ثورة الطلبة الأمريكان ولاهوت التعايش

ثورة الطلبة الأمريكان ولاهوت التعايش

تم نشره منذُ 2 اسبوع،بتاريخ: 30-04-2024 م الساعة 06:21:20 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2083042.html في : اخبار محلية    بواسطة المصدر : هورايزونس
كتب: د. قاسم المحبشي

بدعوة كريمة من الدكتور أحمد عبدالسلام مدير المعهد الالماني للأبحاث الشرقية في القاهرة OIB وبتحفيز من الصديق العزيز الدكتور حسام الدين درويش أستاذ الدراسات الإنسانية للبحوث المتقدمة في جامعة لايبزيغ، ومحاضر في قسم الدراسات الشرقية، في كلية الفلسفة، في جامعة كولونيا، في ألمانيا. حضرت ذات يوم قبل عامين  ورشة لاهوت التعايش التي نظمها المعهد الالماني للدراسات الشرقية في مبنى الهيئة الالمانية للتبادل العلمي بالزمالك. استمعت إلى عدد من المدخلات المهمة منها؛ لاهوت التعايش للدكتور محمود عبدالله والدكتور ابو الوفاء محمود عن رؤية عصرية لتربية إسلامية من أجل السلام. والدكتور محمد ثروت عن مبادرات التعايش الديني في إندونيسيا. والدكتورة سوسن الشريف عن مقاربة لسان القرآن لفهم صورة الآخر في السياق الإسلامي والدكتور سامح إسماعيل عن فقه التعايش في ضوء التحول الرقمي. والدكتور حسام عوض عن التوريث بين المسلم وغير المسلم والدكتور صبحي مصطفى، عن تجليات الحقيقة كطريق نحو التعايش المشترك والدكتورة سارة الشريف عن الأديان وبناء السلام؛ من التسامح إلى التطرف وبناء السلام في إفريقيا والشرق الأوسط.

