ما جدوى العقوبات الأمريكية على الحوثيين؟
سبتمبر نت/ تقرير- توفيق الحاج
على مدى عشرة أعوام وتحديدا من منذ 2014م تصدر الولايات المتحدة الامريكية بشكل مستمر قرارات بفرض عقوبات على شخصيات وقيادات بارزة تتبع تنظيم جماعة الحوثي الإرهابي وكيانات مرتبطة بها.
عقد من الزمن صدر فيه أكثر من 20 قرارا مباشرا ضد جماعة مليشيا الحوثي وقرارات غير مباشرة استهدفت كيانات وجهات ذات علاقة وارتباط بتنظيم الحوثي.
العقوبات الأمريكية المفروضة على الحوثيين تهدف من خلالها أمريكا إلى ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على التنظيم الارهابي من أجل تغيير سلوكه العسكري والسياسي في اليمن، وهي جزء من استراتيجية أوسع تشمل حظر السفر وتجميد الأصول، وتستهدف الأفراد والكيانات الذين يشكلون خطرا محليا وإقليميا ودوليا.
بعض القرارات
قرار العقوبات الجديد الذي فرضته امريكا قبل أيام في تاريخ15 أغسطس الجاري القرار الجديد شمل فردا واحدا وست شركات وفرض حجزاً على ثلاث سفن لتورطها في تأمين إيرادات غير مشروعة لدعم أنشطة الحوثيين المزعزعة للاستقرار نيابة عن ممول الحوثيين سعيد الجمل المدعوم من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
كما شملت العقوبات- وفق الخارجية الأمريكية- شركة واحدة، وفرضت حجزاً على أربع من سفنها المرتبطة بالمسؤول في حزب الله محمد قاسم البزال وشحنة غاز مسال إيراني تقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات.
هذا القرار ذكر اليمنيين بسلسلة العقوبات الطويلة التي صدرت منذ عشر سنوات وجعلنا نقف على أبرز القرارات السابقة بالتحليل والمناقشة والاستعراض لذلك سنذكر أبرزها ففي 8 نوفمبر/ تشيرين الثاني 2014م صدر اول قرار عقوبات يستهدف مليشيا الحوثي حيث فرضت واشنطن عقوبات على القياديين الحوثيين عبدالخالق الحوثي، وأبو علي الحاكم لاتهامهم بتهديد السلام والاستقرار في اليمن وهو أول قرار اتخذته امريكا.
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020 فرضت وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على خمسة من القيادات الأمنية التابعة لجماعة الحوثي وهم عبدالحكيم الخيواني، ومطلق عامر المراني، وعبدالقادر الشامي، وسلطان زابن، وعبد الرب جرفان، لارتكابهم انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ومشاركتهم في الممارسات السائدة المتمثلة في الاحتجاز التعسفي والتعذيب للمواطنين اليمنيين والصحفيين والسياسيين.
وفي 2 مارس/ آذار 2021 أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على القياديين في جماعة الحوثي “منصور السعدي” رئيس أركان القوات البحرية و“أحمد علي أحسن الحمزي” قائد القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي للحوثيين بتهمة إطالة أمد الحرب الأهلية في البلاد ومفاقمة الأزمة الإنسانية.
وفي 20 مايو/ أيار 2021 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على رئيس الأركان العامة للحوثيين “محمد عبد الكريم الغماري” والقيادي البارز في الجماعة “يوسف المداني” بسبب قيادتهم هجوما على محافظة مأرب، حيث لايزال الاثنين يحتفظان بمنصبيهما.
وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إدراج القيادي في جماعة الحوثي “صالح مسفر الشاعر” قائد التنظيم اللوجستي العسكري للحوثيين ضمن قائمة العقوبات، لضلوعه في أعمال تهدد بشكل مباشر أو غير مباشر السلام و الأمن أو الاستقرار في اليمن.
هذه القرارات التي تم ذكرها عينة من عشرات القرارات وتم ايرادها لأنها سمت شخصيات حوثية تشغل مناصب وتمارس انتهاكات وترتكب جرائم بحق اليمنيين وتشكل خطرا اقليميا ودوليا، ولا تزال حتى اليوم.
هكذا تفهم
الذي يفهمه المتابع أن العقوبات الامريكية تقليص لقدرات مليشيا الحوثي على تمويل أنشطتها وتعزيز موقفها العسكري، أي اضعاف للمليشيا لكي تخضع للسلام وتستجيب للمبادرات الداعية الى حل سياسي شامل ينهي الصراع في اليمن ويوقف الحرب المدمرة التي طال أمدها.
فهل حققت العقوبات الهدف والغاية منها? وهل كانت فعلا مجدية? وما هي التحديات التي تواجه العقوبات?
