيديهن المفجوعة،
والأطفال يحاولون إنقاذ دفاترهم
وحصالاتهم
التي فتحتها الصواريخ
وأخذت كل الفكة التي بداخلها”، (ص91).


  ففي هذا التصوير الشعري يتجلى مشهدٌ تبحث فيه الأمهات عن أبنائهن بين الركام، ويتحول دمهم الذي يظفرن به إلى صبغة (حنّاء) على أناملهن، بمفارقةٍ مأساوية، اتحدت فيه الحالان المتناقضان: حال (الفرح/ لون الحناء)، وحال (الرعب/ لون الدم)، بعدما تماهت هاتان الحالتان في صورةٍ لونيّةٍ واحدةٍ (اللون الأحمر)، وفتكت ماهيةُ الموت (القتل) بماهية السعادة، وأحلّت لونها (الدم) محل لون الزينة (الحناء).
  وتتوالى مشاهد هذا السياق المأساوي، فنجد الشعرية فاعلةً في إعادة الروح إلى القتلى، فإذا بهم يتحركون في عيون الذات الشاعرة، ينهضون، ويمسحون الدم من وجوههم، ويُقبِّلون نساءهم وصور أبنائهم، ثم يرحلون، (ص55). حيث تزدحم الأرض بهم:

“الأرض التي أصبحت حقولًا من الجثث الطائفية”، (ص64)، كما تزدحم بهم وسائل السوشال ميديا: “الفيس بوك مليء بالقتلى والجوعى”، (ص62).


 وفي هذا السياق المأساوي، تأتي المعالجة الشعرية، لسرديات المعاناة في الحياة المعيشية، المثخنة بالفقر والندرة في أبسط مقوماتها:


“أفكر أن أذهب إلى المطبخ
لأغلق أسطوانة الغاز
رغم أنها فارغة ..
أعد الطماطم
وأسنان الثوم المتسوسة
….
أبحث عن قطعةِ خبز
عن خيارةٍ مختبئة
خلف أحد الصحون”، (ص114).


 وفي تداعيات الحرب ــ وارتباطًا بها ــ تأتي سردية التفاصيل المتداعية من انقطاع رواتب الموظفين؛ إذ كانت هذه التفاصيل سياقًا خصبًا في هذا العمل، فالرواتب هي الحياة لأصحابها، وانقطاعها انتزاعٌ لأسباب حياتهم:


“نحن الموتى الذين خرجوا من توابيتهم منذ انقطعت مرتباتهم”، (ص53).


كما أن الراتب هو هوية الموظف واسمه الجوهري:


“المرتب .. ” واحدٌ من أسمائك
وكامل كينونتك”، (ص64).


وإلى ذلك، فهو فاعل في إخلاص صاحبه لاهتماماته وهواياته:


“تتذكر أنك دون مرتب
فتنسى كل اهتماماتك”، (ص63).


وحينما يغيب سنواتٍ عنه، فإن ذلك كفيلٌ بإدخاله مساحاتٍ شعورية لا ينجو فيها من ماهيته الفضفاضة:


“أن تعيش دون مرتب لخمسة أعوام
ستعرف معنى الشعور بمطاطيتك”، (ص59).


   وفي السياق ذاته، تُعدُّ معرفةُ الآخرين ــ بهذا الغياب المتطاول ــ عيبًا يجب إخفاؤه قدر المستطاع:


سأخفي عنهم أنني كنت موظفًا
وأعيش بدون مرتب منذ خمس سنوات”، (ص67).


  وعلى ما في هذا التداعي المأساوي، إلّا أن الرؤية الشعرية، لم تفرط بالأمل الكامن في الكيان الإنساني، مهما تكالبت عليه النوائب:


لم تمت
رغم أنك دون مرتب،
ما زلت واقفًا ..
لا تدري إلى متى!”، (ص160).


  سيما وأن البقاء على قيد الحياة، لم يكن انتصارًا على انقطاع الراتب فحسب، وإنما انتصارًا على منظومة من المآسي، التي كانت النجاة منها حياةً جديدة لأصحابها:


“أكبر إنجازاتك أنك استطعت أن تبقى على قيد الحياة!
نجوت من الصواريخ
من الكوليرا،
من المجاعة،
من أنفلونزا الخنازير
من تعليق صورتك في مجلس البيت
ومن تعازي أصدقاء الفيس بوك”، (ص159).

