طبال السحور مهنة رمضانية تتحدى الزمن في المغرب

"طبّال السحور" مهنة رمضانية تتحدّى الزمن في المغرب

تم نشره منذُ 1 شهر،بتاريخ: 05-04-2024 م الساعة 04:29:45 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2060778.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

يُغادر المغربي الستيني أحمد المسفيوي منزله عند الساعة الثالثة صباحاً، معلّقاً طبله على كتفه الذي ينقره بعصا خشبية مبدداً صمت الليل، ويدعو بصوت شجيّ النائمين في أزقة وأحياء مدينة آسفي، إلى الاستيقاظ لتناول السحور قبل أذان صلاة الفجر، ويساهم بالتالي في الحفاظ على مهنة رمضانية قديمة.
أحمد الذي ابيض شعره ولحيته معروف لدى سكان أحياء آسفي والدروب المجاورة التي يجوبها من الزاوية والقليعة ودار بوعودة والعريصة المتواجدة في جنوب المدينة، بضربات الطبل المتناغمة وهي تتراقص على إيقاع رمضاني، ويعلمون أيضاً بحرصه على عدم التأخر عن موعده طوال 30 ليلة من شهر الصوم.
يقول أحمد، بعزم لا يثنيه تقدّمه في السن، لـ"العربي الجديد": "أحرص منذ أكثر من 25 سنة على ممارسة هذه المهنة الرمضانية التي ورثتها عن والدي. ورغم أن وهجها خفت تدريجياً جراء انتشار المنبهات والهواتف الذكية ما أزال أتمسك بها بحب".
ويشتهر "الطبال" و"النفار" الذي يعرف في عدة دول عربية باسم "المسحراتي"، نسبة للفترة الزمنية التي ينطلق فيها لأداء مهمته الموسمية، وكلمة السحور هي الوجبة التي يتناولها الصائمون في وقت "السحر". كما يربط البعض التسمية بسحر وجاذبية هذا التقليد الذي ظهر منذ صدر الإسلام عن طريق الأذان.

يضفي المسحراتي على شهر رمضان عبقاً ووهجاً محبباً للنفوس

ويذكر أحمد أن "المسحراتي كان يحظى بمكانة مهمة في السنوات السابقة، وتلهج الألسن بالشكر والدعاء له وهو يقرع الطبل لإيقاظ النائمين، أو ينفخ في مزماره منادياً للسحور، فهو يجلب البركة. أما اليوم فيشتكي أشخاص من إزعاجه، ويريدون إخراس صوته".
يتابع: "أترك منزلي يومياً عند الساعة الثالثة فجراً لأداء مهمتي التي أشعر بأنها مسؤولية ملقاة على عاتقي، رغم أن أسرتي تعارض ذلك، وتصر على أن أتوقف خوفاً على صحتي".
ويلفت إلى أنه كان يرافق والده الذي كان "نفاراً" منذ أن كان يافعاً في سن الـ14 فتعلق بالمهنة وأحبها، ويقول: "عملت نفاراً لسنوات طويلة، ثم اضطررت إلى الاستغناء عن المزمار لصالح الطبل، بعدما خضعت لعملية جراحية في القلب".

وفيما تتقاسم السبعينية عزيزة المنبهي حرقة أحمد نفسه من اندثار مهنة لها جذور منذ مئات السنين في المغرب، تتذكر أن المسحراتي كان يطرق الأبواب وينفخ بمزماره في النوافذ لإيقاظ النائمين وتنبيههم إلى اقتراب موعد السحور، خاصة أصحاب النوم الثقيل.
تضيف: "كانت متعة لا تضاهى أن ينادينا النفار بأسمائنا للاستيقاظ حين يجول في أحيائنا. كان يفرح بالمقابل البسيط الذي نقدمه له، إذ كانت عدة أسر تتقاسم معه بعض المواد الغذائية مثل السكر والشاي والزيت، في مظهر يعكس التكافل والتضامن المجتمعي في شهر الخير والإحسان".
وتتابع: "كان المسحراتي يحظى باحترام الحي كله، ويُحكى أن بعض الأسر كانت تقدم الماء المسكوب في آلة النفخ (المزمار) إلى أطفالها المصابين بمشكلات تلعثم أو تأتأة كي تصبح ألسنتهم طليقة".
من جهته، يقول الكاتب والباحث المغربي في قضايا الهوية واللغة، عبد الله النملي، لـ"العربي الجديد": "تضفي مهنة المسحراتي على شهر رمضان عبقاً ووهجاً يتراجعان بوضوح، وهي لم تعد متوارثة أباً عن جد كما في السابق، حين كانت عائلات تحترفها رغم أن مردودها المادي ضعيف". يتابع: "كان لكل حي نفار خاص به أو أكثر سابقاً، بحسب مساحته وكثرة سكانه، فهو الشخص الذي لا يحلو شهر رمضان من دونه، وكأن عمله تتمة للوحة رمضانية لا تكتمل إلا بوجوده".
ويشير النملي إلى أن "المهنة لم تكن سهلة، لأنها ترتبط بأحد الطقوس الرمضانية التي يبدأ بها الصوم وهو السحور، ففضلاً عمّا تتطلبه من قدرة جسدية وتحمّل لمشقة الطواف عبر الأحياء والأزقة، كان يشترط أن يتمتع المسحراتي بثقة الناس، وأن يكون مواظباً على الصلاة، وحسن الصوت والسلوك، ويحفظ عدداً من التراتيل والأناشيد الإسلامية".