تلك هي المداخلات التي تمكنت من سماعها وما أثارته من حوارات فكرية مهمة ومفيدة ومثيرة. وقد كنت حريصا على سماع مداخلة الدكتور حسام الدين درويش عن تعددية الأديان ومكانتها في العالم المعاصر بين الرغبة في التعايش أو الإيلاف وصعوبة تقبُّل التباين والاختلاف. ولكن لم يسعفني الوقت بسبب زحمة المواصلات. أتمنى أن أحصل على نسخة منها ومن المداخلات التي لم أتمكن من الاستماع اليها.
كانت ورشة رائعة صادفت هوى في نفسي، إذ أن سؤال التعايش بات سؤالًا ملحًا في عالم أضحى بفضل ثورة المعلومات والاتصال شديد التقارب والتداخل والتفاعل بعد انكماش الزمان والمكان وصيرورة العالم قرية كونية صغيرة يتشارك سكانها كل حوادثها واحداثه واخبارها وخيراتها وشرورها إذ يمكن للناس أن يتبادوا تحية الصباح كل يوم من طرف الأرض إلى طرفها بل يمكنهم أن يتحاوروا ويتخاصموا ويتقاتلوا في أي لحظة كما يحدث في القرية الصغيرة في أقصى الريف فالعولمة إذن  هي العالم وقد أصبح قرية صغيرة يعرف أهلها عنها كلَّ شاردة وواردة ، كل صغيرة وكبيرة. وكلما زاد ارتباط الناس ببعضهم البعض كلما زادت حاجتهم لقيم التسامح والتعايش والحوار، إذ إن خطاب التسامح والتقبل والحوار تستدعيه الحاجة والرغبة المشتركة للبحث في أفضل السبل الممكنة والآمنة للعيش والتعايش الاجتماعي السياسي المشترك لجميع الناس في بيئة اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية وأخلاقية ونفسية عالمية منظمة ومستقرة وأمنة.
ولسنا بحاجة إلى التذكير بمدى احتياج مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلى قيم التعايش والتسامح والقبول والتقبل المتبادل  لاسيما بعد أن شهدت تاريخ طويل من النزاعات الدموية والحروب الكارثة.وعلى مدى السنوات الماضية استقطبت ظاهرة التقارب والاحتكاك والتصادم بين الشعوب والحضارات والثقافات والافراد، وما صاحبها من شيوع وانتشار لقيم العنف والتعصب والإرهاب على الصعيد العالمي اهتمام عدد واسع من الدارسين والكتاب والهيئات وأخذت الدوائر الأكاديمية والثقافية تعقد المؤتمرات والندوات والنقاشات في كل البلدان، بشأن قضايا العولمة وحوار الحضارات والثقافات والأديان والتحديات التي تواجه الإسلام والشعوب الإسلام في ظل التحولات العالمية الراهنة والمستقبلية وسبل موجهتها. إذ افرزت العولمة وتحولاتها الراهنة أنماطا جديدة من الظواهر والمشكلات الإنسانية والاجتماعية، وسرعة تحولها إلى مشكلات عالمية، كمشكلة سباق التسلح والحروب والأمن والسلام الدوليين، ومشكلات البيئة العالمية والأوزون، ومشكلات التجارة العالمية والأزمات الاقتصادية وصدام الحضارات والاديان والتطرف والإرهاب، ومشاكل المال والأعمال العابرة للقارات. ومشكلات الإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية ومشاكل الفقر والصحة والمرض، ومشاكل الهويات والتعددية الثقافية، والأقليات والتمييز والتعصب والاستبعاد الاجتماعي، والهجرة غير الشرعية والاندماج، والمخدرات والبطالة والفقر والحركات الاجتماعية، والمرأة والطفل والشباب، وكل ما يتصل بحقوق الإنسان، ومشاكل السياسة والنظم السياسية والعدالة والحرية والديمقراطية والمجتمع المدني. والمشكلات الأخلاقية للعلم؛ كالاستنساخ، وزراعة الأعضاء، ومنع الحمل، ومشاكل الفضاء السيبرنيتي والأقمار الاصطناعية والوسائط الإعلامية والتواصلية ومشاكل التربية والتعليم والجودة والاعتماد الأكاديمي وأخرها فيروس كورونا كوفيد-19 إذ لم يحدث في التاريخ الاجتماعي للإنسان منذ حواء و آدم وأنت طالع أن توحد العالم كله كما وحده فيروس كورونا.
كل تلك المتغيرات والتحولات التي طالت كل مناحي الحياة الإنسانية والاجتماعية للعالم الراهن لا ريب وإنها قد أثرت على الشعوب والدول والثقافة الإسلامية ومن ثم فمن المهم على الفاعلين العالمين والمسلمين التصدي لها بإيجابية ووضعها موضع اهتماماتهم البحثية. والسؤال هو كيف يمكن الشعوب والدول والثقافات والاديان أن تتعايش في عالم شديد التقارب والتفاعل والاحتكاك؟.

كلما زاد احتكاك الأفراد والشعوب والثقافات ببعضهم، كلما إتسعت رؤيتهم للعالم والحياة والتاريخ فالاحتكاك ليس حدثا عابرا في حياة الكائنات، بل هو لحظة فائق من لحظات احتدام الذوات في عالم الممارسة الاجتماعية. تمتزج فيها الأجساد والسياسات والمعتقدات والقيم والعادات والمواقف والافكار والتطلعات والآمال.

