الخوف من الرأي المختلف

الخوف من الرأي المختلف

تم نشره منذُ 1 اسبوع،بتاريخ: 10-05-2024 م الساعة 03:01:40 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2091705.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

لا يمكن الوثوق بأيّ مثقفٍ يدّعي التنويرية وهو يدعم أنظمة الاستبداد العربية في مختلف أشكالها، ولا يمكن الوثوق بأيّ حركةٍ تنويريةٍ ليس من أهدافها السعي إلى تفكيك الأسس التي تقوم عليها الذهنية الاستبدادية، وكشف الارتباط الذي يجمع بين المؤسّسات السياسية الحاكمة بمنظوماتها كلّها والمؤسّسة الدينية، التي لن تجد داعماً أفضل من أنظمة الاستبداد الحالية لإبقاء الشعوب تحت سيطرتها. التنويري الحقيقي مثقف شجاع يُدرك المخاطر التي سيتعرّض لها حين يحاول طرح أفكاره، لا من جموع الغوغاء فقط، وإنّما من الأنظمة الاستبدادية التي سيساورها القلق من فِكَرٍ قد تغيّر حال الشعوب وآليات تفكيرها؛ ذلك أن تغيير آليات تفكير الشعوب سوف ينعكس لا على الواقع السياسي والاجتماعي فقط، بل أيضاً على الواقع الاقتصادي، وهو أكثر ما تحاول الأنظمة السيطرة عليه ضماناً لبقائها واستمراريتها في الحكم إلى الأبد.
والحال إنّ علاقة الأنظمة السياسية بالمؤسّسات الدينية تشبه علاقة الزواج، إذ تسعى الأنظمة إلى جعل المؤسّسات الدينية واحدة من أدواتها السلطوية اليومية ضدّ الشعوب، لكنها تخاصمها، أحياناً، إن اقتضت المصلحة، وتقطع عنها مصادر التمويل، وتحاول طلاقٍ معها، غير أنّها سرعان ما تعيدها إلى عصمتها عندما تجد أنّ تلك المؤسّسات بدأت البحث عن شرعيةٍ أخرى قد تجدها في مطالب الشعوب، تلعب هنا المؤسّسة الدينية دور الزوجة المُتمرّسة التي تعرف جيداً كيف تثير غيرة زوجها، لكن عينها تبقى عليه دائماً وأبداً. هكذا، يستمرّ التحالف بين المؤسّستين ضد الشعوب/ رعايا المؤسّستيْن. وحين نتحدّث عن مؤسّسة دينية ما، فنحن نقصد المؤسّسات بمذاهبها كلّها، من جهة، وبأشكالها كلّها، سواء الرسمية أو التي تعارضها، من جهة أخرى، ذلك أنّ ما حدث في عصرنا الحديث، عربياً، على الأقلّ، أثبت أنّ كلّ الحركات الدينية المعارضة للأنظمة وحلفائها علناً، تلتقي معها في غير أمكنة، طالما يكفل هذا اللقاء بقاء الشعوب مُعطّلة عن استخدام العقل والتفكير، والشك والسؤال، والبحث عن هويّة أكثر رحابة واتساعاً. 
من هنا، يجب، بدايةً، نقد مؤسّسي مشروع تكوين (التنويري) الهادف لتجديد الخطاب الديني، والذي أعلن عنه، أخيراً، في القاهرة، ذلك أن لا أحدَ من مؤسّسيه لديه موقف واضح ومعلن من منظومة الاستبداد العربية على اتساع رقعة العالم العربي، خصوصاً من النظام السوري، الذي سبّب كلّ هذا الخراب لسورية والسوريين، وتسعى الأنظمة العربية الأخرى لإعادة تدويره عربياً ودولياً، كما لو أنّهم يحمّلون السوريين الضحايا، مسؤولية مصيرهم، هذا عدا عن أنّ لبعض المؤسّسين مواقف مُؤيّدة للأنظمة الحاكمة، وكأنّ الخراب في الشارع العربي، والتخلف والجهل والاحتماء بالغيبيات، سببه الخطاب الديني فقط، وليس استخدام هذا الخطاب من الاستبداد السياسي. 
يمكن فهم الهيجان الشعبوي على وسائل التواصل الاجتماعي ضدّ مشروع "تكوين"، ذلك أنّ طرح الأسئلة في الأمور التي يعتبرها كُثُرٌ مسلّمات، يمكنه أن يخلخل بعض الثوابت، وهذا أمر، بالتأكيد، يسبّب الخوفَ لمن اعتاد طويلاً على الركون لإيماناته واعتبار الشكّ إفكاً وكفراً. ويمكن أيضاً فهم محاولات ربط توقيت المشروع مع الحدث الفلسطيني لنسف فكرة المشروع كلّها، فنحن شعوب اعتادت رؤية "المؤامرة" خلف أيّ حدث عام. كما يمكن فهم تحريض المؤسّسات الدينية الرسمية وغير الرسمية ضدّ المشروع ففيه، إذا نجح واستمر، سحب ولو قليلاً للبساط من تحت أقدامها. لكن غير المفهوم هو محاولة كثيرين من المثقفين العرب تسفيه المشروع وتسفيه مؤسّسيه، والتحريض عليهم وشتمهم، واتهامهم بشتّى الاتهامات، فيختلط في وسائل التواصل آراء الغوغاء بآراء المثقّفين، لنصبح في أكبر هجوم شعبوي افتراضي ضدّ مشروع لم يظهر منه بعد إلا رؤوس أقلام، وصورة زجاجة بيرة ركّبها أحدهم باستخدام تقنية فوتشوب على طاولة أمام المجتمعين، هاج مثقفون عرب ضدّها، وماجوا من دون أدنى محاولة للتفكير في حقيقة الصورة.  
ما الذي استفزّ المُثقّفين العرب في مشروع تكوين؟ إذا كان المؤسسون ليسوا مؤهلين لتجديد الخطاب الديني كما يرى كُثُرٌ فإنّ المشروع سوف ينتهي مع بداياته، ما الداعي إذاً لهذا التحريض كلّه، والشتيمة والاستهزاء؟ ثمّ أليس من المفروض أن يؤمن المثقفون بحرّية الرأي؟ أليس من الواجب دعم أيّ حراك يتيح لو القليل جداً من الاختلاف، في وقت تعاني فيه مجتمعاتنا من الصوت الاستبدادي الواحد، سواء السياسي أو الديني؟

مشاركة الخبر: الخوف من الرأي المختلف على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

بمناسبة مرور ٩٢ عاما على إنشائها  مكتب مصر للطيران بنيودلهي ينظم احتفالية كبرى

بمناسبة مرور ٩٢ عاما على إنشائها مكتب مصر للطيران بنيودلهي ينظم احتفا...

منذُ 55 دقائق

تزامنا مع احتفال مصرللطيران بمرور ٩٢ عاما علي إنشائها قام مكتب مصر للطيران بنيودلهي بتنظيم احتفالية كبرى بحضور العديد...

سلطة الطيران المدنى تشارك في ورشة العمل الأولى حول  تقنيات التدقيق والتفتيش بالتعاون مع إدارة أمن النقل الأمريكية TSA بالعاصمة القبرصية لارنكا

سلطة الطيران المدنى تشارك في ورشة العمل الأولى حول تقنيات التدقيق وال...

منذُ 55 دقائق

في إطار التنسيق والتعاون الدائم بين مصر وجميع دول العالم في مجال الطيران المدني شارك وفد من سلطة الطيران المدنى المصرى...

أسبوع ثقافي مغربي بفرنسا بحضور عمدة مدينة إبيناي سور سين

أسبوع ثقافي مغربي بفرنسا بحضور عمدة مدينة إبيناي سور سين

منذُ 55 دقائق

بحضور عمدة المدينة هيرفي شيفرو والقنصل العام لمدينة كولومب صباح آيت البشير والنائب عن حزب فرنسا الأبية إريك كوكيريل...

رئيس الوزراء يتابع إجراءات وضع سقف للاستثمارات العامة

رئيس الوزراء يتابع إجراءات وضع سقف للاستثمارات العامة

منذُ 55 دقائق

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء اجتماعا اليوم بشأن الإجراءات التي من شأنها وضع سقف للاستثمارات العامة بحضور...

مناورة بحرية بترولية بالعلمين بالتزامن مع حفر أول بئر بالمياه العميقة غرب المتوسط
مناورة بحرية بترولية بالعلمين بالتزامن مع حفر أول بئر بالمياه العميقة ...
منذُ 55 دقائق

شهد المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية انطلاق فعاليات المناورة العملية لمحاكاة مكافحة تلوث بحرى بالمواد...

الخدمة المدنية تعلن الأربعاء إجازة رسمية
الخدمة المدنية تعلن الأربعاء إجازة رسمية
منذُ 56 دقائق

أعلنت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات لجميع موظفي وحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط أن يوم...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

توتر في كابينت الحرب الإسرائيلي غانتس قدم طلبات إلى نتنياهو
عائلة وليد دقة تستنكر احتجاز جثمانه بعد استشهاده في سجون الاحتلال
هل الصبح قريب
مراسلة العربي الجديد قصف إسرائيلي يستهدف أطراف بلدات الضهيرة والناقورة وطيرحرفا جنوبي لبنان