مبادرة ترجم والفتح الترجمي
التأليف إبداع صرف، والترجمة اعترافٌ به وإدراك له وإبداع فوق الإبداع لنقل هذا النّشاط بمكوّناته المعرفيّة لتحقيق التّواصل الحضاري والتّفاعل الفكري بين المجتمعات من منظور المناهج اللسانيّة، والتأويليّة، ونظريّات التّرجمة التي اشتدّ عودها في العقود الثّلاثة الأخيرة. وفي هذا أتّفق مع رأي المُفكّر والنّاقد الفرنسي هنري ميشونك الذي يرى أنّ "النّص والمترجم يتناوبان في خلق المعنى والجوهر بأدائهما المتقن للغة والاتجاهات الفكريّة والموضوعيّة للنّص المعنيّ".
لا شكّ في أنّ التّرجمة الأدبيّة تختلف عن أنواع التّرجمة الأخرى من حيث سعيها إلى تحقيق أهداف جماليّة، واشتراطها وجود سعة خيال واطلاع في المُترجم، مع القدرة على التّحكّم بالصّياغة باختلاف بناها التّركيبيّة، لكنّ التّرجمة الأدبيّة تزداد صعوبة إذا كانت مراوحة بين لهجة ولغة.
إنّ المُترجم للأدب السُّعودي، والخليجي بشكل عام، مطالب باختراق حاجز اللهجات، ودراستها دراسة واعيّة دون الاقتصار على إيجاد مكافئ ثقافي للمترادفات في اللغة الهدف، وهو مُطالب بالبحث في تاريخ اللهجة قبل ترجمة العمل الأدبي، وهو حتمًا بحاجة إلى قراءات استمتاعيّة، واستيعابيّة، وتحليليّة للكتاب قبل ترجمة أي كتاب. تأويل المُترجم الخاطئ لكلمات اللهجات قد يرجع إلى فهمه المحدود والخاطئ للهجات والتّعبيرات السّعوديّة، واكتفاؤه بمرادف الكلمات في المعاجم، كما قد يرجع إلى غفلته عن الفروقات الجوهريّة بين لهجات أهل البادية والسّاحل، والإحالات التّاريخيّة، والمُتغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة التي شهدتها دول الخليج العربيّة. تزداد صعوبة التّرجمة إذا كانت فيها مراوحة بين الفصحى واللهجة؛ ذلك لأنّ اللهجات مُتغيّرة وتكتسب دلالاتها من بيئتها وعوامل أخرى، وفيها ابتكار وإبداع في استخدام الاستعارات والصّور المجازيّة. ثقافة مفهومة وواضحة لمن يستخدمها يوميًّا، وعلى المُترجم الحاذق الإلمام بها إنّها خاضعة لإعادة بناء مُستمر، وهي عرضة للانزياح الثّقافي. إنّ ترجمة الأدب السّعودي إلى لغات أخرى موضوع إشكالي نابع من زخمه التّاريخي وحمولته الثّقافيّة الكبيرة.
تخصّصي في مجال التّرجمة يؤهلني لأقول إنّ في تولي الأديب لمشروع عقد الاتفاقات مع المترجمين ودور النشر بنفسه خطورة كُبرى تتمثّل في لجوء المُترجم الغربي إلى التّوطين الصّرف، وتحريف مقصد الكاتب فتقل جودة التّرجمة، ويُستقبل كتابه عند الآخر بعين الشّك والتنميط والتّحجيم. إنّ مشروع نقل الأدب السّعودي -والعربي بشكل عام- إلى لغات أخرى لا يمكن أنْ يتحقّق إلّا بتعاضد الأفراد مع المؤسسات، وهذا ما لمسته في أثناء عملي في وكالة كلمات الأدبيّة على مشروع ترجمة الأدب السّعودي بتمويل وإشراف من مبادرة ترجم؛ جهة رقابيّة ومُحترفة رَفَعت سقف التّرجمة في الوطن العربي خلال فترة وجيزة. جهة مُتخصّصة تضمن حقّ المترجم وتوفر له مساحة كبيرة للإبداع في ترجمته دون إخلال بالأصل، وتضمن حق المؤلف السّعودي في نشر عمله بترجمة دقيقة بعيدة كل البُعد عن تطويع النّص لتأويلات واعتبارات المُترجم والسّوق الغربيّة. المُحصّلة النّهائية في كل التّرجمات الصّادرة عن المبادرة تشترك في وجود أقل قدر للفاقد التّرجمي، ودقّة للأصل، واحترام لأسلوب المترجم دون فرضٍ لأي وصاية تعيقه عن إتمام إبداعه، وتقدير للكاتب السّعودي ونِتاجه الفِكري، وتقويم لصناعة النّشر في المملكة العربيّة السّعوديّة. جهودٌ جبّارة تسير بعوالم النشر، والوكالة الأدبيّة، والتّرجمة، والتأليف نحو العالميّة برسوخ لا حياد عنه. فتحٌ تُرجمي قد وضع ترجمة الأدب السّعودي بين أيدٍ أمينة حريصة كل الحرص عليه.
مترجمة عن الإيطالية والإنجليزيةمشاركة الخبر: مبادرة ترجم والفتح الترجمي على وسائل التواصل من نيوز فور مي