والآخر مرآة الذات. ولا ينكشف حجب الذوات عن ذاتها إلا بالاحتكاك المباشر بين الفاعلين الاجتماعين في مكان وزمان متعيين في حاضر فوري مباشر حيث الحياة بلا مزايا أقصد تلك الحياة التي نمنحها تسعة أعشار وقتنا الذي نعيشه في عالمنا الواقعي المعيشي الفوري، بلا ماض ولا مستقبل، والتي تشكل فعلاً عصب الجسد الاجتماعي برمته التي يسميها عالم الاجتماع جلبر دوران “بالجو الخانق” وتلك هي فلسفة المونديال الرياضي العالمي في دوحة قطر الآن. فإن يحتشد الناس من كل شعوب الأرض برموزهم وثقافاتهم واشكالهم وألوانهم وأعلامهم ورموزهم السياسية وأحلامهم وآمالهم وأفكارهم في لحظة اولوبية بهيجة فهذا بحد ذاته له معاني ودلالات كثيرة. إنَّ مشكلة وعي الذات ووعي الآخر ليست من اليسر بحيث تنكشف لكل إنسان بذاتها ولذاتها، بل هي عملية شديدة التعقيد والفهم. إذ قد يعيش الناس مئات السنين من غير أن يتمكنوا من اكتشاف الحجب والوصول إلى درجة وعي الذات والآخر، فالذات إذا ما تركت لذائها من غير أن تصطدم بتحدِّي الآخر فسوف تظل عمياء غير واعية لذاتها، وهذه هي طبيعة الإنسان الذي إذا ما حيل بينه وبين ذاته لتصوَّر نفسه مركز الكون، هذا معناه أنَّهُ ثمَّة علاقة جدلية تفاعلية تبادلية بين الذات والآخر، فالآخر مرأة الذات، ومعرفة الآخر تفضي إلى التعرُّف على الذات.
وقبل إطلاق أيَّ حُکم نافذ عن مجتمع بعيدٍ ما، لا بُدَّ أن يبلور الشخص موقفًا واضحًا قدر الإمكان عن مجتمعه نفسه، وسرعان ما سيكتشف أنَّ الطريق الوحيد التحقيق كشف المحجوب عن الذات إنَّما يتم بالدراسة (المقارنة) لذاته أثناء انهماكها برصد الآخرين، وبأن يعي أنماط التشويهات التي ينطوي عليها هذا الموقف بالضرورة، فرصد الآخرين وتأويلهم هي أيضًا دائمًا وسيلة تؤدِّي إلى رصد الذات، ولعل الفكرة المستخلصة من الاحتكاك الجسدي المباشر وجها لوجه هي أن الجهل بالذات ينطوي على لحظتين لحظة؛ الجاهل الذي يجهل جهله والجاهل الذي لا يعرف أنه يجهل. في مونديال قطر الجاري الآن تتجلى نظرية ماء الوجه بابها صورها.
ليس المهم أن نرى بل الأهم أن نبصر ما نراه. والوجه ليس مجرد الجبهة والأنف والفم والعينين والوجنتين بل هوبصمة الشخصية ورمزها العلني وأكثر الملامح مجلبة للانتباه. وكما يقول ليفناس: «دلالة الوجه تكمن في البعد الجديد الذي يفتحه في إدراك الوجود»، والمقصود أننا نحن موضوع الإدراك بحكم الاختلافات في الوجه والتي تعطينا كيفيات تميزنا. يتميز الوجه بمجموعة من الخصائص مثل النقاء الأصلي والمقاومة اللامتناهية والخارجية الجذرية، فالتجلي كوجه ليس انكشافا لعالم باطني بل خارجية الوجه هي هنا ما لا يمكن إخفاؤه والاضطلاع به وتحملها، إنها من الآن فصاعداً تقدم نحو اللاَّنهائي والبرانية الجذرية، فالآخر ليس له أن يعبر ويظهر إلا عن طريق وجهه، والوجه هو بالتحديد هذا الظهور الاستثنائي للذات بذاتها. تجلي وجه الأنا للآخر هوزيارة الآخر عن طريق وجهه المختلف وبالتالي يفتح الوجه نوافذ الذات للزائرين ويسمح لها بزيارة الآخرين عبر وجوههم وهكذا يدخل الوجه إلى عالمنا عبر حقل غريب والإنسان الغريب يأتي إلينا من الخارج منفصلاً عبر وجهه المتجلي. وحينما تتقابل الوجوه تتعين العلاقة بين الذات والآخر الوجه الذي يمثل مرآة عاكسة لحقيقة الأنا وكينونتها، والآخر مرآت الذات وقد كانت ولازالت العيون مرايا وجه الكائن. إذ أن دلالة وجه الآخر  في تجرده هو عن معناه اللغوي هو خارق  عن العادة وخارج كل نظام وخارج عن كل هوية. من المهم أن نلاحظ أن تعريف الوجه يختلف باختلاف الناس وثقافتهم ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لإتقان عمل الوجه.
فمتى يراق ما الوجه؟ وما هي المواقف التي تستدعي إراقته؟ من المؤكد أن الاحتكاك المباشر بين الوجوه الحية بعيونها المفتحة بابتساماتها وغضبها واصواتها وايحاءاتها هو أفضل بكثير من التواصل عبر الفضاءات الافتراضية. إذ يكتشف الناس بأنهم أكثر تشابه مما كانوا يعتقدون فكلهم يمشون على قدمين وينامون وياكلون ويشربون ويفرحون ويحزنون ويحبون ويكرهون ولا أحد منهم يمتلك قدرات أكثر من الأخر وليس فيهم ملائكة وشياطين. ثمة تغذية راجعة يستحيل الحصول عليها بدون الاحتكاك المباشر بين البشر الأحياء في عالمه الأرضي. إن حاجة الشعوب العربية الإسلامية إلى التعايش والسلام اليوم كحاجتنا إلى الهواء والنوم، فليس بمقدور الإنسان أن يعيش زمناً طويلاً في قلق وتوتر مستفز في كنف الخوف والرعب والفزع في ظل غياب شبه تام لشبكات الحماية والأمن والأمان والعدل والحرية. بيد أن السلام كشرط ضروري لاستمرار حياة أي جماعة إنسانية مزقتها الحروب والخصومات لا يتم من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى جهود جبارة من العمل المثابر والإصرار العنيد على ترسيخ قيم التسامح والتصالح والتضامن والثقافة السلمية وادواتها في حل النزعات والمشكلات كما اشار خبير السلام الدولي، جين شارب في كتابه (البدائل الحقيقية). فالتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام التعايش الاجتماعي والسلم والسلام بين الناس ويسهم في إحلال ثقافة النضال السلمي، ثقافة اللاعنف محل ثقافة الحرب والعنف والقتل والتدمير والدمار بل يمكن القول ان فضيلة التسامح هي الحد الأدنى من إمكانية العيش والتعايش المشترك في مجمع سياسي مدني مستقر قابل للنماء والتقدم والازدهار. وتهدف محاولتنا هذه إلى التوقف عند التسامح مصطلحا وفضيلة اخلاقية وقيمة ثقافية، ودلالاته ألمختلفة وسياقاته الممكنة بعده ركيزة اساسية للنضال السلمي والعدالة الانتقالية اذ يصعب الحديث عن اساليب المقاومة اللاعنفية بدون التسامح والتصالح والتضامن والحوار كشرط ضروري لحل المشكلات بالأساليب التفاوضية اللاعنفية.

