د. علي الراعي وجهوده في المسرح
لا أذكر أن هناك من سخر جهده للمسرح العربي وتقصى جذوره في التراث القديم مثل الدكتور علي الراعي، ولا ريب أن لتلك الجهود أهميتها وقيمتها العلمية والمعرفية التي ما تزال معينا ينهل منه الدارسون في الحقل الأدبي عامة والمشتغلون بالفن المسرحي خاصة.
وأكثر ما يلاحظ عنده -رحمه الله- هو ذاك الحس العروبي الأصيل الذي تجلى بصفة بارزة في سبيل إثبات هذا الفن في الثقافة العربية القديمة، مستدلا بعدد من الممارسات والظواهر التي رآها مجسدةً لخصائصه الفنية والشكلية؛ كمجالس الخليفة، وخروجه مع موكبه على الخيول المطهمة، والفن الحكواتي، والرقص في العصر العباسي، والاحتفالات والمناسبات الرسمية، والمواسم الأدبية، وغيرها.
ولم يكن غريبا أن ينقسم النقاد المحدثون إزاء إثبات هذا الفن إلى فريقين، منهم من يعتقد بوجود فن مسرحي قديم، ومنهم من يرى خلاف ذلك، وكل له حججه وأسبابه.
ولأن طبيعة الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة تمجد المنجز القديم وتحتفي بتكراره، خاصة في ظل حتمية التلاقي الثقافي وتوافد المناهج الغربية -وتحديدًا في عصر النهضة- التي تشكل بسببها عدد من التيارات الفكرية؛ بين محافظة على استرداد التراث العربي القديم، وأخرى منفتحة على الأنواع الأدبية الوافدة، وتوفيقية بين هذا وذاك. فلم يكن عسيرا على أصحاب التيار التقليدي تمثل المنجز الثقافي العربي القديم-شعرا، ونقدا، وبلاغة- والسير على منهجه والمحافظة عليه، ولم يكن لأصحاب هذا التيار تحديدا أن يغفلوا فن المسرح القديم والاتكاء على ثوابته وتمثلها في عصر النهضة مع بقية تلك المعارف والفنون التي أنجزها الفكر العربي القديم لولا وهن ذلك الأساس وافتقاره إلى المعايير والأدوات التي تكشف عن وجود مادي له! ولذلك لم تظهر ملامح هذا الفن إلا عبر التيار التجديدي الذي تعرف على الأنواع الأدبية الحديثة في منتصف القرن التاسع عشر مع مجموعة من النقاد الإحيائيين؛ كالنقاش، وصنوع، والقباني، ثم تطوره مع الحكيم، وعاشور، وعبدالصبور، وغيرهم.
فالمسرحية: «عمل درامي يؤلف ويصمم ليمثل على المسرح معبرا عن أفكار الحياة بواسطة الممثلين، ويقدر نجاح المسرحية بمدى نجاح أبطالها في جذب الجمهور، وأثارت اهتمامه ودفعه إلى المتابعة والانتظار لكل لحظة قادمة والمسرحية تعتمد على الحوار بين شخصياتها، وتقسم إلى فصول ومناظر ومشاه، وعناصرها الحبكة، والشخصيات، والصراع والفكرة والحوار.» ولعل هذا ما سعى الراعي لإثباته أو ما أراد له أن يكون!
والسؤال الذي قد يثار هنا: ما المعضلة إن لم يوجد في الثقافة العربية القديمة أو الوسيطة فن مسرحي؟
لا معضلة البتة -في نظري- ألا يكون هناك فن معرفي قائم بذاته وأدواته، بغض النظر عن منجزات العرب القدامى التي أفادت منها الحضارات الإنسانية دون شك، ولا بالضرورة أن يُستهلك الوقت والجهد في سبيل إثبات ما كان منفيا أو نفي ما كان مثبتا، إنما مناط الإشكال في الدور الثقافي المعاصر وانصرافه عن أداء مهمته في النهوض بهذه الأنواع وتطويرها، فالقيمة الحقيقة للمنجز إنما تكمن في الواقع المعاصر ولحاضره المعاش، لا صرف الجهد والوقت لإثبات منجزات ماضيه فحسب، فما الذي يمكن أن نجنيه إذا أثبتنا وجود نظرية، أو منهج، أو نوع أدبي معين في التراث العربي القديم ثم اكتفينا بالوقوف؟
مشاركة الخبر: د. علي الراعي وجهوده في المسرح على وسائل التواصل من نيوز فور مي