عن جدوى حملات مقاطعة السلع المحلية في مصر

عن جدوى حملات مقاطعة السلع المحلية في مصر

تم نشره منذُ 2 اسبوع،بتاريخ: 30-04-2024 م الساعة 02:04:47 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2083329.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

في مصر انطلقت حملة واسعة النطاق لمقاطعة سلع كثيرة أبرزها اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك وبيض المائدة وسلع غذائية أخرى، وذلك في محاولة أخيرة لإجبار التجار على خفض الأسعار الملتهبة والتي باتت تفوق قدرات معظم المصريين، ووقف الظلم المعيشي والغبن الاجتماعي البيّن والنزيف المالي المتواصل لجيوب الجميع.

بدايةً، من حق المستهلك أن يقاطع السلع والمنتجات مرتفعة السعر، أو تلك التي تفوق كلفتها دخله وقدرته الشرائية، وبالتالي فإن حيازتها وشراءها يمثلان ضغطا ماليا شديدا عليه وعلى أسرته. هنا يكون القرار هو الاستغناء كرها أو طوعا.

ذلك لأن المواطن هنا قد لا يمتلك بدائل كثيرة وسيولة نقدية كافية لتلبية احتياجاته من السلع والخدمات في ظل حكومة عاجزة عن ضبط حركة الأسواق، وفرملة قفزات أسعار السلع، ومكافحة الاحتكارات الشرسة، ولعب دور السمسار لا الرقيب وضابط الأسواق.

الحكومة تدخل أحيانا في تحالف مع المحتكرين على حساب المواطن، وبعض مؤسسات الدولة نفسها تمارس سياسة الاحتكار

والأهم أنها عاجزة عن زيادة المعروض من السلع في الأسواق عبر التدخل كصانع سوق، وضخ المزيد من البضائع والمنتجات التي تشهد نقصا أو زيادة غير مبررة في السعر، أو خفض كلفة الواردات من خفض الجمارك وضريبة القيمة المضافة وغيرها.

وأسباب العجز كثيرة منها بيع أصول الدولة ومئات الشركات العامة التي كانت تمثل منتجاتها نقطة توازن للأسعار ومنافسة لسلع القطاع الخاص، وأحياناً دخول الحكومة في تحالف مع المحتكرين على حساب المواطن، وأحيانا أخرى ممارسة بعض مؤسسات الدولة نفسها سياسة الاحتكار وسحب سلع من الأسواق بهدف زيادة سعرها، وبالتالي هنا لا يفرق المستهلك بسهولة بين سلوك الحكومة وممارسات المحتكرين.

في ظل ذلك الفشل الحكومي، من حق المستهلك أن يمتنع عن شراء السلع التي تمثل ضغطا شديدا عليها حتى ولو كان بحاجة ملحة إليها، هنا يمكن استثناء بعض السلع الغذائية الحياتية مثل الخبز والجبن والبيض والألبان والتي تعني مقاطعتها التعرض لخطر الموت، حتى اللحوم والأسماك بدأ المواطن في مصر مقاطعتها، ولا أتحدث هنا عن مقاطعة السلع الأخرى مثل السيارات والأجهزة الكهربائية والمنزلية الحديثة، فتلك باتت عصية على جيوب الطبقة المتوسطة، فما بالنا بالطبقة الفقيرة.

لكن مقاطعة المواطن السلع مرتفعة السعر ليست هي الحل الأمثل لمواجهة قفزات الأسعار، ذلك لأن للمقاطعة مخاطرها الشديدة على الإنتاج والأسواق المحلية، وقدرة المصانع والمشروعات المختلفة على الإنتاج والتصدير.

فمقاطعة سلعة ما تعني إغلاق عشرات بل ومئات المصانع وتسريح العمال، خاصة وأن القطاع الصناعي يعاني أصلا من أزمات عنيفة ناتجة عن زيادة كلفة الإنتاج وتعرفة الكهرباء والغاز والرسوم الحكومية وتكاليف الفساد والبيروقراطية وغيرها.

مقاطعة السلع المحلية تعمق كساد الأسواق والركود التضخمي، وهذا يمثل خطرا شديدا على الاقتصاد وإيرادات الدولة

ومقاطعة السلع المحلية تعمق كساد الأسواق والركود التضخمي، وهذا يمثل خطرا شديدا على الاقتصاد وإيرادات الدولة من ضرائب ورسوم وغيرها، ومن ثم تؤثر على المواطن الذي بات لا حول له ولا قوة أمام فشل حكومي واسع النطاق، وسياسات رسمية تعتمد على الاقتراض الخارجي والمحلي، وتتجاهل تنشيط الصناعة والإنتاج المحلي والصادرات وإيرادات النقد الأجنبي.

