"موتٌ في الساقية".. صفحةٌ من النضال التونسي الجزائري ضدّ الاستعمار
في الثامن من شباط/ فبراير 1958، قصفت القوّات الفرنسية قرية ساقية سيدي يوسف، الواقعة على الحدود التونسية الجزائرية، مستخدمة أكثر من عشرين طنّاً من القنابل. كان لهذه الجريمة دورٌ في إسقاط الجمهورية الفرنسية الرابعة، وتسريع جلاء الفرنسيّين التامّ عن تونس، وتدويل قضيّة تحرير الجزائر في "مجلس الأمن"، ممّا جعل فرنسا في عزلة دولية.
"موت في الساقية" عنوان فيلم وثائقي بثّته قناة "الجزيرة الوثائقية"، بُعيد أيام من الذكرى السادسة والستّين لارتكاب المجزرة، ويُحيل مضمونه إلى واقع استعماري ما زال قائماً في فلسطين اليوم، ويفسّر هذا التواطؤ الغربي، وخاصّة الفرنسي، مع الإبادة الصهيونية في غزّة، إذ لا يمكن لمستعمِر الأمس أن يقف ضدّ مستعمِر اليوم.
استضاف الشريط عدداً من الباحثين، من بينهم المؤرّخ الفرنسي بنجامين ستورا، الذي أشار إلى أطماع فرنسا الاستعماريّة في الجزائر، رغم الضغط السياسي الكبير الذي نجم عن استقلال تونس عام 1956 والمغرب عام 1955؛ حيث أصبحت تونس شرياناً حيويّاً للثورة الجزائرية في معاقلها بجبال الأوراس شرقي الجزائر، وهذا ما أكّده الأكاديمي علي تابليت، أحد المتحدّثين في الفيلم، وهو من مجاهدي حرب التحرير الجزائرية (1954 - 1962).
موقف فرنسا من الإبادة في غزّة اليوم متماهٍ مع ماضيها في الجزائر
في تلك الفترة، بدأ اسم قرية ساقية سيدي يوسف التونسية يبرُز كمكان لتدريب الفدائيّين الجزائريّين، وكإحدى نقاط إمداد الثورة. أمّا على المستويين الإقليمي والدولي، فكان الثوّار يتلقّون دعماً من قِبل مصر ويوغسلافيا ودول الكتلة الاشتراكية، وهنا لجأ الاستعمار الفرنسي إلى وضع الأسلاك الشائكة والمكهربة وزرع الألغام على الحدود بين الجزائر وتونس، وهو ما عُرف بـ"خطّ موريس"، الذي لم تُسلّم فرنسا خرائطه إلّا عام 2008.
في الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير 1958، نصب عناصر من "جيش التحرير الجزائري" كميناً لإحدى الدوريّات الفرنسية بالقرب من ساقية سيدي يوسف نجم عنه مقتل 15 جندياً، وأسر أربعة منهم. وحسب الرواية الاستعمارية الفرنسية، كانت هذه الحادثة سبباً في مجزرة الثامن من شباط/ فبراير، حيث تضمّن الهجوم الأوّل، الذي جرى عند الحادية عشرة صباحاً، 25 طائرة قاذفة للقنابل، تلاه هجومٌ ثانٍ بطائرات "ميسترال"، ما أدّى إلى استشهاد قرابة سبعين مواطناً من بينهم العشرات من التلاميذ، وإصابة 148 من المدنيّين.
يَظهر في الفيلم أحدُ الطيّارين الذين شاركوا في الهجوم الدموي، ليتحدّث أنّهم كانوا يستخدمون مصطلح "براميل متفجّرة" للتغطية على استخدامهم "النابالم" الحارق الذي كان سلاحاً مُحرَّماً.
قوبلت المجزرة بتحرّكات شعبيّة واسعة في تونس. وفي ظلّ الحرب الباردة، لم تجد فرنسا من نصير سوى نظام الفصل العنصري الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى نظام الديكتاتور سالازار في البرتغال. كما تقدّمت تونس بشكوى إلى "مجلس الأمن" ضدّ فرنسا، أفضت في النهاية إلى تجميع كلّ ما تبقى من قوى فرنسية عسكرية موجودة في تونس بقاعدة بنزيرت، ومن ثمّ التمهيد لجلاء كلّ القواعد العسكرية الفرنسية عن أراضي البلاد.
امتدّت الأزمة إلى الداخل الفرنسي، ليُعلَن، في العام نفسه، عن سقوط الجمهورية الرابعة (1946 - 1958)، ووصول شارل ديغول إلى الحُكم وبداية ما يُعرف بالجمهورية الخامسة، ومن ثمّ اضطراره للتنازُل عن امتيازات بلاده الاستعمارية في شمال أفريقيا أمام تنامي المقاوَمة.
مشاركة الخبر: "موتٌ في الساقية".. صفحةٌ من النضال التونسي الجزائري ضدّ الاستعمار على وسائل التواصل من نيوز فور مي