المطر حزن الريفي وبهجته معًا
ابن الريف عندما يغادر بلدته نحو المدينة قد يتعثر بالذكريات عن الحياة البسيطة وكلما تعثر وكان قاب سقوط في الأسى، ينهض ليرمم شروخ روحه ويبدأ من جديد سباق الزحام على أرصفة المدينة بحثا عن وجهه وسط ركام الخيبات.
تمر السنوات ويعتقد كثير من ابناء الريف أن المدينة أعادت تشكيل أرواحهم لتصبح معجونة بأضواء وصخب حياة المدينة، ولكنه في لحظة يكتشف أنه عاد ذاك الطفل الذي غادر قريته قبل عقود من الزمن نحو المدن بحثا عن ملامح مستبقل حلم راوده.
الأغاني الممزوجة بتوابل الأرض والتربة والشجر، وروائح الشقر ووجوه النساء التي لم تكن تعرف غير الكحل ومسحوق الهرد، ودخان مواقد الحطب وروائح صوف الماعز والمواشي الأخرى وغير ذلك، تسوق الريقي نحو رهان خاسر بالتشبث بالمدينة، هنا اتحدث عن الريفي الريفي الخام وليس الهجين.
وتزداد خسارة رهان الريفي بالتشبث بالمدينة مع كل هطول مطر يفر مذعورا من هواجس الشعور بالانتماء إلى طين الأرض العبق بالكد وبذور السنابل وجذور الأعشاب العطرية وهو يفصلها عن الطين في مواسم المطر ليهيء الأرض للحراثة، ولكنه يفشل بالتخلص من هذه العوالم العالقة بزوايا روحه.
تتنزل حبات المطر والطفل الريفي المهاجر المختبىء في قلبه ينمو أكثر فأكثر، ويغدو مستيحل السيطرة عليه فيصرخ أنا ابن هذا الطين أنا ابن هذا المطر أنا ابن الأرض والسنابل والحقول وجداول السيل التي تنسكب على التلال والجبال وكأنها تداعب أوتار جيتار، تلك التلال والجبال هي قلبي والسيل لحني السماوي.
يتمرد الطفل المختبىء وتنفضح يا ابن الريف بأنك لا تنتمي إلى عالم المدن، أنت تنتمي إلى دموع جدك وهو يبصر المطر يتنزل على الأرض، نعم أنت تنتمي إلى دموع جدك وأبيك وأمك وهم يرفعون أياديهم إلى السماء وكأنهم يرفعونها حتى لا تضغط عليك بثقلها.
هذا هو أنت يا ابن الريف، زبدة الأرض، معراج السنابل، الأكف التي تتقرح دما وهي تحتضن سيل المطر، العيون الباكية لله، القلوب الحامدة. أنت يا ابن الريف نصل محراث جدك وأبيك وأمك، ودخان مواقد الحطب، وروائح أقراص الذرة التي حصدتها أمك، فلا تخجل من أواني الفخار التي شربت بها الماء، وزريبة المواشي التي كنت تكنسها كل صباح، وظلال الشجر الذي كنت تستظل بها وأنت تسبق مواشي أسرتك إلى المرعى. أنت ابن هذه الأرض التي تحفظ ايقاع اقدام جدك وأبيك وأمك وقدميك مع بزوغ كل فجر كنت أنت رفيقه.
The post المطر حزن الريفي وبهجته معًا appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: المطر حزن الريفي وبهجته معًا على وسائل التواصل من نيوز فور مي