وهكذا يمكن القول أن ورشة لاهوت التعايش ليست ترفا فكريا بل جاءت استجابة واعية نابعا من خضم تحديات اللحظة الراهنة التي تستدعي التفكير الجاد والمسئول في كيفية تعايش الأفراد والمجتمعات والدول والحضارات بما لديها من ثقافات ومعتقدات متعددة في حضارة إنسانية متصالحة ومتعايشة. جاء في حوار مطول مع المفكر الفرنسي روجيه دوبريه وإلى غاية القرن الثامن عشرة كانت حضارتنا تعيش على الماضي،والاقتداء بالمسيح، والقديسين والأبطال بينما يعيش حاضرنا على وقع اللا-متوقع، أي بلا شيء سواء في الخلف أم الأمام فقط التجريب. أستشعر، ثنائية قطبية :من جهة هستيريا ورجفات من الغضب، ومن جهة ثانية الكآبة واللامبالاة  يرتفع توتر المكتئب يوميا مع عشرات الومضات،لذلك سيكون أمام المحللين النفسانيين، عملا جبارا للقيام به. وفي جوابه عن سؤال؛ ألا تشكل العولمة، سلطة أمل جديدة؟ أجاب قائلا: لا أتبين الأمر بوضوح. تنتقل البضائع جيدا، يحيا القماش والحاوية، وتتقارب بامتياز في نفس الوقت الثقافات والديانات فيتماس بعضها ببعض، مما يخلق الاهتياج ويحدث الالتهاب في المفاصل.
تفاعلات شديدة الحساسية، بالتالي انثناءات ورعب هوياتي هنا وهناك ” وإذا كان دوبريه يحكي عن الحضارة الغربية فكيف سيكون الحال بالنسبة لنا في العالم العربي الإسلامي الذي شهد انبعاث هذه الموجة الكاسحة للحروب الطائفية حروب دينية طائفية عشائرية جهوية سياسية مستعرة في كل مكان من بلاد العرب والإسلام (شيعية، سنيه مسيحية، عربية كردية، في العراق وسوريا. ومسيحية، شيعية، سنية، درزية، في لبنان. وزيديه، حوثية، اثنا عشرية، سنية، سلفية، عشائرية، جهوية في اليمن، ولغوية أثنية عربية، أمازيغية، بربرية إسلامية إسلامية في الجزائر، ومسيحية إسلامية، جهوية في السودان، وعشائرية طائفية مناطقية في ليبيا. الخ) يحتدم كل هذا في فضاء ثقافي نفسي مشحون بعنف مادي ورمزي، وهستيريا عصابية جماعية عدائية شديدة التحريض والانفجار (روافض، نواصب خوارج، مجوسية، صفوية، قاعدة، أنصار الشريعة، شيعية، حزب الله، أنصار الله، داعش والنصرة.. إلخ). فضلاً عن العمليات الإرهابية التي يقوم بها بعض من يدعون الإسلام في بلدان العالم المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الدول الاوربية وفي كل مكان من جهات العالم الأربع والسؤال الملح هنا ولآن هو ما الذي جعل هذا التنوع الديني الهوياتي في المجتمعات العربية الإسلامية يتحول إلى شر مستطير، بينما هو في مجتمعات كثيرة أخرى مصدر قوة ودليل صحة وعافية كما هو الحال في الهند والصين وروسيا وأمريكا وأثيوبيا وغيرها من الدول التي تضم طيفا واسعا من الهويات (ديانات، أقليات, أعراق، أثنيات، لغات، طوائف، ملل، نحل, ومذاهب وما لا يعد ولا يحصى من الجماعات الثقافية المتنوعة) هذا هو السؤال الملح الذي يجب على المشتغلين في العلوم الاجتماعية والإنسانية التصدي له، وفي سياق ذلك تأتي الحاجة إلى البحث في سبُل وممكنات التصالح والتسامح بين المسلمين بعضهم مع بعض وبينهم وبين الآخرين من شعوب العالم. إذ ان التصالح مع الذات هو شرط سابق للتصالح مع العالم، وبدلا من ان يتحول الإسلام إلى فوبيا عالمية كما يريد له اعداءه لابد من العمل على تعزيز قيم التسامح والتقبل والاعتراف والاختلاف بين الأفراد والجماعات والمجتمعات العربية الإسلامية وغير الإسلامية. اذ يستحيل ان يتعايش مجموعة من الناس في مكان وزمان ممكنيين وهم في حالة تنافر وتنازع وصراع مستمر, هذا معناه ان التعايش  ليس هبة او مكرمة او أمر عابر قابل للمساومة والتوفقات والرغبات، بل هو اول شروط الحياة الاجتماعية الممكنة في حدها الأدنى.