تساؤلات كثيرة حاول بعض المحللين الاجابة عنها لكنها اجابات غير مكتملة حيث يشير الخبراء والدبلوماسيون إلى أن العقوبات تواجه تحديات كبيرة فهي قد تؤثر على بعض قادة الحوثيين أو الأفراد المرتبطين بها وسيكون تأثيرها على الوضع العام في اليمن محدود إلى حد ما.
تخوفات حاصلة
واشنطن وتقارير دولية تذكر بأن الحوثيين يستغلون الوضع الإنساني المتدهور في البلاد لتعزيز موقفهم على الأرض، وأن العقوبات لو فرضت بشكل اوسع وطبقت فإن ذلك قد يؤدي إلى تعقيد جهود الإغاثة الإنسانية وهو ما حصل رغم العقوبات الجزئية التي استهدفت اشخاصا بعينهم، فمليشيا الحوثي عقدت جهود الاغاثة ومنعتها واستغلتها ووظفتها الى أبعد حد ممكن كما استهدفت موظفي المنظمات واختطفتهم وسجنتهم.
يمكن القول: إن العقوبات الأمريكية على تنظيم الحوثي الارهابي لو طبقت فإن لها جدوى معينة في الضغط عليهم، لكنها ليست بديلاً كافياً لإنهاء الحرب وإرغام المليشيا على السلام، كما إن الاستراتيجية الأمريكية والخطوات المتخذة من قبل واشنطن بحاجة إلى تكامل مع جهود دبلوماسية دولية واسعة وحلول إنسانية لمعالجة الوضع في اليمن بشكل فعال.
لماذا فرض العقوبات؟
تستخدم الولايات المتحدة العقوبات على الاشخاص والكيانات والتنظيمات كأداة رئيسية في سياستها الخارجية لتحقيق أهداف استراتيجية، وذلك عبر الضغط على هذه الكيانات والأفراد الذين يُعتبرون تهديداً للأمن القومي أو ينتهكون حقوق الإنسان.
والسياسة الأمريكية في فرض العقوبات تستند إلى عدة مبادئ أساسية أبرزها إحداث تأثير اقتصادي مباشر على الكيانات أو الأفراد المستهدفين، مما يعزز الضغط عليهم لتغيير سلوكهم، إضافة إلى أن هذه العقوبات تُستخدم كوسيلة لفرض معايير دولية، مثل مكافحة الإرهاب، عدم الانتشار النووي، وحقوق الإنسان ومن ذلك أن العقوبات في النظر الأمريكي تعتبر أداة لتحقيق أهداف دبلوماسية دون اللجوء إلى القوة العسكرية.
بالمجمل تسعى السياسة الأمريكية من خلال العقوبات إلى خدمة الأهداف الامريكية ومصالحها الوطنية وخططها العسكرية والاقتصادية، ولا يهمها مصالح المجتمعات والدول، لو كان همها ذلك لعملت بجدية على انهاء الازمة اليمنية في وقت مبكر ومعاقبة الشخصيات المتسببة والتي ارتكبت جرائم حرب عظيمة كما هو حال الحوثيين.
هل تطبق أمريكا عقوباتها؟
تعتبر العقوبات الأمريكية المفروضة على الحوثيين بالغة الأهمية في سياق الحرب اليمنية، وقد شهدت هذه العقوبات تطورات متسارعة منذ فرضها، إلا أن التساؤل حول مدى تطبيقها الفعلي يظل محور اهتمام الكثيرين.
فمن الناحية النظرية فإن الولايات المتحدة كما يبدو تلتزم بتطبيق عقوباتها على الحوثيين، وذلك بهدف منع وصول الأسلحة والإمدادات إليهم، وتقويض قدرتهم على مواصلة العمليات العسكرية، وقد أعلنت الإدارة الأمريكية مرارًا وتكرارًا عن عزمها تطبيق هذه العقوبات بشكل صارم، فهل منعت الاسلحة من الوصول الى الحوثيين أم أنها مستمرة الوصول وبصفقات كبيرة? التقارير تشير الى حصول الحوثيين على اسلحة متعددة وصواريخ وطائرات مسيرة عبر ميناء الحديدة وعبر تهريب بري وبحري، ومن هذه التقارير تقارير أمريكية، فهل يعني ذلك ان امريكا تعاقب علنا وتغض الطرف سرا أم انها عاجزة عن تطبيق عقوباتها وتنفيذ قراراتها، الواقع يشير إلى هذا وذاك فهي تصادر صفقات اسلحة كانت في طريقها الى تنظيم الحوثي، وهي في نفس الوقت تغض الطرف عن عبور أسلحة وتعلم إنها تصل إلى أيدي الحوثيين.
شبكات معقدة
يذكر الخبراء أن هناك العديد من التحديات التي تعيق تطبيق العقوبات الامريكية بشكل كامل أبرزها تعقيد الشبكات الحوثية حيث يمتلك تنظيم الحوثي شبكات واسعة ومتشعبة للتجارة غير المشروعة، مما يجعل من الصعب تتبع وتجميد أصولهم، وهي في الحقيقة قضية صعبة على حكومة ودولة مثل اليمن، ولكنه ليست صعبة على دولة عظمى ذات ثقل عالمي مثل أمريكا فهي قادرة وبسهولة على كشف كل هذه الشبكات وتقطيع أوصالها في حال قررت بجدية.
ومن الصعوبات التي تعيق تطبيق العقوبات الوضع الإنساني حيث تتخذ امريكا وبريطانيا من الوضع الانساني شماعة لعدم معاقبة تنظيم الحوثي بقوة، وإن العقوبات قد تؤثر سلبًا على الوضع الإنساني في اليمن، خاصة فيما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية، والواقع أن الوضع الانساني معقد وان المساعدات الانسانية منعدمة ومستغلة كاملا من قبل تنظيم الحوثي فمما تتخوف امريكا وكل ما يدعو الى القلق قد تم انتهاكه واستهدافه.
رغم هذه التحديات، ورغم التعامل المزدوج وصعوبة تشخيص الواقع فإن هناك أدلة على أن العقوبات الأمريكية قد حققت بعض النجاح في تقويض قدرة الحوثيين وأنها تسببت في بعض الصعوبات الاقتصادية لهم.
ويمكن القول: إن تطبيق العقوبات الأمريكية على الحوثيين هو عملية معقدة ومتعددة الأبعاد. إلا أن هذه العقوبات تمثل أداة مهمة في الضغط على الحوثيين للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء معاناة اليمنيين.
إرهاب شمولي
مما لا شك فيه أن أي خطوة لتدمير تنظيم جماعة الحوثي يصب في مصلحة اليمن؛ فهذه الحركة الشمولية التي تمارس الحكم بادعاءات دينية زائفة، وعبر العنف والخداع ليست سوى مشروع فوضى وخراب على اليمن ولكن ما الإجراء المناسب الذي يضر بالحوثيين ويُصب في صالح الشعب اليمني؟، هل فرض العقوبات وتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية أم الاجتثاث العسكري؟.
إن العقوبات رغم أنها مصممة لتضر بالحوثيين ومن ورائهم حليفتهم إيران؛ إلا أن الضرر سيكون محدودا، فقد تحد من الحركة والاتصال والتعامل مع معظم دول العالم ومؤسساته المالية والتجارية، وقد تزيد من عزلة الحوثيين السياسية وتقلل من فرص الاعتراف الخارجي بهم، كتنظيم ومليشيا مسيطرة على بعض مناطق اليمن كل هذا الضرر ليس هو المطلوب والمرجو الذي يريده اليمنيون.
التاريخ يثبت أن العقوبات المشابهة على النظم الشمولية في إيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا، وغيرها من الدول لم تؤد إلى تغيير هذه النظم، وما حدث أن تلك النظم استثمرت موضوع العقوبات في المزيد من القمع لشعوبها وتجذير سلطاتها.
فمصادر قوة هذه النظم ووسائل سيطرتها لا تتأثر بالعقوبات، حيث أنها تمتلك قنوات خاصة لتحويل الأموال وإيصال الدعم الخارجي والتبادل التجاري عبر التهريب أو التحايل الذي يصعب السيطرة عليه، والدليل على ذلك تمكن الحوثيون من الحصول على الأموال والأسلحة رغم الحصار الشامل المفروض عليهم من قبل “دول التحالف” وحتى لو ادى الحصار والعقوبات إلى مجاعات فإن هذه النظم لا تسقط بل تستغل الأحداث.
حرب كبرى
لقد مارس الحوثيون بحجة الحصار والعقوبات ابشع الجرائم وعملوا ردا على هذه الاجراءات بمنع وعرقلة عمل منظمات الإغاثة الدولية التي تسهم بمنع اليمن من الانزلاق نحو المجاعة الفعلية؛ فهذه المنظمات رغم ما تُتهم به من هدر وفساد وسوء إدارة إلا أن ما تقوم به مهم وحيوي، فلا وجود لبديل حقيقي يقوم بعملية توزيع المساعدات الضرورية لأكثر فئات المجتمع اليمني ضعفا وهشاشة، وكلما اشتد الخناق على الحوثيين عملوا على إيصال الأوضاع إلى أقصى درجة من السوء ليبتزوا المجتمع والعالم.
إن نظاما شموليا ارهابيا متمردا مستغلا للدين مثل تنظيم الحوثي الارهابي لن يسقط إلا بعمل عسكري كبير وهذه الحرب لن يخوضها غير اليمنيين وبدعم خارجي كبير وصادق، أما الحروب الصغيرة، والعقوبات الاقتصادية فإنها تقويه وتصلب عوده وتزيد من توحشه وضراوته بحق اليمنيين.
ظهرت المقالة ما جدوى العقوبات الأمريكية على الحوثيين؟ أولاً على سبتمبر نت.
مشاركة الخبر: ما جدوى العقوبات الأمريكية على الحوثيين؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي