قوة الهشاشة
استطاع المغربي سعيد ناشيد أن يفلسف محنته مع واقعه، ونجح إلى حد كبير في الاستعانة بالكتابة والتفكير والتأمل لتحويل النشاط الذهني إلى بوابة خلاص فردي من واقع لا يرحم الكاتب ولا يعتقه من قيود شتى، أشدها عنفًا سرقة عمر المبدع في وظائف لا يُسمح له بتطوير ذاته فيها أو تقديم أي جديد من خلالها.
أتذكر شكواه التي سرد فيها رحلته مع التدريس الابتدائي ثم الثانوي إلى أن حصل على قرار بتعيينه في منصب مدير تربوي، ثم اختفى ذلك القرار ليواصل التدريس من جديد بالتوازي مع انهماكه في الكتابة.
وفي قرار كأنه عقوبة مقصودة بحقه أعادوه إلى التدريس الابتدائي في الريف، مرورا بأزمة صحية طلب على إثرها التقاعد.
أصدر ناشيد عناوين كتب وجدت لها صدى في المكتبة ولدى القراء الباحثين عن أسلوب تفكير ينظر إلى الماضي والحاضر من زاوية علاجية ويطرح مداخل مختلفة للتفكير تمنح المرء العزاء وتقوي مناعته ضد اليأس والشعور بالانسحاق، فجاءت كتبه: “دليل التدين العاقل” و”رسائل في التنوير العمومي” و”التداوي بالفلسفة”، و”الطمأنينة الفلسفية”، و”الوجود والعزاء”.
ونتيجة لنشاطه في التأليف عوقب كما يبدو بالعزل النهائي عن الوظيفة العمومية.
وبعيدا عن تقييم نتاجه وما إذا كان ينهض على الاستئناس بميل قراء اليوم إلى كتب التنمية البشرية، واشتغاله على الجمع بين التفلسف من ناحية وبين استنهاض الأرواح اليائسة على طريقة التحفيز واستكشاف قدرات الفرد وقواه الكامنة، إلا أن ما يستفاد من تجربة هذا الكاتب أن المجال يبقى مفتوحًا على الدوام أمام من يقرر أن ينقذ نفسه وأن ينجز ما يلهم الآخرين، بحيث تصبح أسطرة الذات وهشاشتها فكرة قابلة للتداول والبناء عليها!
The post قوة الهشاشة appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: قوة الهشاشة على وسائل التواصل من نيوز فور مي