لقد شاهد العالم في مونديال قطر 2022 وجوه من كل الثقافات والأعراق والقوميات من الجنسين كما خلقها الله ولم يحدث ما يستدعي الغرابة والاندهاش هذا هو الإنسان في عالم ما تحت فلك القمر ولا شيء تحت الستار. فهل سيغير مونديال قطر صورة العرب عن أنفسهم والآخرين وتصورهم للعالم والحضارة العالمية الراهنة؟  وبالمقابل هل سيغير صورة العالم عن العرب وحقيقة حياتهم والثقافة يمكن اكتسابها بالتقليد والمحاكاة أما الحضارة فلا يمكن اكتسبها لا بتعلم قواعد لعبتها بالتعليم والممارسة لأن الممارسة ليس مثالاً غامضاً أو أرضية تحتية للتاريخ أو محركاً خفياً بل هي ما يفعله الناس حقاً وفعلاً فالكلمة كما يقول الفرنسي بول فين: “تعبر بوضوح عن معناها ” وإذا كانت بمعنى من المعاني (محتجبة) كالجزء المحتجب من جبل الجليد، فذلك هو ما تجهد القوى المهيمنة والمتسلطة والقابضة على السلطان والنفوذ في إخفائه على الدوام بما تثيره من زوابع ونقع كثيف يظلل أرض المعركة بالدخان والغبار، وهذه هي الوظيفة الجوهرية للايدولوجيا السياسية، إنها العمل الدءوب على إخفاء وحجب الواقع السياسي الفعلي في عالم الممارسة المتعينة.وهكذا جاءت ثورة الطلبة التي انطلقت شرارتها الأولى في في جامعة كولومبيا ثم اشتعلت في عموم الجامعات الأمريكية وطارت شراراتها إلى الجامعات الأوروبية في كندا وفرنسا وغيرهما بوصفها تعبيرا عن المزاج العالمي الجديد وهذا ما رصده الاستاذ عبدالله سلام الحكيمي بقوله: ” إن اهم ملمح يلحظ في  ثورة الطلاب التي انطلقت من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية انها ذات منزع اممي ،انها متجاوزة للديانات والاعراق، بشارك فيها مجاميع رئيسية من اليهود الرافضين للصهيونية والمسبحيين والمسلمين والبوذيين والبيض والسود والملونين شبان وشيوخ  نساء ورجال الخ يشكلون موزاييك انساني متحد على هدف سام واحد يرفض الحروب ويدعو الى السلام  يثور على الظلم والقمع  والاضطهاد  ويسعى الى بث روح المحبة والسلام في ربوع كوكبنا الانساني كله وفي ظني ان هذه القيم والاهداف النبيلة هي مفتاح انتصارها العالمي حين تصطف معها نقابات العمال وجمعيات المزارعين والمهمشين ورجال الفكر والثقافة من يسار وطبقة وسطى يحقتها الراسمالية المتوحشة وشطبت دورها الاجتماعي السياسي المحوري في المجتمع واذا كانت الثورة الطلابية العالمية التي اندلعت  بين عامي ١٩٦٨-١٩٧٧ قد احدثت تغيرات وتحولات جوهرية على منظومة النظام العالمي مجمل سياسات وقيم الدول الوطنية على نحو ايجابي فان ثورة اليوم ستكون اكثر عمق وجذرية، فلننتظر قليلا لنرى”ينظر ، عبدالله سلام الحكيمي، منشور في الفيسبوك، الثلاثاء،30 أبريل، 2024م).

