التحول بعيدا عن الهيمنة الغربية

التحوّل بعيداً عن الهيمنة الغربية

تم نشره منذُ 1 شهر،بتاريخ: 15-03-2024 م الساعة 02:49:00 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2040628.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

لعقودٍ من الزمان، قدّم الغرب نفسه كآخر معاقل العدالة والديمقراطية والحرية على هذه الأرض، إلا أنّ سياساته وأفعاله لطالما روت قصة أخرى مختلفة تمامًا. واليوم، لا يوجد مكان يتجلّى فيه هذا الأمر أكثر وضوحًا من الإبادة الجماعية في غزّة، التي يستمر الاحتلال الصهيوأميركي وشراذم أتباعه في ارتكابها منذ 160 يومًا. وعلى الرغم من الاستنكار الدولي والإقرار بارتكاب جرائم إبادة جماعية، تظل القوى الغربية متواطئة، وغارقة في معايير مزدوّجة تخون قيم الغرب المزعومة قبل أن تخون غزّة والعالم.

حتى اليوم سقط أكثر من 31,000 شهيد فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء وكلّهم مدنيون، وجُرح أكثر من 73,000 بسبب جرائم حرب الاحتلال الصهيوأميركي، وتقريبًا دُمرت غزّة بالكامل وسط حصارٍ خانقٍ، حيث يجوع أكثر من مليوني فلسطيني، في محاولة بائسة لإطفاء جذوة آخر معاقل الحرية الحقيقية على هذه الأرض، حيث تسلّط هذه المأساة الرهيبة الضوء على فشل العالم وتخاذله في وقف العنف الصهيوأميركي. وفي حين تدين الهيئات الدولية وجحافل البشر حول العالم هذه الفظائع، فإنّ الحكومات الغربية لم تقدّم أكثر من مجرّد كلام مائع للاستهلاك العالمي من جهة، ومن جهة أخرى لم تتوقف عن المشاركة في الجريمة من خلال دعم الإبادة الجماعية بكلّ الوسائل الممكنة، عسكرية واقتصادية وسياسية، لمساعدة الاحتلال في ارتكاب فظائعه، حيث يكشف تقاعسها عن العمل والاستمرار في دعم العدوان الكثير عن أولوياتها الحقيقية.

وعلى الرغم من ذلك، وسط هذا الظلام والشرّ الغربي الحكومي المطلق، تشع منارة للأمل من خلال موجة عالمية من النشاط وإعادة هيكلة المشهد العالمي برمته، موجة لا تدين الجرائم وتطالب بوضع حدٍّ للإبادة الجماعية فقط، بل تنبذ النظام الغربي المنافق وتدعو لإعادة تشكيل النظام العالمي على قواعد اكثر أخلاقية وإنسانية.

مع تآكل سلطة الغرب الأخلاقية، يتآكل أيضًا تأثيره على المسرح العالمي

موجة قائمة على الأعمال الفردية والنشاط الشعبي، فمن كلّ ركن من أركان العالم، ترتفع الأصوات تضامنًا مع المضطهدين، وتتحدّى الوضع الراهن وتطالب صراحةً بالعدالة الآن، وضمنيًا تتحرّك نحو إعادة تصوّر مستقبل النظام والعلاقات العالمية. فبعيدًا عن النشطاء الأرستقراطيين التقليديين المدّجنين، بدأنا نشهد صحوة للشباب حول العالم، يندفعون فيها من خلال طوفان من الفعاليات والتظاهرات والاحتجاجات الرافضة لكلّ هراء الطبقات السياسية، وينتظمون على الأرض ويطلقون المبادرات ذات الأثر الحقيقي وينفذونها، بينما تتلهى الحكومات في الحركات الاستعراضية سيئة الإخراج. وعلى الرغم من أنّ ديناصورات الطبقة الحاكمة ما زالوا يظهرون بصورة المسيطر، إلا أنّ ما يجري على الأرض قد يسحب البساط من تحت أقدامهم في بضع سنين، وإدراكهم هذه الاحتمالية هو ما يدفعهم يوميًا للتصرّف برعونة والتعنّت وإزالة أقنعتهم بكلّ صلافة بعد أن أسقط في أيديهم، وأظهروا رعبهم حتى من عبارات يردّدها متظاهرون سلميون أو حتى مراهقون على "تيك توك".

فإحجام الغرب عن مواجهة نفاقه وعدم التزامه بالقيم التي روّجها لم يمر دون أن يلاحظه أحد. ومع تآكل سلطة الغرب الأخلاقية، يتآكل أيضًا تأثيره على المسرح العالمي. وعلى نحوٍ متزايد، بدأ الناس في الابتعاد عن الهيمنة الغربية، بعد أن خاب أملهم في وعودها الفارغة وتواطئها الفاضح في الظلم والإبادة الجماعية.

