ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية

ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية

تم نشره منذُ 2 اسبوع،بتاريخ: 30-04-2024 م الساعة 02:59:40 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2082969.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

رغم الزيادة المطردة في عدد المعطيات والشواهد والحيثيات الدالّة على أنّ تغيّراً جدّياً قد طرأ على المزاج السياسي الأوروبي، بعد انكشاف هول الفظائع المُرتكبة في حقّ النساء والأطفال في قطاع غزّة، وتراكم المؤشّرات القويّة، والمظاهر الحسّية، على حدوث تحوّل واسع وحثيث، منذ أواخر العام المنصرم، في الرأي العام الغربي عموماً، والأميركي خصوصاً، إلا أنّ ذلك كلّه لم يكن كافياً لاستحضار الصورة الفيتنامية من قبو الأرشيف، لعقد مقاربة منطقية مقنعة بين شمس الـ"فيت كونغ" المتوهّجة في البال وشمس المقاومة الفلسطينية الساطعة بقوّة مضاعفة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023).
كما لم تكن الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات، على كثرتها، تلك التي عمّت شوارع عواصم ومدن غربية، ضدّ حرب الإبادة الجماعية في غزّة، كافيةً لعقد هذه المقاربة بين الليلة الفلسطينية، في تجلّياتها الراهنة، والبارحة الفيتنامية، المُفعمة بالدروس والعبر البليغة، لو لم تحدث الانتفاضة الطلابية العارمة في الجامعات الأميركية، وتتعاظم الشواهد على أنّ تبدلاً مهماً، عميقاً وواسعاً، قد وقع بالفعل، وصار ملء العين والسمع، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة الغضّة بعضاً من صفحات تلك الثورة الطلابية المماثلة، التي نهض بها آباء هؤلاء الشباب الغرّ الميامين، أواخر ستينيات القرن الماضي.
مع أنّ هناك اختلافاتٍ موضوعيةً في الزمان والمكان، وفوارق بيّنات بين الحالتين الفلسطينية والفيتنامية، إلا أنّ هناك، في المقابل، أوجهَ تماثلٍ لا بأس بها، بين سياق الثورة التي انتهت بتسجيل أول هزيمة عسكرية أميركية لا تقبل التأويل، بفضل الدعم السوفييتي والصيني غير المحدود، ومخاض الثورة التي تكوّنت فوق بساط الريح (حسب وصف البطل الفيتنامي الجنرال فون نجوين جياب)، وحفلت مساراتها العسيرة بالإنجازات والانتكاسات، إلا أنّها ظلّت تواصل التجدّد والانبثاق من تحت الرماد، فاستحقت بذلك لقبَ أطولِ ثورةٍ معاصرةٍ، وتولّت بجدارة حمل الراية الفيتنامية، وحازت وحدها شرف الصمود في ممرّ مارثون حركة التحرّر العالمية.
لسنا اليوم في معرض تقليب تلك الصفحات، واستدعاء مواطن الشبه ومواضع الاختلافات بين الثورتين، وإنّما الغاية الإمساك باللحظة الراهنة، المسكونة بالدلالات السياسية اللافتة والتحولات الجارية، على خلفية التفاعلات والمشاهد المتدفقة من ساحات عشرات الجامعات الأميركية، التي سبق أن قالت كلمتها عند كلّ مفترق طرق، وصنعت الفارق، وقلبت المفاهيم والقيم والرأي العام، فأوقفت التورّط في حرب فيتنام، فكانت تلك الانتفاضة بمثابة الشرارة التي أشعلت الحريق، وحفرت في الوعي الأميركي، وساهمت في تحقيق انتصار ثورة الحفاة، كما فعلتها ثانيةً ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وها هي اليوم تشي بتكرار فعلتها المجيدة مرّة ثالثة لصالح شعب فلسطين.
وأحسب أنّ الثورة الطلابية المتصاعدة من أعرق الجامعات الأميركية قابلةٌ للتصاعد أكثر، والتحوّل إلى ثورة قيمية اجتماعية، على خلفية القمع الذي أدّى إلى انتشار ظاهرة التمرّد على دعم الإدارة المتصهينة المُفرط، بالمال والسلاح، لربيبتها دولة الاحتلال، وأنّها مرشّحةٌ للاحتدام، ضدّ حرب الإبادة، وضدّ المشاركة الأميركية في المقتلة الرهيبة، الأمر الذي من شأنه تعزيز التحوّل الجاري، وتزخيمه وتوسيعه أكثر، ناهيك عن تجريد إدارة جو بايدن من كلّ زعم أخلاقي.
تقود هذه التطورات النخب الطلابية وقادة الأكاديميا الأميركية، وهي محرّك التغيير في كلّ مكان وزمان، تتخطى آثارها المباشرة نطاق الولايات المتّحدة، بدورها القيادي المُلهم، ونموذجها الباذخ، وقوتها الناعمة، ليطاول مختلف المجتمعات الغربية، ويؤثّر تدريجياً في مواقفها التقليدية، ولا سيّما تغاضيها المتواصل عن مظاهر الوحشية الإسرائيلية، واستسلامها التام للسردية القائمة على الترهيب بفزّاعة معاداة السامية، ولعلّ هلع نتنياهو، وفريقه الفاشي، من مفاعيل هذه الظاهرة، التي يعلو سماءها شعار "فلسطين حرّة من البحر إلى النهر"، هو الدليل بعينه على أن بداية نهاية العصر الإسرائيلي قد بدأت، وأنّ قطوف "طوفان الأقصى" قد دنت.
تبقى ضرورة إبداء الأسف الشديد، ونحن نرى هذا التصحّر في الحياة الطلابية والنقابية والحزبية العربية، قبالة انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية ومحاضريها، ونتلمّس هذا الخدر العربي اللذيذ، والموات العجيب الغريب من حولنا، وهو يغشى طلبة جامعاتنا من الماء إلى الماء، فيما أمواج الثورة الطلابية تتعاظم وتمتدّ من كندا إلى أوروبا، بل إلى أستراليا ونيوزيلندا واليابان.