The post ثورة الطلبة الأمريكان ولاهوت التعايش appeared first on بيس هورايزونس.

مشاركة الخبر: ثورة الطلبة الأمريكان ولاهوت التعايش على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

نصائح مهمة من الصحة لتفادي ارتفاع درجات الحرارة

نصائح مهمة من الصحة لتفادي ارتفاع درجات الحرارة

منذُ 4 دقائق

وجهت وزارة الصحة والسكان عددا من النصائح لحماية المواطنين من المضاعفات الصحية الناتجة عن موجة ارتفاع درجات الحرارة...

وزيرة التضامن تستقبل محافظ جنوب سيناء ويستعرضان الموقف التنفيذي للقرية التراثية

وزيرة التضامن تستقبل محافظ جنوب سيناء ويستعرضان الموقف التنفيذي للقرية...

منذُ 4 دقائق

استقبلت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي السيد اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء والوفد المرافق له وذلك بحضور...

سقيم العشق

سقيم العشق

منذُ 5 دقائق

محمد شمسان يعذبني الليل عند السهر ويسكنني الخوف عند الكدر ويخذلني الصبر إن طال هجري كما يخذل الفجر ضوء القمر وأصبحت في...

صنعاء حشود جماهيرية غفيرة تجدد تضامنها الكامل مع غزة

صنعاء حشود جماهيرية غفيرة تجدد تضامنها الكامل مع غزة

منذُ 6 دقائق

شهدت العاصمة صنعاء عصر اليوم حشودا مليونية في مسيرة مع غزة جهاد مقدس ولا خطوط حمراء تأييدا لتقوية المرحلة الرابعة من...

أونروا 630 ألف فلسطيني أجبروا على الفرار من رفح
أونروا 630 ألف فلسطيني أجبروا على الفرار من رفح
منذُ 6 دقائق

أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا أن أكثر من 630 ألف فلسطيني أجبروا على الفرار من رفح جنوبي قطاع غزة منذ...

الحوثي تعلن إسقاط طائرة أمريكية مسيرة في أجواء مأرب شاهد
الحوثي تعلن إسقاط طائرة أمريكية مسيرة في أجواء مأرب شاهد
منذُ 7 دقائق

أعلنت القوات المسلحة اليمنية إسقاط طائرة أمريكية MQ9 أثناء قيامها بأعمال عدائية في أجواء محافظة...

widgets إقراء أيضاً من هورايزونس

سقيم العشق
بعد أقل من ساعتين على الغارات الأمريكية البريطانية الأخيرة قوات صنعاء ترد بقوة في باب المندب
وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات تحتفي باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات بيان
الماجستير بامتياز للباحثة نجلاء عبدالرحمن عبدالله أبو طالب من كلية الحاسبات والمعلوماتية بجامعة ذمار