حاجز نتساريم... الاحتلال يتحكم في حياة سكان غزة
ينشر جيش الاحتلال مئات من أفراده عند حاجز نتساريم الذي بات يعتبر نقطة تفتيش رئيسية في وسط قطاع غزة، وشهد اعتقال عشرات من النازحين الفلسطينيين والتنكيل بمئات آخرين أو سرقة أغراضهم.
قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان سكان قطاع غزة يحتاجون إلى ساعة من الزمن عبر السيارة لقطع المسافة من أقصى شمالي القطاع إلى أقصى جنوبه، ويستخدمون في ذلك شارعاً واحداً، إما شارع الرشيد أو شارع صلاح الدين، وخلال الأشهر الأخيرة أجبر كثيرون منهم على النزوح من المنطقة الشمالية إلى جنوبي القطاع، فقضوا في تلك الرحلة ساعات طويلة مشياً على الأقدام، فضلاً عن الانتظار لعبور حاجز نتساريم الإسرائيلي.
ويرفع جيش الاحتلال بالقرب من الحاجز لافتة بالغة العربية مكتوب عليها "انتباه. خفف السرعة. أمامك نقطة تفتيش آمنة"، وعليها علامات تحذير بمنع السلاح والهواتف والعربات الصغيرة، كما تطالب بإظهار الهوية الفلسطينية، وخلال فترة الانتظار يقوم الاحتلال بالتدقيق على من يمرون بتمعن، ويعتقل عدداً منهم، أو يستجوب آخرين لساعات.
في التاسع من يوليو/تموز الماضي، خرج العشرات من سكان المنطقة الشمالية، وتحديداً من المنطقة الشرقية لمدينة غزة، مشياً على الأقدام لاجتياز حاجز نتساريم بسبب التهديدات والضغوط المستمرة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي لإخلاء المنطقة الشمالية، ومطالبتهم بالنزوح إلى المنطقة الجنوبية، بهدف حصرهم في المنطقة التي لا يزال يدعي أنها إنسانية، والتي يقوم بتضييق مساحتها بشكل متواصل.
يعتقل الاحتلال على الحاجز عدداً من النازحين ويستجوب آخرين
عند وصولهم إلى الحاجز في المساء، تم إيقافهم جميعاً، وتعرضوا للتنكيل، وأطلق الجنود الكلاب نحوهم بهدف ترهيبهم وإهانتهم.
حينها كانت غالية رمضان تنتظر ابنها محمد وزوجته وأبناءه في المنطقة الجنوبية من الحاجز، مع عشرات النازحين إلى المنطقة الجنوبية الذين يتجمعون لاستقبال ذويهم القادمين من الشمال. وصل محمد رمضان باكياً هو وزوجته وأطفالهما، مؤكدين أنهم تعرضوا للإهانة على الحاجز، إذ قام الاحتلال باستجوابهما رغم محاولات محمد منع أخذ زوجته للاستجواب، كما أخافت الكلاب أطفالهما، حتى أن أحد الأطفال تبول لا إرادياً رعباً وخشية أن تهاجمه الكلاب، وذلك بعد أن نجوا من مجازر إسرائيلية عدة لاحقتهم في ثلاث محطات نزوح قبل نزوحهم الأخير.
لا يزال رمضان يعيش صدمة نفسية نتيجة ما تعرض له على الحاجز الإسرائيلي، وهو لا ينسى نظرات الحقد الواضحة على وجوه الجنود تجاهه وتجاه زوجته وأطفاله، حتى أن أحد الأطفال قال له لاحقاً إنه عرفَ الأشرار في مسلسلات الكرتون التي كان يشاهدها على موقع يوتيوب، لكنه يومها شاهدهم بعينه على الحاجز.
كان رمضان يتوقع الاعتقال على الحاجز، ويتخوف على زوجته التي استُجوبت بعيداً عنه، لكن لم يتم اعتقاله. يقول لـ"العربي الجديد": "دخل الاحتلال الإسرائيلي إلى شرقي مدينة غزة، وطلب من سكان حيي التفاح والشجاعية بالكامل الإخلاء إلى منطقة الصناعة في حي تل الهوا، فغادر الكثير من الناس مشياً على الأقدام، ثم فوجئنا بدخول المركبات العسكرية إلى منطقة الصناعة، وطلبوا منا النزوح من منطقة تل الهوا، بينما أناس كثيرون لا يعرفون إلى أين يذهبون لأن معهم مسنين وأطفالاً".
يضيف: "وصلنا قرب الليل إلى الحاجز، وكنا خائفين بالفعل بعد أشهر من الحصار والقصف، لكني لا أزال أعيش رعب الحاجز الذي تجاوز رعب الطائرات الحربية. قضينا أكثر من ثلاث ساعات على الحاجز، ثم سمح لنا بالدخول جماعة، كنا نمشي على ضوء الهواتف، ومن شدة الظلام كنا نتعقب أصوات أهالينا الذين كانوا ينتظروننا في الجزء الجنوبي من الحاجز حتى وصلنا. عندما احتضنت أمي بكيت بشدة لأنني رجل فقد كينونة القوة بداخله أمام أطفاله".
وارتكب الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت مجزرة بمنطقة تل الهوا استهدف فيها عدداً من المنازل المدنية، ما خلف أكثر من 60 شهيداً، ظل بعضهم لأيام ملقى على الأرض، وفي وقت لاحق نقلت طواقم الدفاع المدني جثامينهم، وكانت معظمها متحللة، ثم تكشفت مع الانسحاب الإسرائيلي من الحي فظاعة المجزرة.
على الحاجز، كان جنود الاحتلال يصادرون الهواتف والحواسيب المحمولة والأغراض الثمينة مثل المال والذهب، بينما تزعم سلطات الاحتلال أنها تصادر أموالاً تتبع لفصائل المقاومة لتبرير السرقات الحاصلة في العديد من المنازل والمحال التجارية.
في أواخر أيام شهر يوليو/تموز الماضي، صادر جنود الاحتلال الموجودون على حاجز نتساريم هواتف محمولة وجهازي لابتوب من المهندسة المعمارية هالة أبو سمرة (35 سنة)، وهددها الجنود بالاعتقال والتنكيل في حال لم تتابع المشي.
يصادر جنود الاحتلال الهواتف والحواسيب والأغراض الثمينة
كانت أبو سمرة تعمل عن بعد لصالح شركات تقع خارج قطاع غزة، من بينها شركات خليجية، وكانت تكمل عملها في التصميمات المعمارية تحت القصف الإسرائيلي، لكن الاحتلال سرق اللابتوب الخاص بها، وكذلك لابتوب شقيقها الأصغر، وكذا هواتفهما، واتهمهما بأنهما يدعمان جماعات إرهابية، وأن في تلك الأجهزة محتوى يجب الاطلاع عليه.
تابعت أبو سمرة السير حتى وصلت إلى إحدى الخيام التي يعيش فيها عدد من أقاربها في مدينة دير البلح، لكن ظل قلبها معلقاً بعملها الذي ساهم في تحسين دخل أسرتها، وإعالة طفلها الوحيد الذي أدخلته مدرسة خاصة كي يتلقى تعليماً متميزاً، وكانت تحاول مواصلة عملها كلما تمكنت من الوصول إلى الإنترنت، بينما كان عدد من أصحاب العمل يراعون ظروفها. لكنها فقدت كل ذلك.
تقول لـ"العربي الجديد": "تعمد الجنود إرعابنا على الحاجز، كانوا ينظرون إلى ما نحمله على أنه غنائم، وليس هناك أي جهة تحمينا من السرقة، أو تطالب بحقوقنا المنهوبة. لقد سرقوا كل ما أملك. اللابتوب عليه شغلي، وهاتفي فيه صور لذكرياتي مع ابني يزن (7 سنوات). هذا الحاجز نقطة موت وليس حاجز تفتيش، وما زلت أسأل هل سيتم إرجاع ما تمت مصادرته، رغم أنني على يقين بأنهم لن يعيدوا شيئاً".
تضيف أبو سمرة: "كنت من بين عشرات النازحين الذين تمت مصادرة وسرقة أغراضهم على الحاجز. يضعون لافتة تؤكد أنه حاجز إنساني، فيتخيل الشخص أنه أمام نقطة تفتيش عادية، لكنهم في الحقيقة يدققون في البيانات، ويتعاملون مع الأغراض التي نحملها على أنها متاحة للسرقة، ويعتقلون الشباب، ويحققون مع النساء، وحتى مع بعض الأطفال".
وتشير عدد من المؤسسات الحقوقية والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتقال الغزيين على حاجز نتساريم، وينكل بهم ويهددهم، رغم أنه أعلن في منتصف شهر يوليو الماضي، ضرورة توجه سكان المنطقة الشمالية إلى المنطقة الجنوبية، وأنه خصص طريقين آمنين، لكنه اعتقل العشرات منذ ذلك الوقت حتى بداية شهر أغسطس/آب الحالي.
واتخذ الحاجز اسمه من اسم مستوطنة نتساريم التي أقيمت في عام 1972، ضمن خطة توسيع إنشاء المستوطنات عقب النكسة العربية (1967)، والتي جرى تفكيكها بالكامل في عام 2005، وفق خطة الانسحاب الأحادي الجانب التي أقرها حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، وشملت جميع مستوطنات قطاع غزة.
وكانت المنطقة تضم تلالاً رملية، وبالقرب منها مزارع يملكها فلسطينيون، وتحدها من الغرب قرية المغراقة، وأقام مستوطنون صهاينة كتلة استيطانية في المنطقة، ثم توسعت لاحقاً حتى أصبحت مستوطنة كبيرة في عام 1984، وكانوا يركزون على سرقة المياه الجوفية لري مزارعهم، وكانت المستوطنة محصنة بالكامل من أجل حماية المستوطنين.
وكان يفترض أن تكون المستوطنة ضمن المناطق التي ينسحب منها الاحتلال مع غيرها من المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية لتطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني، لكنها ظلت قائمة بعد إتمام اتفاق أوسلو في عام 1993، وكان يسكنها العديد من المتطرفين الصهاينة، حتى تفكيكها في 2005.
وتحول حاجز نتساريم مع اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000 إلى نقطة تفتيش واعتقال إسرائيلية، واعتُقلت عليه عدة شخصيات فلسطينية، فضلاً عن شبان ومسنين، ليتحول الحاجز إلى نقطة مواجهة بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، كان أبرزها اشتباكات اندلعت في بداية أحداث الانتفاضة الفلسطينية.
مشاركة الخبر: حاجز نتساريم... الاحتلال يتحكم في حياة سكان غزة على وسائل التواصل من نيوز فور مي