لويس غارسيا مونتيرو: فلسطين وشاعران
استضاف "معهد ثربانتس" في العاصمة الإسبانية مدريد، قبل أيام، بالتعاون مع سفارة فلسطين، "يوم الثقافة الفلسطينية"، والذي يصادف ذكرى ميلاد الشاعر الفلسطيني محمود درويش (1941 - 2008). وعلى الرغم من عدم وجود أي كاتب فلسطيني يمثّل الثقافة الفلسطينية في يومها، إلا أنَّ مدير "معهد ثربانتس" الشاعر الغرناطي البارز لويس غارسيا مونتيرو (1958)، أنقذ الموقف عندما استحضر شاعرين فلسطينيّين، الأوّل هو، وكما جاء على لسانه في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها، محمود درويش "زميلي الأبدي، الذي كان التزامه بأرضه، فلسطين، التزاماً بالإنسانية"، ولكننا جميعاً نشهد "ما تتعرض له فلسطين من انتهاكات لحقوق الإنسان منذ أشهر عدة"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في غزّة منذ 160 يوماً.
واستطرد مونتيرو متحدّثاً عن أهمية الثقافة الإنسانية التي تتجاوز الحدود في عالمٍ لا يتوقف على التعولُم، وعن ضرورة التواصل الثقافي الإنساني، فيما وراء الأسياج والأيديولوجيات، حيث قال إنّه ما كان "سابقاً يعدُّ من تحت الطاولة، أو بطريقة سرّيةٍ، كما أُعدّ الانقلاب العسكري في تشيلي على الرئيس ألليندي، أو كما حدث في حرب فيتنام، فإننا اليوم نشهده، نشهد الإبادةَ منقولةً على شاشات هواتفنا المحمولة. لذلك أطالب، باسم الثقافة الإنسانية، بالعدالة وحقوق الإنسان، في فلسطين. فالكلمات تحمل أشياء كثيرة. يمكن استخدامها للكذب، ولكن أيضاً يمكن استخدامها لنشر الحبّ".
يتجاوز الشعر الفلسطيني الحدود ويلتزم بالإنسانية كلّها
أما الشاعر الثاني الذي استحضره الإسباني مونتيرو في كلمته، نموذجاً على الثقافة الإنسانية التي تتجاوز الحدود، فهو الزميل والشاعر الفلسطيني الآخر نجوان درويش. وكان مونتيرو يحمل في يده الكتاب الأخير المنشور حديثاً لنجوان درويش بالإسبانية وهو "استيقظنا مرّةً في الجنّة"، الصادر هذا العام عن دار نشر "باسو روتو" الإسبانية والمكسيكية، بترجمة خوان خوسيه بيليث أتيرو.
"بدأتُ بالحديث عن محمود درويش، وأريد أن أختم كلمتي بالحديث عن شاعر شابٍّ آخر، مُلتزم جداً بالقضايا الإنسانية - وأقول إنّه شاب لأنه ولد في عام 1978- إنّه الشاعر نجوان درويش"، قال مونتيرو، وأخذ الكتاب وراح يقلّب صفحاته بحثاً عن قصيدة، يبدو أنه يعرفها جيداً، ويريد أن يستخدمها ليوصل إلى الحضور ما قاله عن معنى الثقافة وعن الهوية الإنسانية بأعمق معانيها.
بحثَ مونتيرو لبضع ثوان عن قصيدة نجوان درويش، وبالفعل وجدها وبدأ بالقراءة على الحضور. لقد كانت قصيدة "بطاقة هُوّية". قرأ الشاعر الغرناطي: "... وفي جميع الأَحوال كنتُ سوريّاً من بيت لحم أَرفع مخطوطةَ أَخي الأَرمني وتركيّاً من قونية يدخلُ الآن من باب دمشق. وقَبْلَ قليلٍ وصلتُ بيادِرَ "وادي السِّيْر" واستقبَلني النَّسيمُ الذي وحدَهُ يَعرِفُ معنى أَنْ يأتيَ المَرْءُ مِنْ جِبال القفقاس مَصحوباً بكرامَتِه وعِظامِ أَهْلِه. وحين وطِئتُ ترابَ الجزائر لأَوّل مرَّةٍ، لَمْ أَشُكَّ لحظةً أَنّي لَسْتُ أَمازيغيّاً. في كلِّ مكانٍ ذهبتُ إليه ظَنّوني عِراقيّاً/ وكانَ ظنُّهم في مَكانِه. وطالمَا حَسِبْتُ نَفْسِي مِصريّاً عاشَ وماتَ مِراراً بجانبِ النّيل مع أَسلافِهِ الأَفارِقة. وقَبْلَ كلِّ شيء كُنْتُ آراميّاً. ولا غَرْوَ أَنَّ أَخوالي على الأَقل مِنْ بيزَنْطَة وأَنّني كُنْتُ الصَّبيَّ الحِجازيَّ الذي نَالَ حَلوى الدَّلال مِنْ صفرونيوس وعُمَر في فَتْحِ بَيْتِ المَقْدِس. لَيْسَ مِنْ مَكانٍ قاوَمَ غُزاتَهُ إِلّا وكُنْتُ مِنْ أَهْلِهِ، وما مِنْ إِنسانٍ حُرّ لا تَجْمَعُني به قَرابَة، وما مِنْ شَجَرةٍ أَو غَيمةٍ لَيْسَ لها أَفضالٌ عليّ..."، وصولاً إلى آخر القصيدة التي تنتهي بالجملة الآتية: "وبأَقلَّ مِنْ هذا لا يكون المرءُ عربيّاً".
وأخيراً، نظر مونتيرو إلى الحضور، وختم كلمته قائلاً: "يا لهذه الطريقة الشعرية في تأكيد الهوية الإنسانية والشرط الإنساني، يا لهذه الطريقة الشعرية في الكشف عن أنّ التعامل مع اللغة والكلمات أعمق بكثير من التعامل مع الألفاظ".
وبعد كلمة الافتتاح هذه، كُرّم المترجم والمستعرب الإسباني فيديريكو أربوس، بسبب جهوده الأكاديمية والبحثية والترجمية المساندة للقضية الفلسطينية. وأهدى أربوس هذا التكريم إلى جميع الشعراء الفلسطينيّين الذي يحملون قصائدهم رايةً من أجل فلسطين.
مشاركة الخبر: لويس غارسيا مونتيرو: فلسطين وشاعران على وسائل التواصل من نيوز فور مي