والحل هنا يبدأ من الدولة لا من المواطن المثقل بالأعباء، فالدولة هي المسؤول الأول عن قفزات الأسعار المتلاحقة، فهي التي تعوم العملة المحلية من وقت لآخر، وتؤدي سياساتها المالية إلى تهاوي قيمة الجنيه مقابل الدولار وبالتالي زيادة كلفة الواردات والسلع القادمة من الخارجي والتي تغطي نحو 70% من احتياجات الأسواق.

والحكومة هي التي ترفع قيمة الدولار الجمركي وأسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز ومازوت ومواصلات عامة، وهي التي ترفع الضرائب والرسوم لدرجة أنها باتت تمثل أكثر من 75% من إيرادات الدولة، والحكومة هي التي أغرقت البلاد في ديون قياسية محلية وخارجية، وأنها هي التي ترفع تكلفة الحياة والمعيشة على المواطن لسداد أعباء تلك الديون.

وبالتالي من يحضر عفريت التضخم والغلاء الفاحش عليه أن يصرفه، ولا تقع المهمة هنا على المواطن الذي من حقه أن ينعم بثروات بلاده في شكل خدمات صحية وتعليمية وبنية تحتية مقبولة.

نحن أمام حقيقة تقول إن أسعار السلع لم تعد في متناول معظم المواطنين، والحكومة هي المسؤول الأول عن معالجة هذا الأمر بالدرجة الأولى، هذا ما تفعله كل الأنظمة والحكومات المنتخبة.

وعندما يخرج أي مسؤول مطالبا المستهلك بمقاطعة السلع مرتفعة السعر فإنه هنا يسكب الزيت على النار، ويزيد أزمات الأسواق وتعقيدات المشهد الاقتصادي، والمواطن وحده هو من يدفع التكلفة و"يحاسب على المشاريب" في النهاية.

مشاركة الخبر: عن جدوى حملات مقاطعة السلع المحلية في مصر على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

الاحتلال يقدم خطة لمصر من أجل إعادة تشغيل معبر رفح

الاحتلال يقدم خطة لمصر من أجل إعادة تشغيل معبر رفح

منذُ 21 دقائق

قال موقع عبري إن الاحتلال قدم خطة لمصر من أجل فتح معبر رفح تتضمن إبقاء السيطرة العسكرية على محيطه والإشراف الأمني...

مصادقة على مشروع قانون لتجنيد الحريديم تثير جدلا بأوساط الاحتلال

مصادقة على مشروع قانون لتجنيد الحريديم تثير جدلا بأوساط الاحتلال

منذُ 21 دقائق

أثارت مصادقة لجنة بحكومة الاحتلال على مشروع قانون لتجنيد الحريديم جدلا واسعا بأوساط...

ملاحقة خطابات الكراهية والشر

ملاحقة خطابات الكراهية والشر

منذُ 36 دقائق

محاولات شق الصف باتت هي الأداة التي يستخدمها الأعداء في سعيهم البائس لزرع الانقسام هم مثل الأفاعي التي...

أبناء جنوب لبنان لا نريد الحرب حزب الله ورطنا

أبناء جنوب لبنان لا نريد الحرب حزب الله ورطنا

منذُ 36 دقائق

لم يبق في منازل الجنوبيين إلا صور الشهداء هكذا يريدون أن نعيش في حزن مستمر هل قائد المقاومة يرضى بما...

تركيا السجن عشرات السنوات في حق اثنين من زعماء حزب مؤيد للأكراد على خلفية حصار كوباني
تركيا السجن عشرات السنوات في حق اثنين من زعماء حزب مؤيد للأكراد على خل...
منذُ 42 دقائق

أصدر القضاء التركي الخميس أحكاما بالسجن على عدد من الأشخاص أبرزهم الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين...

العثور على حطام مسيرة يعتقد أنها أمريكية بعد سقوطها شرق اليمن شاهد
العثور على حطام مسيرة يعتقد أنها أمريكية بعد سقوطها شرق اليمن شاهد
منذُ 1 ساعة

عثر على حطام طائرة مسيرة في محافظة مأرب شمال شرق اليمن بعد سقوطها في ساعة متأخرة مساء...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

هنية عن اليوم التالي حماس وجدت لتبقى وإدارة غزة شأن فلسطيني
دعوات لسحب استثمارات جامعة جورج تاون في شركات تدعم جيش إسرائيل
عائلة هريش الفلسطينية هكذا كبدها الاحتلال معاناة الاعتقال
فضيلة الصمت بين إسرائيل وإيران