أربع فتيات يواجهن الموت

أربع فتيات يواجهن الموت !

تم نشره منذُ 2 شهر،بتاريخ: 03-03-2024 م الساعة 08:54:01 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2030599.html في : اخبار محلية    بواسطة المصدر : المشهد اليمني

يعود الأطفال من المدرسة إلى منازلهم لكني أتوجه إلى المزرعة مباشرة ، أضع الحقيبة في ركن العشة المطلة على المزرعة ، أظل أراقب بيتنا بانتظار الغداء الذي سيرسلونه إلي .

وحين يشتد جوعي أنزل إلى المزرعة باحثا عما يسد رمقي من ثمرة البابايا " العنبة " أو أشوي بعض كيزان الذرة ، أي شيء ، أحيانا عندما لا أجد شيئا أذهب إلى شجرة السدر أرشقها بالحجارة فتتساقط ثمار " الدوم " وأظل أتسلى بها .

أرفع رأسي إلى السماء ، الشمس لا تزال حارقة ولم تمل للغروب بعد ، كأنها تعاندني ، تمر سيارة في الطريق المجاور أشيعها بنظراتي حتى تختفي ، تأتي خروف فأبعدها عن المزرعة برشقات من الحجارة ، أفرغ غضبي على تلك الخروف ، أحياناً أصيبها بحجر فتفر ولا تعود ثانية .

يمضي نهاري طويلاً مليئاً بالكآبة ، كأنني سجين هذا الوادي ، أعود إلى العشة أراقب بيتنا بعيون صقر جائع ، أراهم يدخلون ويخرجون ، يعيشون حياتهم بشكل عادي وكأنني لست منهم ، وكأنهم قد نسوني .!

بعد العصر تتحرك أختي باتجاه المزرعة ، تحمل دبة الماء لتملئها من البئر ، وتحمل وعاء الأكل ، لقد تذكروا كلبهم أخيراً .!

تقترب مني فأكاد لشدة غيظي أرشقها بالحجارة لكنني أسرع إلى الأكل ، أفتح القصعة وألتهم الطعام بشراهة ، تذهب إلى البئر تملأ الدبة وتعود ، تقف بجواري تريد أن تقول لي شيء ، أتوقف عن الأكل ، أنظر إليها ..

ــ ماذا تريدين ؟

تتلكأ ثم تنطق أخيراً :

ــ أريد قات .

ـ لكن أبي ..

ــ اقطف لي حزمة صغيرة ولن يعلم .

أمضي معها إلى حقل القات ، أقطف لها حزمة صغيرة ، ترمقني بنظرة مستجدية :

ــ هذه لن تكفي لساعة.

أعود وأقطف لها حزمة ثانية وثالثة ، تقترب مني وتخرج كيس الحلوى الهريسة وتناولني إياه ، يسيل لعابي ، أتركها تقطف عدة حزم أخرى وتمضي .

تعود إلى البيت تسوق الأغنام ناحية التلال ، تخرج صديقاتها من بيوتهن بأغنامهن ، يلتقين ، يمضغن القات ويتحدثن .

في المساء نفزع حين نسمع صراخها وهي تتقيأ :

ــ دم ، اتقيأ دم ، سأموت .

يصرخ والدي:

ــ ماذا أكلت ؟

أجري نحوه :

ــ قات ، قطفت لها من قاتك .

ــ يصفر وجهه :

ــ القات مسموم .

يسألني :

ــ هل خزن أحد معها ؟

ــ بنت سالم وبنت عمي علي وبنت صالح .

يسرع الوالد إلى الجيران ، بعد دقائق تأتي السيارة ، تستعد أمي لتذهب معها ، يخاطبها أبي بجدية :

ــ اجلسي في البيت حتى أعود .

تذعن لأمره .

ينقلون البنات إلى المستوصف وتظل أمي تصيح في وجهي :

ــ بنتي ستموت بسببك .

لقد صرت المتهم .

أقسم لها الأيمان المغلظة أنني لم أكن أعلم أن القات مسموم ، تظل تصيح وتلومني وتوبخني .

أقول في نفسي :

ــ ليتها ضربتني حتى تورمت بدلا من هذا الكلام السم .

تقوم تصلي وتدعو الله أن تنجو أختي من الموت .

يمر الليل بطيئاً ونحن في فزع ، تتجمع النسوة ، في وجوههن خوف على البنات ، ينذرن بصيام شهر إن شفين .

أذهب إلى الأكمة المجاورة لمنزلنا أرقب عودة السيارة بالبنات ، يلسعني البرد ، أرى ضوء السيارة يأتي من بعيد ، أسرع إليهن :

ــ رجعوا من المستوصف .

يخرجن إلى جوار البيت ونظل ننتظر وصولهن لكن السيارة تخيب آمالنا وتمضي بعيداً .

يعدن للداخل وأظل بالأكمة أنتظر عودتهن ، في قلبي خوف من المصير المجهول للبنات ، لقد طار نومي والليل قد أنتصف ، أنظر إلى النجوم وأضواء الكهرباء في القرية المجاورة التي أغلب سكانها من المغتربين .

كنت شارداً حين مرت بجواري أفعى وما إن رأيتها حتى قفزت صارخا وعدت إلى الداخل ألهث :

ــ حنش .

تضمني أمي إلى صدرها وتهدئ من روعي وتسقيني الماء .