سياق اليد المقطوعة:

احتفى هذا العمل، بحالٍ يفقد فيها الشخصُ إحدى يديه ــ على اختلاف مسببات هذا الفقدان ــ إذ تجلّت شعرية هذه الحال وهيئة صاحبها سياقًا في البُنية الثقافية لدى الذات الشاعرة، ومن ثم في تجربتها الشعرية، من مثل علاقة المشابهة بينها وبين الأحلام:


“الأحلام تلوح بيدها خجلًا،
كمن يلوح بيدٍ مقطوعة
نسي أن يغطيها بكمه الطويل”، (ص43).


   كذلك هو الأمر، فيما وصلت إليه بُنية الخطاب الشعري من خصائص، يتفرّد بها الشخص الذي يفقد إحدى يديه، تشملها الاعتزاز بالذات والتحرر من السياقات الرمادية، التي تنطوي على النفاق في:

التصفيق للحقراء، وانتخاب مَن لا تتوافر فيه مقومات الشعور بالمسؤولية، ومجاراة العادات الاجتماعية في الصباحات العيدية:


“يدٌ واحدةٌ تعني أنك لن تصفق للحقراء،
لن تلوث إبهامك بحبر الانتخابات،
لن تضطر لمصافحة المنافقين صباح العيد”، (ص39).


   لكن لا تطّرد هذه العلاقة ــ بماهيتها الإيجابية بين الذات الشاعرة، وبين جوهر هذه الحال (حال مَن فقد إحدى يديه) ــ إذ ينحسر هذا الاطراد، في زاويةٍ جزئيةٍ، متعلقةٍ باليد الباقية، حينما تتحول إلى كابوسٍ مرعب:


“أشعر بيدٍ تتجول في الغرفة،
يد فقط ..
لا أجرؤ على مصافحتها
لا أحب ملامسة الغرباء ..
ما زالت أصابعها تتحرك،
ترسم دائرة بالسبابة والإبهام كتهديد”، (ص40).


ويكشف الاحتفاء الشعري بهذه الحال، عن منشئها القديم، العائد إلى طفولة الذات الشاعرة:


“اليد المقطوعة
التي رأيتها في طفولتي معلقة في باب اليمن
كانت لأحد اللصوص
في اليوم التالي توقعت أن يعود هذا اللص لسرقة يده.
كانت تصفق، وتعد النقود، وتصافح، وتداعب”، (ص43).


   لقد تصدرت اليد المقطوعة المعلقة في مدينة صنعاء هذا المشهد، فتناسل رؤىً وتأملاتٍ شعرية. إذ انتقل المخيال الإبداعي من سردية المشهد إلى شعريته المُشِعَّة في تَوَقُّعِ عودةِ اللص لسرقة يده، وهي تصفق وتعد النقود بنشوةٍ وسعادة.
   ومن هذا المنشأ، نمت هذه الحال البشرية المنقوصة، في طفولة الشاعر، واحتلت مكانةً في تفكيره وتأملاته، حد إسقاطه لها على نفسه، في استشرافِه المستقبلي المتشائم:


“في طفولتي
كنت أتمرن على الكتابة بيدي اليسرى
من باب الاحتياط
في حال انقطعت يدي اليمنى ..
كنت خائفًا من فقدان الكتابة أكثر من فقدان يدي”، (ص120).


فقد كانت الكتابة هي الفاعل في إثارة هذه المخاوف لديه، فعَمِلَ على الاستعداد لما يمكن أن تؤول إليه حاله، وبما يُمكِّنه من تعويضِ خسارته لإحدى يديه، واليُمنى منهما على وجه التحديد، كونها أداة الكتابة، فتمرّن على الكتابة باليُسرى، في هذا السياق من الاستشراف التعويضي.
    ومن خلال حالِ فقدانِ الشخصِ لعضوٍ من جسده، يتّسق (سياق اليد المقطوعة) ــ هذا ــ  مع (سياق القدم المقطوعة)، في مثل التأمل الشعري لحال مَنْ يمشون بقدمٍ واحدة حاملين نصف أجسادهم (ص9). أو المزاوجة بين شعورين: شعور شخصٍ استيقظ فوجد على وجهه شامةً جديدة فتحسسها بخوف، وشعور مَن يتحسس قدمه التي انتزعتْها منه حادثةُ لغمٍ داس عليه فانفجر (ص36). ومثل ذلك، هي السردية الشعرية لتفاصيل حال إحدى الجارات، التي أُصيبت بمرضٍ، ترتبت عليه ضرورةُ قطع قدمها، ومن ثم تكفين هذه القدم بكيس بلاستيكي ودفنها (ص49،48).

