“ماء الذهب” بين الإبداع والضياع
يعد مسلسل ماء الذهب نقلة نوعية من حيث الفكرة، الإنتاج، الإخراج واختيار الشخصيات، ومن ناحية العرض فقد جمع بين الرعب والخيال، والتصوير الذي مزج بين تصوير أفلام الرعب والتصوير الوثائقي، كذلك الإيقاع الصوتي الذي كان منسجما لحد كبير، كل ذلك يعد نجاح فريد من نوعه، مع ذلك المسلسل لم يكن مقنعا كقصة مترابطة، نعم لم يكن مقنعا.
أداء الممثلين
لن نتحدث عن الممثلين ومستوى الإبداع، لأنهم تفوقوا على أنفسهم كثيرا، ممثلون أقل ما يقال عنهم مبدعون بدء من نبيل حزام، محمود خليل، يحيى إبراهيم ونجله عبدالله، محمد أبلان، عبير عبد الكريم، وسارة المغربي ….ألخ وأنت تشاهد أداء كل شخصية ومدى انسجاما مع بقية الشخصيات يبهرك مستوى الاحترافية التي وصل إليها أولئك النجوم، بل أن أداء الممثلين أحد أهم الأسباب التي ستجبرك على متابعة متاهة من مشاهد الفانتازيا والرعب والخيال.
الفكرة
وهي بين قوسين البحث عن الكنز في قرية مهجورة، وإذا نظرنا للكنز كمفهوم حفنة من المجوهرات فستكون فكرة عادية وسطحية ولا تناسب زمن العلم والتكنولوجيا، لاسيما أن المكان (القرية) لم يكن منفصلا عن اليمن الآن، إذن الكنز هنا أعظم من كونه حفنة مجوهرات. الفكرة تهدف لرمزية عظيمة، فالقرية هي اليمن والكنز هو ما صنعه الأجداد من حضارة، على الأقل هذا ما استطعت أن أفهمه في ست عشرة حلقة، إنه أمر ملل إليس كذلك ؟.
بالتأكيد كان كاتب النص قد اقتنص فكرة عظيمة، بل عظيمة جدا، ولأن الفكرة كانت بتلك العظمة فقد أخفق المسلسل بكل أدواته العظيمة جدا في الخروج من دائرة الفكرة، وظل السيناريو التائه بأحداثه وحواراته يسير من الفكرة إلى الفكرة، فالفكرة تُعرض في كل مشهد، والحوارات تقول الفكرة في معظم المشاهد، ودون أن ينجو بنا المسلسل حتى بمشهدين مترابطين على الأقل، لقد فقد المسلسل بوصلة الدراما واكتفى بكونه فكرة، نعم فكرة تدور حولها مشاهد كل مشهد يكاد يكون منفصلا تماما عن بقية المشاهد.
لم أجد- كواحد من مشاهدين كُثر- ما يجعلني أستمر في متابعة الأحداث عدا تصوير احترافي لمشاهد متتالية من الرعب لعالمٍ من الجن يسكن القرية الغرائبية، عالم الجن الذي جرجر قليل من المشاهدين للوصول حتى الحلقة الأخيرة.
ماذا بعد الفكرة؟
استعان الكاتب بالخيال ليصل بفكرته إلى بر النجاح، تعاون خيال النص مع التصوير ورغم روعة التصوير إلا أنه فشل في إنقاذ الخيال لماذا ؟ لأن الفكر أكبر من خيال كاتب السيناريت أو القصة، وأعتقد أنه كان بحاجة لسنوات أكثر ليخرج لنا بمسلسل عظيم يعرض الفكرة العظيمة.
متاهة وغموض
منذ الحلقة الأولى وأنت تشاهد، أشخاص يوقدون المصابيح، يبحثون عن الكنز ليلا، ويتشاجرون أو يتناقشون نهارا، كان بالإمكان أن يحدث العكس، تخللها مشاهد رعب لكل واحد من أشخاص المسلسل لا تبرير، لا تفسير، لا دليل سوى أنك تعود لتقول، الجن إنهم الجن، مشاهد أخرى تخلق تساؤلات ثم تنتهي تلك التساؤلات لتأتي غيرها، الأمر الوحيد المنطقي هو مشاهد الفلاش باك التي كانت تدور حول حياة الشخصيات قبل دخولها القرية وحتى تلك المشاهد لم تكتمل بتلك الصورة المطلوبة، وكأن الكاتب متأثرا بتقديم عمل روائي مفتوح النهايات، ونسي أن عرض الرواية أمام عيني قارئ مختلف تماما عن عرض مسلسل أمام عيني مشاهد.
