"سلة الفراولة": كيف أشعلت لوحة حرباً أميركية ـــ فرنسية؟
هو تكوين جذاب يتميز بالانتقالات الناعمة بين الظل والنور مثل معظم أعمال فنان القرن الثامن عشر جان سيميون شاردان (1699 – 1779)، المعروف برسومه البديعة للطبيعة الصامتة، وتصوير الحياة اليومية في المنزل.
رسم جان سيميون شاردان سلة الفراولة البرية عام 1760، وعرضها في صالون باريس في العام نفسه، وهي واحدة من مجموعة لوحات رسمها الفنان عن الفواكه.
هذه اللوحة الصغيرة بيعت أخيراً مقابل مبلغ يتخطى ستة وعشرين مليون دولار أميركي، وهو أكبر مبلغ يُدفع على الإطلاق مقابل عمل فني من القرن الثامن عشر في فرنسا، بحسب تصريح مسؤولي صالة المزادات الباريسية حيث جرت عملية البيع.
يتجاوز هذا المبلغ الذي بيعت به اللوحة القيمة التقديرية لهذا العمل بحوالى عشرة ملايين دولار، إذ قُدرت قيمتها الفعلية قبل إجراء المزاد بنحو 16 مليون دولار.
أما سبب رفع سعر هذه اللوحة، فكان اشتعال المنافسة عليها من قبل بعض الأطراف الفرنسية والأميركية.
انتصر الطرف الأميركي في النهاية بعدما فاز باللوحة تاجر أعمال فنية أميركي مجهول. وأعلن هذا الأخير لاحقاً أنه اشترى هذا العمل لمتحف كيمبل للفنون في ولاية تكساس، ويعني هذا أن اللوحة ستُغادر فرنسا إلى الولايات المتحدة.
ما إن أُعلنَت الجهة التي ستنتقل إليها اللوحة حتى بدأت المعركة التنافسية التي لم تنتهِ وقائعها حتى اللحظة. فقد سارع مدير متحف اللوفر، لورانس دي كار، إلى تقديم طلب إلى الحكومة الفرنسية، باعتبار اللوحة كنزاً وطنياً، وهو إجراء قانوني تتخذه السلطات الفرنسية للحفاظ على الأعمال الفنية والقطع الأثرية النادرة من التسرب خارج حدود فرنسا.
وبالفعل، أصدرت السلطات الفرنسية مرسوماً باعتبار اللوحة كنزاً وطنياً، مع مهلة عامين حتى يتسنى لأحد المتاحف الوطنية شراء العمل وضمه إلى مجموعته.
ينتهي أثر هذا المرسوم بانتهاء المهلة التي يحددها القانون، ويمكن بعدها مغادرة اللوحة خارج البلاد. منذ إصدار هذا المرسوم ومتحف اللوفر في سباق مع الزمن لجمع الأموال اللازمة لشراء العمل الفني الذي وصفه لورانس دي كار، مدير المتحف، بالأهم في تاريخ سيميون شاردان.
يضم متحف اللوفر بالفعل أكثر من أربعين عملاً لشاردان، ويأمل مدير اللوفر، كما يقول، أن تُكمل سلة الفراولة هذه المجموعة الفريدة التي بحوزة المتحف.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أطلق متحف اللوفر حملة كبيرة لجمع المبلغ المخصص لشراء اللوحة، ونجح في ذلك إلى حد كبير، بعد أن تبرعت إحدى مؤسسات الأزياء الشهيرة بستة عشر مليون دولار.
بدا واضحاً أن الحكومة الفرنسية، ومعها إدارة متحف اللوفر، تتعامل مع لوحة سلة الفراولة كقضية تمسّ الكرامة الوطنية.
لهذا، لم تكتفِ إدارة المتحف بمخاطبة الرعاة المعتادين لمتحف اللوفر فقط، بل وسّعت أيضاً دائرة التبرعات بإطلاق حملة شعبية من أجل جمع ما بقي من ثمن اللوحة.
يقدّم المتحف إلى المتبرعين، نظير إسهاماتهم، امتيازات مختلفة، بدءاً بالجولات الخاصة لمشاهدة اللوحة، وحتى الدعوات لحضور حفل كوكتيل في المتحف.
في المُقابل، لا يُنكر مدير متحف كيمبل للفنون، إريك لي، أهمية "سلة الفراولة" لفرنسا، غير أنه صرّح أكثر من مرة بأنه يأمل أن يحصل على اللوحة، بصرف النظر عن هذه الحساسية التي تمثلها.
كما صرّح مدير المتحف الأميركي بأن اللوحة يمكن أن تكون بمثابة سفير للثقافة الفرنسية في الولايات المتحدة، وأنها ستحظى بالرعاية والتقدير اللازمين.
في ضوء هذه المنافسة، يبدو أن الحوار الدائر حول لوحة شاردان قد امتدّ إلى ما هو أبعد من الجوانب القانونية، ويلامس الدور الأوسع للفن في تعزيز التبادل الثقافي والحوار بين المجتمعات.
وبغضّ النظر عن النتيجة، تعكس هذه المنافسة المحتدمة على اللوحة القيمة المؤكدة للفن، باعتباره جزءاً من الهوية الوطنية، وتسلط الضوء على المعارك المحتدمة، وغير المعلنة أحياناً، بين المؤسسات الفنية في الغرب، من أجل تنويع مصادر مجموعاتها الفنية.
مشاركة الخبر: "سلة الفراولة": كيف أشعلت لوحة حرباً أميركية ـــ فرنسية؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي