لافتة إدوارد سعيد والحراك الطلابي

لافتة إدوارد سعيد والحراك الطلّابي

تم نشره منذُ 1 اسبوع،بتاريخ: 08-05-2024 م الساعة 07:44:49 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2089986.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

تشهد الجامعات الأميركية، منذ أيام، احتجاجات طلّابية مكثّفة، للتنديد بحرب الإبادة في غزّة، والتعبير عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني في مأساته التي طال أمدها. فمِن شرق الولايات المتّحدة إلى غربها، يُنظّم الطلّاب مخيّمات جامعية شعبية في جوّ من الالتزام والجدّية مثير للانتباه، وذلك بالرغم من حملات التخويف والمضايقة المستمرّة. وتطالب هذه الحركات الطلّابية الجامعات بسحب الاستثمارات من المؤسّسات والشركات التي تدعم الاحتلال وتشارك، من قريب أو بعيد، في الحرب المدمّرة على غزّة.

وفي إطار متابعتي لهذه الحركة الطلابية الواسعة، لفتت انتباهي أخيراً صورةُ طالبة في نيويورك تحمل لافتة كُتب عليها هذا السؤال: "يا جامعة كولومبيا، لماذا تطلبين منّي أن أقرأ للأستاذ إدوارد سعيد إن كنتِ لا تودّين أن أستعمله؟". ولعلّ هذا السؤال في حدّ ذاته يستحقّ وقفة تأمّلية، لكونه يختزل مجموعة من الدروس المهمّة في الظرفية الراهنة.  

أوّلاً، إن كون السؤال موجّهاً مباشرةً للجامعة إشارةٌ واضحة إلى درجة الوعي السياسي والحسّ النقدي لدى الجيل الجديد من الطلّاب. فتطلُّعات هذا الجيل وانتظاراته تتجاوز قاعات الدروس والمحاضرات، لتبحث عن تحقيق نوع من الانسجام بين التكوين الأكاديمي والانخراط في القضايا المجتمعية والسياسية، بما فيها القضية الفلسطينية. إذ إنّ سؤال اللافتة في الوقت نفسه استفهامٌ استنكاري حول المغزى البعيد للبرامج والمناهج الأكاديمية، ودعوة ضمنية إلى التفكير الجاد في واجبات الجامعات والمؤسّسات التعليمية تجاه طلّابها، ولا سيما في ما يتعلّق بتكريس مبادئ حرّية التعبير والتجمّع السلمي.

وضعُ التجربة الفلسطينية أمام أعين الطالب الأميركي

ثانياً، يُبيّن سؤال اللافتة، بوضوح، أنّ شخصية إدوارد سعيد وأعماله لا يزال لها تأثير كبير في الجامعات الأميركية، خصوصاً في ما يخصّ المسألة الفلسطينية، وهذا ليس بالأمر المفاجئ. ذلك أنّ سعيد لم يكن مجرَّد أستاذ جامعي للنقد الأدبي والأدب المقارن في "جامعة كولومبيا"، وأحدَ مؤسّسي الدراسات ما بعد الكولونيالية، بل جسّد، أكثر من أي شخص آخر، نوعاً من الاستمرارية البنيوية بين العمل الأكاديمي والالتزام السياسي من خلال موقعه المتميّز كمفكّر فلسطيني-أميركي ومثقّف شامل ومتعدّد المواهب.

ولعلّ دفاع سعيد المستميت عن القضية الفلسطينية ومجهوداته الكبيرة لتقريب الرأي العام الأميركي والغربي من هذه القضية وللتصدّي لخطاب الكراهية قد آتت الآن ثمارها بشكل لا يقبل الشكّ. فعلى سبيل المثال، في مقدّمة كتابه "مسألة فلسطين"، الصادر سنة 1979، يشير سعيد إلى أنّ هدفه وضع ما يسمّيه التجربة الفلسطينية أمام أعين القارئ الأميركي وحثّه على التفاعُل معها على المستويَين، الفكري والسياسي. 

ثالثاً، إنّ في مساءلة الطالبة لجامعتها من خلال اللافتة دعوة ضمنية إلى ضرورة تقليص الفجوة التي تفصل بين الجامعة والمجتمع، وبين النصوص النظرية والممارسة الفعلية. كيف للجامعات أن تواصل تدريس أعمال إدوارد سعيد دون أن تأخذ بالاعتبار العلاقة الوطيدة بين أفكاره والتحوّلات التاريخية؟ إلى أيّ حدّ يمكن للمقرّرات الجامعية أن تبقى بعيدة عن التطوّرات الميدانية ونبض الشارع؟ أما حان الوقت لتقريب الجامعة من محيطها المجتمعي وتسليط المزيد من الضوء على الأصوات الفلسطينية، بما في ذلك من خلال الكتابات والإسهامات الموجّهة للرأي العام؟ لا يقتصر الأمر هنا على الأعمال النقدية والدراسات السياسية، فالاهتمام المتزايد بالأدب والشعر الفلسطيني مثلاً، بما في ذلك في الولايات المتّحدة وأوروبا من خلال تسارع وتيرة الترجمة، يشير بدوره إلى ضرورة التفكير في الجامعة كفضاء كفيل بمواكبة هذه الدينامية وتطوير المهارات النقدية والإبداعية للطلبة بشكل يساعدهم على فهم القضايا السياسية والتفاعل معها. 
 
من جهة أُخرى، إنّ مشاهد اعتقال العديد من الطلبة والأساتذة في إطار الحراك الذي تعرفه الجامعات الأميركية منذ أيام، تُعيد إلى الأذهان ما عاشه إدوارد سعيد من ضغوطات ومضايقات كان هدفُها ربما التشويش على مساهماته الفكرية وإثارة الجدل حول أعماله. وقد تحدّث سعيد في مرّات عديدة عن هذا العنف الذي لحقه من جرّاء مواقفه الجريئة وثباته في نضاله الفكري والسياسي. أمّا اليوم، فإنّ الحضور الملحوظ لاسم إدوارد سعيد على اللافتات والشعارات التي يرفعها الطلّاب ليس مجرّد إشادةٍ بإرثه الفكري أو تكريمٍ رمزيٍّ عابرٍ لإسهاماته، بل رسالة تذكيرية بمسؤولية الأساتذة الجامعيّين والمفكّرين والباحثين في نقل معرفة متجذّرة في الواقع السياسي وبناء أسس فكر نقدي ملمٍّ بالخلفية التاريخية والبعد الأخلاقي لقضايا العصر، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.


* كاتب وناقد مغربي مقيم في الولايات المتّحدة، وأستاذ في قسم الآداب بجامعة "شيكاغو"

مشاركة الخبر: لافتة إدوارد سعيد والحراك الطلّابي على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

مقدمات الكتب إدوارد سعيد يواصل تقديم كتاب الاستشراق 2

مقدمات الكتب إدوارد سعيد يواصل تقديم كتاب الاستشراق 2

منذُ 49 دقائق

نواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف اليوم مع كتاب الاستشراق المفاهيم الغربية للشرق للمفكر الفلسطيني الأصل إدوارد سعيد...

الأغنياء من الكتاب مؤلفة هاري بوتر داخلة على المليار

الأغنياء من الكتاب مؤلفة هاري بوتر داخلة على المليار

منذُ 49 دقائق

اقتربت مؤلفة سلسلة هاري بوتر جيه كيه رولينج من لقب الملياردير بعد أن شهدت ثروتها تضخما بمقدار 70 مليون جنيه إسترليني في...

الرئيس المكسيكي ينصح الشباب بالقراءة تعرف على كتب اختارها

الرئيس المكسيكي ينصح الشباب بالقراءة تعرف على كتب اختارها

منذُ 49 دقائق

نصح الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور بقراءة أعمال فيودور دوستويفسكي وليف تولستوي وفلاديمير لينين وكتب أوبرادور...

الزمالك بطلا للكونفدرالية على حساب نهضة بركان المغربى

الزمالك بطلا للكونفدرالية على حساب نهضة بركان المغربى

منذُ 49 دقائق

سجل احمد حمدي هدف فوز الزمالك على نهضة البركان في مباراة نهائي بطولة الكونفدرالية ليصبح الزمالك بطلا الكونفدرالية واجه...

أول تعليق للمرشد الأعلى الإيراني على حادثة طائرة رئيسي
أول تعليق للمرشد الأعلى الإيراني على حادثة طائرة رئيسي
منذُ 50 دقائق

قال المرشد الأعلى الإيراني إن على الشعب أن يطمئن فلن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد وذلك على خلفية الحادث الذي تعرضت...

الزمالك يهزم نهضة بركان ويتوج بكأس الاتحاد الأفريقي للمرة الثانية في تاريخه
الزمالك يهزم نهضة بركان ويتوج بكأس الاتحاد الأفريقي للمرة الثانية في ت...
منذُ 50 دقائق

توج فريق الزمالك المصري بلقب كأس الاتحاد الإفريقي للمرة الثانية في تاريخه عقب فوزه على ضيفه فريق نهضة بركان المغربي...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

مراسل العربي الجديد بعثة إيران بالأمم المتحدة تؤكد صحة تقارير عن مفاوضات غير مباشرة بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين في مسقط
فشل الاستفتاء البلدي في شمال كوسوفو بسبب مقاطعة الناخبين
بن غفير عن غانتس قائد صغير منافق وكاذب
المطرية تهتف لفلسطين في اليوبيل الفضي لإفطارها الأشهر بمصر