مشاركة الخبر: ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

فصل رئيس جامعة بأمريكا بعد موافقته على مطالب بمقاطعة مؤسسات الاحتلال

فصل رئيس جامعة بأمريكا بعد موافقته على مطالب بمقاطعة مؤسسات الاحتلال

منذُ 27 دقائق

فصلت جامعة أمريكية رئيسها بعد موافقته على مطالب الطلبة المناهضين للعدوان على غزة بمقاطعة مؤسسات...

إيكونوميست إسرائيل تمزق نفسها فشل إدارة الحرب فجر صراعاتها

إيكونوميست إسرائيل تمزق نفسها فشل إدارة الحرب فجر صراعاتها

منذُ 27 دقائق

قالت صحيفة إيكونوميست إن الفشل في إدارة الحرب تسببت في اشتعال الأزمات الداخلية لدى الاحتلال...

محاكمة مينينديز ماذا قال FBI عن الأموال وسبائك الذهب التي عثر عليها في منزل السيناتور الأمريكي

محاكمة مينينديز ماذا قال FBI عن الأموال وسبائك الذهب التي عثر عليها في...

منذُ 33 دقائق

أدلى عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI أريستوتليس كوجيميتروس الخميس بشهادته أمام المحكمة الخاصة بالسيناتور...

سجال بين إسرائيل وجنوب إفريقيا بشأن تهمة الإبادة الجماعية في غزة

سجال بين إسرائيل وجنوب إفريقيا بشأن تهمة الإبادة الجماعية في غزة

منذُ 34 دقائق

ردت إسرائيل على اتهامات جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن تصعيد الهجمات العسكرية الإسرائيلية في...

مستقبل غزة بعد الحرب يسبب انقسامات علنية داخل الحكومة الإسرائيلية
مستقبل غزة بعد الحرب يسبب انقسامات علنية داخل الحكومة الإسرائيلية
منذُ 1 ساعة

يثير مستقبل غزة بعد الحرب انقسامات علنية داخل الحكومة الإسرائيلية ويشكل الحديث عن ما يسمى اليوم التالي مادة دسمة للنقاش ...

Yemen declares the entry of the new phase of escalation into force
Yemen declares the entry of the new phase of escalation into force
منذُ 1 ساعة

Yemen announced on Thursday the entry of the new phase of escalation into force as stated in a speech by the leader of the Ansar Allah movement AbdulMalik AlHouthi Exclusive AlKhabar AlYemeni AlHouthi indicated that any ...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

هدف من رمية تماس في ليلة وداع الأردن لكأس آسيا الشريف يشرح الحالة
أمل الدر وردة من جنوب لبنان استشهدت في غارة إسرائيلية
من هم المخربون
رويترز عن وزير الخارجية الإيطالي العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة تتسبب في وقوع عدد كبير جدا من الضحايا المدنيين