سر حكاية طرد الدكتور اليمني الراحل أبوبكر السقاف من مصر

كان الأستاذ الراحل أبوبكر السقاف يقول لنا: من أراد منكم معرفة حقيقة المجتمع اليمني وفهم أزمته السياسية المتجذرة فعليه إن يتمعن بقراءة كتاب الإنجليزي بول دريش (الدولة والقبائل في تاريخ اليمن الحديث)، شكرا للدكتور علي محمد زيد الذي تحمل عنا ترجمة هذا الكتاب البالغ التعقيد؛ كتاب وثائقي يسرد المشهد الانثوغرافي للمجتمع اليمني عبر التاريخ وطبيعة العلاقة الشديدة التداخل والاضطراب بين اللائمة والقبائل واذا كان الفضل يعود الإنكليزي بول دريش في جمع المادة الانثربولوجية لتاريخ اليمن المجزأ، فإن الإنجاز الأهم هو للفيلسوف المستنير أبوبكر السقاف الذي منحها المعنى في كتابه المهم (الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالية) كتبه ونشره باسم مستعار هو الدكتور محمد عبدالسلام عام 1988م في القاهرة وهناك حكاية عن ذلك الكتاب الصغير الجرم والعظيم الأهمية سوف يكشف عنها وعن ملابساتها لأول مرة ممن كان شاهد عيان على الكتاب ونشره وصاحبه واليكم الحكاية
كما سردها الدكتور عادل الرفاعي صاحب دار نشر (شركة الأمل للطباعة والنشر والتوزيع) في حفل تأبين الفيلسوف أبو بكر السقاف في مقر حزب التجمع الوطني المصري، ميدان بطلعت حرب ، وسط لبلد يوم السبت، الموافق 21يناير 20123م وطلبتها منه نصا مكتوبا فبعثها لي مشكورا واليكم النص الوثيقة البالغة الأهمية والدلالة بقلم صاحب شركة الأمل للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة.

سر الحكاية:

حدثني الأستاذ عادل الرفاعي وهو صاحب دار نشر مشهور في القاهرة عن موقف السفارة اليمنية المؤسف من كتاب الفيلسوف أبو بكر السقاف الصادر في القاهرة عام 1988م إذ أرسل لي النص الاتي:

“صدر كتاب “الجمهورية بين السلطنه والقبيلة” للكاتب أبو بكر السقاف عام 1988، ولهذا الكتاب قصة طريفة، ذلك عندما أرسل لى المؤلف مسودة الكتاب لنشره فى القاهره.. لكننى فوجئت من خلال خطاب أرسله لى المؤلف معربا عن رغبته بأن يصدر الكتاب بإسم مستعار خوفا من تعقبه أو سجنه فى اليمن .. وبعدما قرأت مسودة الكتاب وجدته يتوافق مع خطة النشر وتوجهات المطبعة التى أديرها..وبعد نشر الكتاب حدث ما لم أتوقعه عندما أحتجت رسميا السفارة اليمنية لدى رئاسة الجمهورية على نشر هذا الكتاب ذلك لأن الكتاب يلقى الضوء على المسارات الخاطئة من دولة الإمامة الى الجمهورية. وقتئذ تم التحقيق معى من قبل أمن الدولة، من أجل معرفة معلومات حول المؤلف وهل قابلته أم لا، علما بأنه لم يآت الى مصر وهو ما كشفته اجهزة الدوله بذاتها.. وأثناء ذلك تم احتجازى لدى أمن الدولة لكى أكشف عن اسم المؤلف الحقيقى، ولم يتم الإفراج عنى حتى تدخل مجموعة من الزملاء لدى السفير اليمنى واسمه على ما أتذكر “الشجنى” وكان عضو فى الحركة الديمقراطيه للتحرر الوطنى، وبالفعل سحبت السفارة اليمنية الاحتجاج الذى قدمته لرئاسة الجمهورية. واستمر احتجازى لمدة شهر فى أمن الدولة وحينئذ أرسل لي الدكتور السقاف خطابا مع الدكتور أحمد القصير معربا فيه عن أسفه لإحتجازى ومتمنيا أن يكون فى الحبس بدلا مني.. مشيرا إلى أن النظم العسكرية مهما أدعت من إصلاح سياسى تستمد شرعيتها عبر إبقاء المجتمع مقسم إلى جماعات دينية وعرقية أسوة بمصر وسوريا واليمن، ومن المعروف أن الدكتور السقاف حصل على منحه للدراسه فى القاهرة عام 1953، ولم يقع تحت تأثير المد القومى أو الناصرى ولا البعثى، وإنما اختار طريقا مغايرا أكثر مغامره بإلتزامه السياسى بخط الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى، التى كانت فى ذروة خلافها مع نظام عبدالناصر وقد أنحاز السقاف لأفكار ومطالب الأستاذ خالد محيى الدين التى نادى بها من أجل التعددية الحزبية وحرية الصحافة، ما أدى إلى طرده من مصر. قبل عامين من اليوم حاولت إعادة التواصل مع أبوبكر السقاف، بهدف، إعادة نشر الكتاب، على أن يضيف الكاتب، فصل أو مقدمة حديثة شارحة للتطورات الحالية في اليمن، إلا أنه لظروف حالته الصحية، لم تتحقق الفكرة، خاصة أن هناك دار نشر يمنية، أعادت إصدار الكتاب بنفس النسخه السابقة”.