سياق (تشكيل القلب):

ارتبط رسم القلب في الذهنية الاجتماعية المحيطة بالذات الشاعرة ــ وحتى البعيدة عنها في رحاب الحياة الإنسانية ــ بالإحالة على عاطفة الحب، أيًّا كانت حالُها: لقاءً أو فراقًا، سعادةً أو جروحًا وشقاء. وعلى ذلك، فلها جذورها في مرحلة الطفولة، سواءٌ أكانت بدايتها في هذه المرحلة عفويةً، أو متضمّنةً مَسْحةً من قصدية المحاكاة أو المعايشة.

وقد عملت التجربة الشعرية في هذا العمل، على بلورة هذا السياق، فاستهلّتْهُ بالإحالة على موقفٍ في طفولة الشاعر، حاول فيه رَسْمَ القلبِ بغبارٍ متكاثفٍ على زجاج السيارات:


“أمشي وأتلفت كطفل مندهش بكل ما حوله،
أرسم قلبًا على غبار السيارات المركونة منذ زمن”، (ص29).


ثم تتعاطى هذه التجربة مع هذا السياق، في مشهد تخيلي، تتولى فيه زوجة بائع الكباب عمليةَ امتدادِ هذا السياق، إلى مراحل متقدمة من حياة الشاعر:


“أتخيل المشائين في الظلم
والسارين إلى حبيباتهم ..
بائع الكباب يوقظ زوجته
لترسم بالخيار والطماطم قلبًا كبيرًا على وجه السَّلَطة ..
لم يرسم قلبًا طيلة حياته
ولم يكتب رسالة غرامية واحدة،
لذلك يعتمد عليها كثيرًا”، (ص116).


   وفي الفضاء التخيّلي ذاته، يتجسد هذا السياق، في قول الشاعر:


“النوافذ الصغيرة تُضاء الآن،
خلف هذه الجدران مَنْ يتحسسون مناشفهم
كي لا تفوتهم صلاة الفجر،
زجاج النوافذ الصغيرة يتغطى بالبخار الساخن ..
أتخيل امرأة تلوي شعرها المبلول
وترسم قلبًا على بخار الزجاج ..
ربما تصبح هذه المرأة ذات يوم رسّامة
وتستيقظ فجرًا
لترسم قلوبًا على سلطة الكباب”، (ص118).


  يتضمّن هذا المقطع صورةً كلية، لمشاهد بناء هذا السياق؛ إذ يتجانس مشهد رسم القلب على بخار الزجاج، مع مشهد الطفولة راسمةً القلبَ على زجاج غبار السيارات. ويُمَثِّلُ (الزجاج) أرضيةَ بناءِ السياق في كليهما، مع اختلافهما في مادة التشكيل: (الغبار في الطفولة/ البخار في الرشد). بما في هذا الاختلاف من إحالةٍ متجانسة على تلاشي نموذج التشكيل؛ فالغبار لا شك أن مصيره في سخط الرياح وحركة أرضية التشكيل، وكذلك بخار الزجاج لا مناص من ذوبانه مع ابتسام الشمس صباحًا.
    ويُلاحظ أن المقطعين ــ هذا وسابقه ــ قد قامت الصياغة الشعرية فيهما على نسقٍ تشكيلي واحد، مكوناته مستمدة من الطبيعة النباتية، التي لها خصوصيتها بصفتها مكونات خاصة بطبق (السَلَطة) تحديدًا، الذي له هو الآخر خصوصيته في اقترانه بوجبة (الكباب)، ذات القيمة الغذائية العالية.
   كما تجانس المقطعان في انتصارهما لعاطفة المحبة، التي أحالت عليها رمزية القلب فيهما، مع امتداد هذه الرمزية إلى مرحلة الطفولة، التي كان إنجاز هذه العاطفة (التشكيلي) مرتبطًا بشخصية الذّكَر (الشاعر في طفولته)، بينما كان هذا الإنجاز ذاته في مرحلة الرشد أكثر ارتباطًا بشخصية الأنثى (زوجة بائع الكباب/ والمرأة ذات الشعر المبلول). مع تعضيدٍ واقعي لهذا الارتباط، بانتماء عملية التشكيل الوجدانية ــ هذه ــ إلى اعتيادية المرأة على عملها المنزلي. وبذلك، تضافرت الإحالات غير المباشرة في انتصار الرؤية الشعرية، لدور المرأة الفاعل، في صياغة التجارب العاطفية، بعد تجاوز مرحلة الطفولة.