لم يكن هدف الكاتب اخبارنا بالأثار التاريخية، هو يعلم أننا نعلم أن أجدادنا كانوا عظماء، ولم يكن همه مناداتنا لنحبث معه عن الكنز، كذلك لن تكون غايته أن نخرج نهاية المسلسل مرددين عبارتنا الشهيرة (اليمن أصل العرب). لا لا فتفكير الكاتب أكبر من هكذا تفكير، كما قلت لكم لقد كانت الفكرة عظيمة أراد بها الكاتب أن نبحث عن شيئين، الأول الطريقة التي صنعت ذلك المجد (الكنز) وكيف يمكن أن نعيد ذلك المجد، وكيف نحافظ على ذلك الكنز، ولأن الكاتب يعلم أنه لايوجد بيننا من يستطيع فعل ذلك. وبما أن الكنز هنا قيمة أزلية، ودرس للمستقبل، وليس فينا من يعرف الطريق التي تربط ذلك الماضي العظيم بالمستبقل، وهي طريق مفقودة كما تعرفون، فقد أوجد لنا عالم آخر من الخيال (الجن) يحمي لنا ذلك الكنز ويدافع عنه ويعرف قيمته، والطريق منه وإليه، وربما لأن عالم الجن وتفاصيله لن يكون مقنعا للبشر فقد أخفق في إخراج المسلسل من رحم الفكرة التي أرادها.
لا أدري عما أتحدث لايوجد ما أقولة سوى الفكرة، لاحبكة ولا ترابط، حتى لحظات التنوير تكاد تكون مفقودة سوى بعض القفشات البسيطة، التي لم تحترم عقل المشاهد، بالنسبة لي تملكني اليأس منذ الحلقة السابعة ولم استمر حتى الحلقة السادسة عشر إلا علَّي أجدُ عذرا لعظمة الفكرة، وعظمة أداء الممثلين وعظمة التصوير، ولكني لم أجد ما أبرر به ذلك الضياع الذي أنهكني.
أدوات الجذب
يفقد المشاهد الطريق إلى الكنز لأنها بطبيعة الحال فُقدت بين مشاهد منفصلة عن بعضها البعض، ولم يكن ترابط الأحداث أو كيفية البحث هنا أداة جذب المشاهد، على الإطلاق، غير أننا استطعنا -وبعد تفحص وتركيز – أن نجمل بعض أدوات الجذب التي أقنعت المشاهد بالاستمرارية، ومنها:
١- القرية الغريبة، ومحاولة المشاهد كشف تلك الغرائبية.
٢- المجهول الذي ينتظر الجميع .
٣- التصوير الاحترافي الذي كان مشاهد من الروعة ولكنها منفصلة هي الأخرى.
٤- مشاهد الرعب، وخفقان قلب المشاهد خلفها.
٥- البحث عن حقيقة مالك التي استمرت مايقارب ١٢ حلقة.
موسم ثاني
أعلن طاقم المسلسل عن وجود موسم ثاني، حسنًا نحن لم نخرج بشيء من الموسم الأول، لا شيء ….. حتى أن الحلقة الأخيرة منه، والتي من المفترض أنها قد زودت المشاهد ولو بلمحة تلخص كل الأحداث، أو تحترم المشاهد قليلا وتأتي بلحظة تنوير وحيدة لمشهد، أو حدث واحد، لم تُحدث شيئا.
فلا الكنز وجد ولا الطريق انفرج ، ولا المشاهد اقتنع ، تخيل أن الحلقة الأخيرة التي من المفترض أن تكون مجموعة من المشاهد الختامية تلخصت بمشهدين الأول فلاش باك عن حياة مكرم السابقة وكيف تزوج بغنية (الفتاة اللقيطة) والمشهد الثاني دفن مكرم وإطلاق رصاص واختفاء غنية ومنتهى وغنية.
لم نكن بحاجة لموسم ثاني، كان بالإمكان جعل َمشاهِد الحلقة الأخيرة تكفير لبقية الحلقات، ومع ذلك نتمنى لطاقم العمل النجاح في موسم ثاني.
The post “ماء الذهب” بين الإبداع والضياع appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: “ماء الذهب” بين الإبداع والضياع على وسائل التواصل من نيوز فور مي