يتابع: "لم يكن أجر الطبال أو النفار معلوماً وثابتاً، بل يأخذ ما يجود به الناس عليه، ومعظم ممارسي المهنة الرمضانية غير مهيكلين ضمن إطار، ولا ينتظرون بالتالي الحصول على مال كثير من الصائمين، وتقتصر رغبتهم في الحصول على حسنات، والاستفادة من زكاة الفطر في أحسن الأحوال".
ويرى النملي أن معظم "النفارين" تخلوا عن مهنتهم الرمضانية في السنوات الأخيرة، وتحوّل بعضهم إلى العمل داخل مجموعات موسيقية شعبية في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وعجز المهنة عن تأمين رزق لأصحابها، والإمعان في تهميشها.
ويدعو النملي الدولة إلى "إيلاء العناية والاهتمام الكافي بهذه المهنة التي لا أرقام رسمية لها، رغم أنها تمنح شهر رمضان خصوصية وجاذبية وتجلب الطمأنينة والأمان للصائمين، كما يشدد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة والعاجلة لإحيائها من خلال وضع استراتيجية متكاملة للحفاظ عليها، كتراث غير مادي يشكل جزءاً من تاريخ المغاربة وهويتهم".

مشاركة الخبر: "طبّال السحور" مهنة رمضانية تتحدّى الزمن في المغرب على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

لمريض السكر مشروبات مهمة ليومك وأخرى تجنبها

لمريض السكر مشروبات مهمة ليومك وأخرى تجنبها

منذُ 3 دقائق

كل ما يأكله أو يشربه مريض السكر يتحكم فى مستويات السكر فى الدم لديه فالنظام الغذائي والحياتى والحركي لمريض السكر هو الذي ...

نأنأة صحية للطلبة فى المذاكرة وأيام الامتحانات

نأنأة صحية للطلبة فى المذاكرة وأيام الامتحانات

منذُ 3 دقائق

المذاكرة وجمع المنهج أمر مجهد يحتاج خلالها الطلاب لتناول أطعمة خفيفة بين الوجبة والأخرى هذه الوجبات البينية الصغيرة...

صنعاء توجيه رئاسي عاجل للحكومة

صنعاء توجيه رئاسي عاجل للحكومة

منذُ 5 دقائق

صنعاء توجيه رئاسي عاجل...

النواب مؤتمر قمة البحرين مسرحية هزلية

النواب مؤتمر قمة البحرين مسرحية هزلية

منذُ 5 دقائق

جدد مجلس النواب في جلسته اليوم برئاسة رئيس المجلس يحيى علي الراعي إدانته واستنكاره للمواقف المتخاذلة والمخزية التي...

أكسيوس حماس انسحبت من المفاوضات للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب
أكسيوس حماس انسحبت من المفاوضات للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب
منذُ 5 دقائق

توقفت المفاوضات غير المباشرة بين الاحتلال وحماس حول هدنة محتملة تفضي إلى وقف لإطلاق...

طلاب مناصرون لغزة في جامعة كامبريدج يحرجون وزيرة الداخلية السابقة شاهد
طلاب مناصرون لغزة في جامعة كامبريدج يحرجون وزيرة الداخلية السابقة شاهد...
منذُ 5 دقائق

امتنع طلاب محتجون في جامعة كامبريدج البريطانية من الحديث إلى وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان خلال جولة لها قرب...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

واشنطن تفتح قناة مع إسرائيل بحثا عن إجابات حول الضحايا المدنيين بغزة
عبد الله نصيب من تجاوز الأزمات إلى كتابة التاريخ الآسيوي مع الأردن
تركيا ترفع الحد الأدنى للأجور 49 لعام 2024 لتعزيز القدرة الشرائية
نساء في النضال شرائط من فلسطين ولبنان ومصر