ثانيًا ــ شعرية اللغة والسياقات السردية:

حافظ الاشتغال الفني على مستوى عالٍ من اللغة الشعرية؛ التي كانت في هذا العمل نسقًا فنيًّا محوريًّا في نسيج مضامينه، من بدايته حتى نهايته. سواءٌ فيما أضفاه هذا النسق، من طاقةٍ شعرية وإيحائية، على السياقات التي تشكّل بها محور تسريد التجربة الشعرية: (التحولات المقلقة/ الحرب/ اليد المقطوعة/ تشكيل القلب). أو فيما لامَسَتْه ذائقةُ الذات الشاعرة، من إشاراتٍ إلى التباين بين استيعابها لبعضٍ من الألفاظ ذات التداول السائد في الكتابة الأدبية، وبين ما تميل إليه هي، من مرادفاتٍ لهذه الألفاظ أو صيغٍ محددة من صيغها اللغوية.
   وقد قام هذا التباين ــ في ذائقة الذات الشاعرة ــ على موازنةٍ ضمنيةٍ، محكومةٍ بما تثيره من شعورين متناقضين: (المحبة/ الكراهية).
   ومن عاطفة (المحبة) التي قامت عليها هذه الموازنة، حب الذائقة الشعرية لتذكير كلمة (الرأس)، عوضًا عن تأنيثها في السائد من المعيار الصرفي. مع تعليل ذلك باستثمارٍ ساخرٍ للتجانس الصوتي، بين كلمتين ذات دلالتين مختلفتين (تذكير/ ذكرى):


“أحتاج مخدتي
لأضع عليها رأسًا مليئًا بالخوف،
أدري أن الرأس مؤنثة،
لكني أحبُّ تذكيرها،
فالذكرى تنفع المؤمنين”، (ص22).


   وعاطفة الحب ذاتها، هي التي قام عليها تفضيلُ استخدام اللفظ (حَنَفِي)؛ عوضًا عن (صنبور):


“عيناك مفتوحتان كحنفي ممحوق،
لا أحب أن أسميه “صنبور”،
هذا الاسم يصيبني بحكةٍ جلدية
ويذكرني بالمدرس المصري
الذي كان يودُّ إدخال طربوشه الأزهري
في رأسي المليء بـ …”، (ص74).


   فهو هنا يميل إلى استخدام اللفظ (حنفي)، بصيغته المذكرة التي حوّرتها إليها المحكية، عن صيغته الفصحى المؤنثة (حنفيّة).
    وفي موضعٍ آخر، يظهر (الصنبور) مُسْتَخْدَمًا بمفرده، من غير موازنةٍ بينه وبين (الحنفي):


“أتقمص الأشياء، وأقوم بدور صنبورٍ صدئ
يقطر باستمرار ليلفت إليه الأنظار”، (ص119).


  ويمكن أن يعود مثل هذا الغياب ــ الذي اتسم به لفظٌ تستسيغه ذائقة الذات الشاعرة، ومن ثم استخدام غيره الذي لم ينل نصيبًا من احتفائها به ــ إلى مستوى من الإحساس الشعري، الذي يصل إلى أعمق أغواره، في استشعار التمايز بين اللفظين في سياقٍ ما، واستحواذ أفقٍ شعري غير لفظي على هذا الإحساس الشعري في سياقٍ آخر.
  ومن تجليات الموازنة بين لفظين؛ بناءً على أثرها في العاطفة الشعرية (المحبة)، تأتي النماذج التي وردت فيها هذه العاطفة، بصورتها المُتَشَكِّلة من فعل (الحُبّ) وأداة النفي: (لا/ أحب)، كما في نفي حب استخدام اللفظ (يشخب):


“أتذكر قصص خيانة الحلاقين للملوك والرؤساء،
وأرى الدم يشخب من وريدي، فتحمرُّ المرايا ..
ما شأني بهذه القصص؟
لا أحب كلمة “يشخب””، (ص24).