تكشف تلك الواقعة عن ارادة التعمية التي أدمنتها السلطات المتعاقبة في تسويس الشعب اليمن المغلوب على أمره بحرمانه المتواصل عن فهم حقيقة وضعه. نعم ثمة ارادة في تسويد الأفق السياسي اليمني دائما بجعله ضغثا على أباله! وعدم تمكين أي أحد من فهم الواقع على حقيقته. لقد بذلت قصارى جهدي في سبيل إن افهم مجتمعي اليمني فهما عقلانيا مقنعا ولكنني للأسف لم أجد إلى إشارات خافته في ظلامه الدامس ولعل أبوبكر السقاف هو أهم أضاء قبس الفهم وجمع المعنى في معظم كتاباته الجديرة بالقراءة المعمقة والنقد والتقييم. وفي أثناء بحثي عن ما يروي عطش فهمي لمجتمعي وجدت كتاب بول دريش أخيرا فانهمكت في قراءته بحماسة واهتمام وأنا اتذكر وصية أستاذنا الراحل أبو بكر السقاف رحمة الله عليه.

فربما كان المستشرق الانجليزي بول دريش في كتابه (اليمن: الأئمة والقبائل.. كتابة وتمثيل التاريخ في اليمن الأعلى) قد استطاع القبض على جذر مشكلة السلطة وعصبيتها التقليدية في اليمن الشمالية إذ كتب قائلاً: ” أن منطق التطور التاريخي والعلم الاجتماعي أثبتا بأن القبيلة هي حلقة أدنى في سلم التطور الاجتماعي وهذا لا ينطبق على اليمن (الشمالي).. فإذا كانت القبائل تنتهي بطريقة ما إلى دولة، فإن الدولة في اليمن الحديث تحولت خليط من القبائل وقد تتعايشان معاً على مدى مراحل طويلة أو قصيرة ولكن هذا منطق مفارق لمعنى الجمهورية التي تعني الشعب بوصفه جمهورا متساويا وليس كيانات قبلية تقليدية مغلقة.

The post سر حكاية طرد الدكتور اليمني الراحل أبوبكر السقاف من مصر appeared first on بيس هورايزونس.

مشاركة الخبر: سر حكاية طرد الدكتور اليمني الراحل أبوبكر السقاف من مصر على وسائل التواصل من نيوز فور مي