تأتي إلي بالطعام ، بقايا الأزر والبطاط المسلوقة ، وتقدم الكعك والشاي للنسوة .

فكرت بالعودة إلى الأكمة لكنني تذكرت الحنش فخفت ، بعد ساعة تشجعت وخرجت إلى جوار البيت أنتظر عودتهن ، القمر يطل بنوره بعد أن تجاوز تلك السحب الكثيفة ، شهاب شارد توهج ثم أنطفأ ، حتى أضواء الكهرباء في قرية المغتربين انطفأت ، لست أدري كم كان الوقت حينها لكنني تخيلت البنات يعدن من المستوصف وقد فارقن الحياة ، ستتحول المنطقة إلى مأتم كبير ..

لأول مرة ستخرج في قريتنا أربع جنازات دفعة واحدة ، والمشكلة أنني السبب .!

ماذا سيفعلون بي حينها ؟!

لن يصل الأمر إلى قتلي أو سجني ، لكنني لن أسلم من تأنيبهم ولومهم وتوبيخهم لسنوات طويلة .

سأراهن في منامي كل ليلة ، وجوههن مخيفة وأشداقهن مليئة بالقات ، ستغدو حياتي كوابيس متواصلة .

ستقتلني تلك النظرات القاسية والكلمات السامة من الجميع ، ليتهم يحبسوني ، على الأقل سأرتاح من الدراسة وحراسة المزرعة ، وسأنجو من لومهم وتأنيبهم .

قبيل الفجر رأيت أضواء سيارة تأتي من بعيد ، لم أذهب لأبلغهن فقد تكون سيارة أخرى ، انتظرت حتى اقتربت ، وحين رأيتها تدخل قريتنا أسرعت أخبرهن :

ــ رجعوا من المستوصف .

تجمعنا كلنا نستقبلهن .

في البداية نزل الوالد وحين رأى فزعنا صاح فينا:

ــ البنات بخير ، قدر الله ولطف .

أسرعت النسوة إلى السيارة يتفقدن البنات ، وحين رأيت أختي تمشي ببطء وهي تتوكأ على أمي أنزاح عني ذلك الكابوس الذي جثم على صدري ، فرحت كأنني وجدت كنزا فيه ميزانية دولة .

ظلت أختي لأيام طريحة الفراش ثم بدأت تتعافى .

عدت إلى المزرعة لكنني بقيت اتحاشى الذهاب إلى حقل القات ، كرهت القات ، وما يزال في ذهني مرتبطاً بالسم وبليلة من الخوف والفزع وكوابيس اليقظة .

*قصة قصيرة

مشاركة الخبر: أربع فتيات يواجهن الموت ! على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

توقف مؤقت في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة ومصادر توضح السبب

توقف مؤقت في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة ومصادر توضح السبب

منذُ 32 دقائق

قال مسؤولان أمريكيان لشبكة CNN الخميس إن هناك توقفا مؤقتا في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة مقابل إطلاق سراح الرهائن...

🔴 مباشر محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل

🔴 مباشر محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن الكرة بالكامل في ...

منذُ 43 دقائق

انتهت أحدث جولة من المفاوضات غير المباشرة في القاهرة لوقف الأعمال القتالية في قطاع غزة دون اتفاق فيما أعلنت حركة أن...

رئيس كوريا الجنوبية يعتزم إنشاء وزارة لحل أزمة انخفاض معدل المواليد

رئيس كوريا الجنوبية يعتزم إنشاء وزارة لحل أزمة انخفاض معدل المواليد

منذُ 46 دقائق

قال رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول الخميس إنه يعتزم إنشاء وزارة جديدة لمعالجة حالة الطوارئ الوطنية المتمثلة في انخفاض...

ماذا قال الجيش الإسرائيلي بشأن تعليق الأسلحة الأمريكية والسيطرة على معبر رفح

ماذا قال الجيش الإسرائيلي بشأن تعليق الأسلحة الأمريكية والسيطرة على مع...

منذُ 54 دقائق

قال الجيش الإسرائيلي الخميس إن لديه الأسلحة التي يحتاجها لتنفيذ المهام التي يخطط...

سلوفاكيا تشهد ارتفاعا في دخول أوكرانيين فارين من التعبئة العامة
سلوفاكيا تشهد ارتفاعا في دخول أوكرانيين فارين من التعبئة العامة
منذُ 1 ساعة

أعلنت سلوفاكيا أن عدد الأوكرانيين في سن الخدمة العسكرية الذين يدخلون البلاد بطريقة غير شرعية قد زاد أكثر من الضعف خلال...

مركز الأمن البحري الدولي CIMSEC الغواصات المسيرة اليمنية تهديدا جديدا وصعبا للبحرية الغربية
مركز الأمن البحري الدولي CIMSEC الغواصات المسيرة اليمنية تهديدا جديدا ...
منذُ 1 ساعة

مركز الأمن البحري الدولي CIMSEC يمتد تأثير الغواصات المسيرة اليمنية إلى ما هو أبعد من الأضرار المحتملة للسفن الفردية ووجود ...

widgets إقراء أيضاً من المشهد اليمني

لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية
موقف روسي قوي بشأن الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن  وتحذير رسمي عاجل
ضبط 26 جريمة خلال 24 ساعة في المحافظات المحررة
مليشيا الحوثي تعمم صورة المطلوب رقم 1 في صنعاء بعد اصطياد قيادي بارز جنوب العاصمة