الذين وقفوا ذات يوم على الهامش، أصبحوا الآن في طليعة التغيير أو ضمنه، رافضين النظام العالمي الحالي ويتصوّرون مستقبلًا أكثر عدلاً وإنصافًا

ولا يقتصر هذا التحوّل على عوالم السياسة؛ بل هي صحوة مجتمعية ثقافية، تجذب الناس من جميع مناحي الحياة إلى الفضاء العام والنشاط. وأولئك الذين وقفوا ذات يوم على الهامش، أصبحوا الآن في طليعة التغيير أو ضمنه، رافضين النظام العالمي الحالي ويتصوّرون مستقبلًا أكثر عدلاً وإنصافًا، ويعملون على ذلك من خلال أفعال بسيطة كالتظاهر والاحتجاج والنشر والتبرّع والتطوّع والمقاطعة، أفعال تبدو للوهلة الأولى غير ذات أثر، ولكن تراكمها حول العالم جعل منها طوفاناً حقيقياً تأخرت الحكومات الغربية ومن تواطأ معها في إدراك قوته التغييرية. فبينما يستمر صراع العالم مع عواقب النفاق الغربي، تُزرع بذور التغيير. ولم يعد الغرب قادراً على إملاء شروط المشاركة العالمية؛ وبدلاً من ذلك، بدأ ينشأ نموذج جديد، مبني على مبادئ العدالة والتضامن والاحترام المتبادل يقوده الشباب لا الديناصورات الخرفة.

وفي السنوات المقبلة، أتأمل أن يعيد هذا التحوّل تشكيل المشهد الجيوسياسي برمته، إيذانًا ببدء عصر التعدّدية القطبية حيث يتم توزيع السلطة بشكل أكثر توازنًا بين الدول. حيث سيجد الغرب نفسه معزولاً على نحو متزايد، وسوف يتضاءل نفوذه مع صعود آخرين لملء الفراغ، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنّ روسيا والصين بشكلهما الحالي هما الحل، بل لربّما نماذج أقرب إلى جنوب افريقيا والبرازيل.

الطريق أمام هذا التحوّل لن يكون سهلًا، ولكن الزخم في صالحنا. وبينما نقف متضامنين مع ضحايا الظلم في فلسطين وسورية والسودان، وكلّ مكان على هذه الأرض، فإنّنا نزرع بذور مستقبل أكثر إشراقًا، نبني فيه عالمًا أكثر شمولًا وإنصافًا، عالم تُسمع فيه أصوات المهمّشين وتدعم حقوقهم من خلال قنوات غير تقليدية، أي مستقبل تتغلّب فيه قوة الشعب على سياسة القمع.

مشاركة الخبر: التحوّل بعيداً عن الهيمنة الغربية على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

حالة الطقس غدا ودرجات الحرارة المتوقعة في القاهرة والمحافظات

حالة الطقس غدا ودرجات الحرارة المتوقعة في القاهرة والمحافظات

منذُ 46 دقائق

تتوقع هيئة الأرصاد الجوية أن يشهد غدا الأحد طقس حار نهارا على القاهرة الكبرى والوجه البحرى وجنوب سيناء وشمال الصعيد...

وزير الصحة يؤكد اهتمام القيادة السياسية بالمنظومة الصحية واتخاذ مجموعة من الحزم التحفيزية

وزير الصحة يؤكد اهتمام القيادة السياسية بالمنظومة الصحية واتخاذ مجموعة...

منذُ 46 دقائق

أكد خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان أن الدولة المصرية بقيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي تضع الملف الصحي بكافة...

تنديد برلماني بالسياسات الأمريكية المتبعة في المنطقة

تنديد برلماني بالسياسات الأمريكية المتبعة في المنطقة

منذُ 48 دقائق

ندد مجلس النواب في جلسته المنعقدة اليوم برئاسة نائب رئيس المجلس عبد السلام هشول بالسياسات الامريكية المغايرة لمطالب...

8680 معتقلا فلسطينيا منذ 7 اكتوبر

8680 معتقلا فلسطينيا منذ 7 اكتوبر

منذُ 49 دقائق

أعلنت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير ارتفاع حصيلة الاعتقالات في مدن ومحافظات الضفة الغربية والقدس المحتلة منذ السابع من...

هآرتس تكشف عن اتفاق يتعلق بإدارة معبر رفح بعد العملية العسكرية
هآرتس تكشف عن اتفاق يتعلق بإدارة معبر رفح بعد العملية العسكرية
منذُ 49 دقائق

كشفت صحيفة هآرتس العبرية عن اتفاق يتعلق بإدارة معبر رفح بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية في المدينة الواقعة...

خشية من توسعها لدول أخرى القلق الإسرائيلي يتصاعد من المقاطعة التركية
خشية من توسعها لدول أخرى القلق الإسرائيلي يتصاعد من المقاطعة التركية
منذُ 49 دقائق

يحسب المصدرون والمستوردون حجم الضرر والخسائر التي ستنتقل بالتأكيد إلى جيوب المستهلكين رغم محاولاتهم المستميتة للحصول...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

شهادات عن تعذيب معتقلي غزة في سدي تيمان عراة ومقيدون ويرتدون حفاضات
تغير المناخ يهدد تعليم ملايين الأطفال في آسيا
عمران 48 عن الأبوية الاستعمارية والتحليل الاجتماعي للثورات
إعلام إسرائيلي حماس أعادت تنظيم صفوفها في شمال غزة وباقية في رفح