  أو عدم الشعور بحب استخدام اللفظ (فاحش):


“أحسُّ بثراءٍ فاحش كفأرٍ حصل على طنٍّ من الجبنة ..
لا أحب كلمة فاحش، لأن وزنها لا يعجبني”، (ص85).


ومثله اللفظ (شزرًا من جملة ينظر شزرًا)، الذي لم تشمله هذه العاطفة:


“وستدخر بعض اللعاب
لتبصقه في وجه عابرٍ ينظر إليك شزرًا ..
لا تحب كلمة “شزرًا”
فهي تذكرك بصوت المنشار الكهربائي،
وبصوت الملعقة
وهي تحكُّ الصحن لاقتلاع بقايا الأرز المحترق”، (ص39).


  كما يأتي في هذا السياق، عدم تفضيل استخدام صيغة التثنية الصرفية للصفة (خضراء):


“علي القرماني ..
كانت عيناه خضراوين ..
لا أحب كلمة “خضراوين..”
كانت عيناه خضراء”، (ص87).


  كذلك هو الأمر، في نفي الأحوال المتعلقة بمستوياتٍ متفاوتة من عاطفة المحبة، كانتفاء مشاعر الغرام باللفظ (متأبط):


“أحتاج أن أعود إلى قريتي
لأقف أمام بركة الحسني
وأراقب عبد المجيد وهو خارج من البيت متأبطًا جزء عم،
لست مغرمًا بكلمة “متأبطًا”،
إنها شبيهة بكلمة “لا مندوحة””، (ص69).


أو نفي الميل إلى عمومية النسق القائم على هذه الاستخدامات، كالفذلكة اللغوية، ونسق قصائد الوعظ والإرشاد:


“لا أحب الفذلكة اللغوية وقصائد الوعظ،
وقصيدة “يا كاتب الخط إن الخط أربعةٌ..””، (ص86).


    وإذا كانت هذه النماذج قد تضمّنت عاطفة المحبة منفيّةً، فإن غياب هذه العاطفة وحلول نقيضها (الكراهية) محلها، هي ما قامت عليه إشارة الذائقة الشعرية، في استخدام اللفظ (أجزُّ)، الذي لم يتسق مع هذه الذائقة، على إدراكها ما يحمله من تناسبٍ، في استيعابه للدقة التعبيرية، عن الحال المُراد التعاطي معها شعريًّا:


“الشَّعر على الوجه ليس مناسبًا لذوي البشرة السمراء
لذلك .. أجزُّه باستمرار،
أكره كلمة “أجزُّه”
لكنها الكلمة المناسبة لكل هذا العشب”، (ص26).


     ويغلب على هذه الموازنة الضمنية في هذه النماذج ــ التي لامست بعض ألفاظها الذائقة الشعرية، فألقت عليها ما يتناسب معها من عاطفتها محبّةً أو كراهية ــ أن تأتي معزَّزةً بتعليلٍ، يتشكل من أثرها النفسي في العاطفة الشعرية. كما يغلب عليها أن تكون أكثر احتفاءً بعاطفة المحبة، التي جاءت منفيّةً أكثر منها مثبَتةً. بينما لم ترد عاطفة (الكراهية) سوى في نموذج واحدٍ.
   وتتضمّن محدودية ظهور عاطفة (الكراهية) إحالةً على نوع من الإيجابية الوجدانية في الذات الشاعرة، وهي تلامس حُبًّا للفظٍ ما، مقابل عدمية الحبّ للفظٍ آخر لا كراهيته، بما في هذا التعبير الشعري من دلالةٍ على أن نفي حبِّ الشيء، لا يعني كراهيته.

ثالثًا ــ الرؤية الشعرية والإضاءة التجنيسية:

يتضح في استثنائية التجربة الشعرية في هذا الديوان أنها مؤَسَّسةٌ على رؤيةٍ شعرية ذات غايةٍ تجديديةٍ، راهنت الذات الشاعرة على إنجازها، إذ يشير الشاعر إلى ذلك بالقول: “أراهن على الشعر المكتوب بحرفية تتجاوز التنظير، وتكسر الصنمية التي جعلت الشعر مُكررًا منذ أربعة عشر قرنًا. وهذا الرهان هو ما قمت به في كتابي الشعري الجديد “كبرتُ كثيرًا يا أبي”، الذي كسر تنظيرات الحداثة التي أوشكت أن تحول الشعر إلى صنمٍ أصم”().
  وقد انطوت هذه المراهنة، على التجنيس الضمني لأدب هذه التجربة، في سياق الإبداع الشعري. ثم عملت على إضاءة هذه الضمنية، بالإشارة المواربة، إلى تجاوز التجربة الشعرية لأنساق “قصيدة النثر”، في هذه الدفقة الشعرية:


“هذه ليست قصيدة نثر
لن أكتب الآن شيئًا من هذا القبيل”، (ص71).


   فقد شاكست الذات الشاعرة التنظيرات النقدية السائدة، بردِّها المسبّق (ليس قصيدة نثر) على ما يمكن أن يُثار من تساؤلٍ، حول الجنس الأدبي، الذي تنتمي إليه تجربة هذا الديوان. بما في هذا التساؤل، مِنْ تعاطٍ مع التأويل المتاح، لإمكانية تموضُعها في هذا الجنس الشعري (قصيدة النثر).
     ثم تأتي إضاءةٌ أخرى، مُعزِّزةً لإحالة الإضاءة السابقة، ومكتنزةً ضمنيةً استباقية أخرى، في الرد على ما يمكن أن يذهب إليه التأويل التنظيري، من مقاربةٍ في إسقاط أدب السرد الروائي على تجربة العمل؛ إذ تعاطى السياق الشعري مع مسيرة (البطانية)، بآليةٍ سردية مترعة بالشعرية:


“أحتاج كتابة روايةٍ تحكي سيرة البطانية
منذ أن كانت فكرةً في رأس القطن،
ومنذ أن قطفت زهرتها أيدي الجميلات
وتركنها مُلقاة في سلّةٍ إقطاعيةٍ لعدة أيام ..
عن نقعها في نهر من الكيماويات الحارة،
عن دورانها حول المغزل،
عن تلوينها بالدببة والفواكه
والحواشي التي كأنها ستوقف نموها
عن بقائها في حقيبة شفافة تشبه مصداقيتها،
عن سفرها معصوبةَ العينين
بداخل حاوية لا مساحة فيها لقنديل صغير،
عن بقائها معروضة في واجهة محل الأثاث
عن العريسين اللذين قررا أن يقتنياها
وتفاوضا كثيرًا بشأنها
كأنهما سيتبنيان طفلًا”، (ص147،146).


   لم تقف شعرية التعاطي مع مسيرة البطانية عند هذه التجليات، وإنما استطردت في المرور على تفاصيل متتابعة، منها: مصداقية البطانية في شهادتها على المواليد، وفي شهادتها على من يُفرغ فيها حاجته الوجدانية عوضًا عن الحبيبة، وما يمكن أن تؤول إليه الأحوال من اضطلاعها بالمصادقة على درامية الصراع الدموي حينما تُلف بها جثث القتلى، ودورها في الانتصار للحياة في إنقاذ ابن الجيران بها من نارٍ أوشكت على التهامه.
   ففي هذه الإضاءة تحييدٌ لما يمكن أن يذهب إليه التأويل التنظيري؛ اعتمادًا على سردية هذه التفاصيل، من إسقاطِ الجنسِ الأدبي لهذه الآليات الفنية على تجربة الديوان. ليس فقط فيما أشار إليه الشاعر من تعبيرٍ عن رغبته في (كتابة رواية)، وإنما فيما حرص عليه، من اقتضابٍ في تسريدِ هذه التفاصيل، وتخصيبها بسياقاتٍ إيحائيةٍ، كثيفةٍ في شعريتها التصويرية والرمزية.

  لقد تداعت التجربة الشعرية في هذا العمل، مع رغبةٍ في تقديم إنجازٍ مفارقٍ لأنساق الحداثة وآفاق التجريب الشعري. من خلال تكثيف الاشتغال على مغايرةٍ مشاكِسةٍ لعمومية الخطوط التنظيرية، وما وصلت إليه من تحديدِ الخصائصِ الفاعلةِ في تجسيد التمايُز بين الأجناس الأدبية، بل وبين أشكال الجنس الأدبي الواحد.
 وقد كانت آلية الوصول إلى هذه الغاية كامنةً في انفتاح التجربة الشعرية على آليات السرد الأدبي، وبما يحقق لها إحداثَ رجةٍ في أنساق الكتابة الشعرية من جهة، ومثلها في فضاء القراءة والتلقي الأدبي والنقدي من جهة أخرى.
مع الحرص على ألّا يفضي هذا الانفتاح إلى هيمنةٍ سرديةٍ، تنال من المرجعية الشعرية التي استندت إليها هذه التجربة، من خلال ما عملت على توظيفه من الخصائص والسمات الشعرية، وما تكتنزه من خصوبةٍ وتنوع وتكثيفٍ إيحائيٍّ ورمزي. وهو ما أضفى على تجربة العمل تفرّدًا ومغايرةً فيما أنْجَزَتْهُ من التماهي بين طاقتها الشعرية، وبين آلياتٍ سردية لا شك أن توظيفها كان فاعلًا، في تحديث التجربة الشعرية، بصورةٍ متجاوزةٍ ذروةَ التجديدِ في أنساقها المعاصرة.

The post تسريدُ التجربةِ الشعرية في “القصيدة الجديدة”: مقاربة نقدية في ديوان عبد المجيد التركي “كبرتُ كثيرًا يا أبي” appeared first on بيس هورايزونس.

مشاركة الخبر: تسريدُ التجربةِ الشعرية في “القصيدة الجديدة”: مقاربة نقدية في ديوان عبد المجيد التركي “كبرتُ كثيرًا يا أبي” على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

فيضانات بإندونيسيا تودي بحياة ما لا يقل عن 14 شخصا

فيضانات بإندونيسيا تودي بحياة ما لا يقل عن 14 شخصا

منذُ 46 دقائق

أعلنت الوكالة الوطنية للحد من آثار الكوارث في إندونيسيا اليوم السبت أن الفيضانات والانهيارات الأرضية الناجمة عن...

جامعة كاليفورنيا ريفرسايد الأمريكية تتوصل لاتفاق مع المحتجين

جامعة كاليفورنيا ريفرسايد الأمريكية تتوصل لاتفاق مع المحتجين

منذُ 46 دقائق

كشفت شبكة سي إن إن الأمريكية اليوم السبت أن جامعة كاليفورنيا ريفرسايد توصلت إلى اتفاق مع محتجين مناصرين لقطاع غزة...

طلاب جامعة كولومبيا يدعمون فلسطين بتاريخ مستوحى من الاحتجاجات المناهضة للفصل العنصري وحرب فيتنام

طلاب جامعة كولومبيا يدعمون فلسطين بتاريخ مستوحى من الاحتجاجات المناهضة...

منذُ 46 دقائق

اعتقلت السلطات الأمريكية أكثر من 2000 طالب في الكليات والجامعات الأمريكية منذ 18 أبريلنيسان المنصرم وأصبح طلاب جامعة...

الأردن الملكة رانيا تكشف عن نصيحة الملك الحسين لها عندما تحدثا عن السلام

الأردن الملكة رانيا تكشف عن نصيحة الملك الحسين لها عندما تحدثا عن السل...

منذُ 50 دقائق

قالت الملكة رانيا العبدالله قرينة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن الناس في العالم العربي وخارجه شعروا بصدمة...

الناشط الفلسطيني محمد النجار يكتب عن دلالات إعلان أنصار الله دخول المرحلة الرابعة من التصدي للعدوان الإسرائيلي على غزة
الناشط الفلسطيني محمد النجار يكتب عن دلالات إعلان أنصار الله دخول المر...
منذُ 55 دقائق

كشف ناشط فلسطيني عن أهمية إعلان القوات المسلحة اليمنية المرحلة الرابعة من التصعيد في ظل تهديدات العدو الإسرائيلي...

السعودية تكشف جنسية وافد عربي ابتز فتاة ودردشتهما مموهة
السعودية تكشف جنسية وافد عربي ابتز فتاة ودردشتهما مموهة
منذُ 58 دقائق

كشفت وزارة الداخلية السعودية الجمعة قضية قيام وافد عربي من ابتزاز فتاة وسط تفاعل واسع بين نشطاء على مواقع التواصل...

widgets إقراء أيضاً من هورايزونس

شبح خجول
انتشار محلات وبسطات الملابس المستعملة بشكل كبير خلال السنوات الاخيرة في العاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى
حياة في الصورة 4
قائد النجدة بتعز يبسط على أرضية مواطن بالضباب لإقامة محطة غاز